ينشغل الكثير منا بموضوع التعليم في العراق، والتغييرات السلبية التي طرأت عليه بأكثر من زاوية ومفصل. وكي نخوض بتفاصيل الأسباب التي أدت الى النتائج الحالية والمستقبلية سنحتاج الى مجلدات. اذ بدأت المؤسسة التعليمية بالانحدار مع اول درس خاص لجأ اليه الطالب العراقي، وذلك كان في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أي ان التدمير لم يبدأ مع جملة الإفساد الذي طال العراق بكل زاوية منه، وكل مؤسساته بعد عام 2003. لكن هذا العام “2003” هو الوقت الذي بدأ به الانحدار في كل مفصل من مفاصل الدولة العراقية، وبسرعة موجعة نحو واد سحيق من التخلف والظلمة، والحسرة حتى على ماض اسود عشناه وتمنينا الخلاص منه.
الطالب اليوم يمر بأسوأ حالاته، فهو تائه وحائر لا يدري ما هو الأنسب من الخطوات، كي يسير معها الى مستقبل آمن، فمن يتعب ويجتهد ويعاني من الاجهاد بسبب التركيز على حلم يراوده ويسعى لتحقيقه، يصف بمصاف طالب اخر لم يتكبد عناء الخوف حتى، من الاختبار والنتائج، لان الأخير لديه من يسنده، او قد يعتمد على قرار غير مدروس من مسؤول مثل كل عام يمنحه فرصة أخرى، فكأنهم بذا يتوسلون اليه ان يحافظ على مستقبله.
وجاء موضوع الامتحان للدور الثالث ليكون أحد اهم أسباب الاستخفاف بالامتحانات من اغلب الطلاب، هذا القرار الذي نال حظه من سخط العديد من الناس سواء من الطلبة المجتهدين او اهاليهم، لكن بالمقابل هناك طلاب وعائلاتهم هلّلو وطبلوا للقرار، بسبب انه يخدم مصلحة شخصية. فيبدو ان لا أحد يفكر بالمصلحة العامة، او مستقبل هذا الطالب الذي استخف بدروسه لثلاث مرات متتالية من الامتحانات، وأحيانا للمواد نفسها.
تلك الانانية التي تُنسي الفرد صواب التفكير وتذهب بعقله، هي ما يجعل الكثير من الأهل يفرحون بأي قرار يساعد أولادهم على تخطي مرحلة دراسية معينة، ليعطوهم فرصة تلو الأخرى، لإنقاذ أنفسهم، وكأنهم يمنحون وقتا ضائعا لتسجيل هدف الفوز، من لاعب كسول ومهمل. يستحق بعض الطلاب نتيجة الرسوب ليعيدوا المرحلة الدراسية ويعيشوا معنى التخلف عن اقرانهم، عسى ان يشعل هذا الوضع بقلوبهم نار الحماسة للاجتهاد أكثر وللاهتمام أكثر بما يتلقونه من علم.
التعليم جسر يربط بين حاضر الطالب ومستقبله، فإن لم يبنَ على أسس سليمة سيتصدع وينهار، وأحد أسس البناء الصح، القرارات والقوانين التي من شأنها الحفاظ على متانته، وبالضرورة الحفاظ على الطالب من كبوة قد توقعه، ولن يستطيع النهوض منها مرة أخرى.
التعليم في العراق يحتاج الى وقفات وبحوث ودراسات وإدارة حقيقية، تسعى للنهوض به، فكلنا نعلم ان خراب أي بلد يبدأ بخراب المؤسسة التعليمية، والمؤسسة التعليمية في العراق لم يتبق لها سوى خطوة واحدة لتنزلق الى أسفل منحدر وتتحول الى كومة اطلال.
التعليم يحتاج الى منهاج يحترم عقل الطالب ويحترم مواطنته وانسانيته قبل عقله، والى ملاكات تدريسية تفقه معنى تعهدها تجاه الوطن، والى قوانين جادة، بعيدة عن المحسوبية التي أتت في عدد من الجامعات بعمداء ليسوا اهلا لهذا المنصب الكبير لكن..! الفساد لن تكون نتائجه الا مثل تلك الفوضى والعبثية والعشوائية بتلك المؤسسة المهمة والخطيرة.
المؤسسة التعليمية اليوم تحتاج الى طائر فينيق ينهض بها من كومة الخراب ليعلن انتصاره عليه، وليصنع منه عبرة لمستقبل أفضل.
أحلام يوسف
التعليم يحتضر
التعليقات مغلقة