(ثلاث لوحات من كتاب العدم)

أوس حسن

بحار الظلمة
كان القمر طفلاً..
والأرض زرقاء كقلب الإله
هناك رأيت النهر مشنوقاً على سفح الجبل
والأيادي البيضاء تمتد من أعماق الكهوف..
طويلة ومتشابكة ..
كانت السماء رمادا ودخانا أبيض
والشمس قرصاً معتماً تدحرجه طيور بوجوه آدمية
هناك يغرق السكون في بحار الظلمة الباردة
وتنتحر أغنياتنا وصلواتنا ..
متى يتسع الكون لآلهين؟
متى نجرح ضباب الحكمة القديمة؟
متى يساوي الزمن صفراً..وتنكمش المجرات في ثقب إبرة ؟
أسئلة تمضي ..وأسئلة تأتي ..مع الصدى والنجوم البعيدة
والكابوس ذاته يطاردني ويلاحقني كظلي
أنا المسافر بين الدموع ورعشة النار
تنتابني رغبة في الرقص على أنقاض الخراب
أو النوم عميقاً على كتف أي ملاك عابر……..

موسيقى العدم
حدث ذات مرة أن الزمن تثاءب…
قبل أن يغفو إغفاءته القصيرة….
والعالم عاد إلى طفولته..فلم يعد ملوثاً
بالتكنولوجيا والإشعاعات.. ولا بنياشينه الباذخة
حينها لم نعد نسمي الأشياء بمسمياتها…
لم يعد سحر أسلافنا يسكن الكلمات والأسماء
كنا نسبح في العتمة..
ونترك الطيور تأكل من جماجمنا..
أو نروض القمر السجين ..
لتسيل النجوم من أسقف بيوتنا وجدراننا المهترئة
لم نعد نسمي الأشياء بمسمياتها …..
حتى الريح صارت بحراً هابطاً من السماء
تهرب من نفسها وتخبىء الأنين المكتوم..
خلف وميض النار
والجبال سفناً تترنح ..
ولا تسمع صرخة الرماد
هنا تتناسل الأبدية في عدم أسود..
(يكفي إشارة واحدة كي تعود اللغة إلى موطنها
يكفي حلم ينفث غيومه القرمزية
كي نجر أجسادنا المتيبسة من فوق العربات)
………………
لم يبق من هذا الحطام..
سوى شعاع نازف في عمق الظلام…
وزهرة نابضة في قلب الجليد
إنها تلك الموسيقى …
الموسيقى القادمة من أعماق العصور………..

ملاك في الجحيم
بعينين زجاجيتين …ووجه شاحب كالجليد
خرج من بين الدخان بيده حفنة من نار ..
هديره المرعب في أعماق الظلمة …
يبعثر غبار السماوات ويفتت حجارة الزمن
وكأي ملاك هارب من الجحيم ..
ترك الليل يئن في معطفه …
وفرًّ من اللوحة الصامتة…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة