من يعلق الجرس

صادق الشافعي

أمام حالة «التلصيم» في الوضع الفلسطيني الداخلي نهرب الى الأماني والى الخيال. هناك إنجازات تتحقق لصالح النضال الوطني الفلسطيني، بالذات على المستوى الدولي، جاحد من ينكرها.
الإنجازات تصنعها الأجهزة والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية للسلطة الوطنية، مجالها الأساسي، الهيئات والمؤسسات الدولية والوطنية الرسمية وشبه الرسمية.
المجتمع المدني الفلسطيني، يصنع ايضا إنجازات مهمة تتزايد بتسارع لافت ومبشر، ومجالها هو المجتمعات الوطنية وتنظيماتها ولجانها الشعبية والديموقراطية.
الإنجازات، بنحو عام، بقدر ما هي قابلة للتراكم والتأثير على المدى البعيد، الا انها، لا تصبح إنجازات قابلة للتنفيذ السريع تصب مباشرة في مصلحة معارك النضال الوطني في زمن ومدة الحاجة الماسة لها وقبل ان يتحول موضوع معركتها الى امر واقع وتتحول الإنجازات الى رصيد يتراكم من دون تنفيذ.
يحصل هذا لسببين أساسيين ومترابطين:
الأول، ضعف حركة المجتمع الدولي ومؤسساته وضعف قدرتها على تطبيق قراراتها الصائبة في وقتها المناسب، ليحولها التأجيل الى مرجعيات تفقد الكثير من قوة فعلها وتأثيرها، وتصبح العودة الروتينية لها من باب الاستقواء بها في تثبيت الحقوق السياسية أولاً، وفي المحاججة والجدل المفتقر الى الفعل المؤثر.
يلعب الدور الأساسي في هذا الحال توازن القوى الدولي القائم، وبالذات الهيمنة الاميركية وعدم استعداد الدول الكبرى الاخرى للخروج على بيت الطاعة الاميركي لأسباب عديدة خاصة بها مجتمعة، او بكل منها على حدة.
واذا حصل وخرجت هذه الدول من بيت الطاعة في وقت نقاش الامر واتخاذ القرار بشأنه، وهذا امر يحصل فعلا، فان الخروج لا يحصل، ربما مطلقاً، في وقت نقل الموقف والقرار الى ميدان التنفيذ.
السبب الثاني، الوضع الذاتي الفلسطيني غير القادر على استثمار هذه الإنجازات وما تحمله من مواقف وقرارات بشكل سريع ومتجاوب مع سرعة تطور الحدث وسخونته وإلحاحيته.
لهذا الوضع أسباب ذاتية عديدة في مقدمتها الانقسام، وأسباب اخرى تتعلق بأوضاع الإقليم، العربي منه بالذات.
واذا ركزنا على الوضع الذاتي الفلسطيني نرى، من جملة ما نراه، ان عدداً من التنظيمات القائمة، وباستثناءات متفاوتة ومحدودة، قد استهلكت نفسها ولم تعد قادرة على تطوير ذاتها بما يتلاءم مع متطلبات تطور أوضاع النضال الوطني وظروفه الذاتية الوطنية او الإقليمية او الدولية.
عدد من التنظيمات أصبح هياكل بلا محتوى، ان لجهة الفكر والسياسة والتنظيم، او لجهة العضوية والجماهيرية. ويختزل حضورها ببعض المواقع في بعض الهيئات القيادية وبالحضور الإعلامي المعتمدين بدرجة كبيرة على رصيد حضور ومقبولية بعض قادتها.
تؤكد هذه الحقيقة، نتائج الانتخابات القليلة التي تحصل بالضفة الغربية، بالذات في مجالس طلبة جامعاتها وبعض النقابات والمحليات القليلة. ( في غزة لا انتخابات ولا ما يحزنون وأهل الحكم مرتاحون من وجع رأسها).
حالة السكون والجمود التي تعيشها الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وفي مركزها، الاستقطاب الثنائي، بين حركتي فتح وحماس، هذه الحالة لا بد ان تنتهي لتفتح الطريق امام حالة مشاركة وجدل وتغيير شاملة تطال الواقع الفلسطيني بكل مقوماته، تشارك فيها كل القوى التنظيمية والمجتمعية. فمن يعلق الجرس؟
هل تكون قوى منظمة التحرير هي من يبادر الى ذلك بنفسها ومع الانفتاح على قوى وهيئات المجتمع المدني؟
وهل يكون هناك نوع من الائتلاف الواسع بين هيئات المجتمع المدني وشخصيات وطنية وازنة هو من يبادر الى تعليق الجرس ليفرض دوره وارادته على ما هو قائم لإحداث التغيير؟
ام يكون جهداً عربياً موحداً وجاداً ودؤوباً، ومحايداً في نفس الوقت، حتى لو اضطره الأمر اللجوء الى وسائل ضغط معقولة وإيجابية؟
وفي كل الأحوال فان اي عملية خروج من الواقع الحالي لا بد ان تنطلق وتتقيد بعدد من الضوابط، من اهمها:
التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية والتاريخية، التمسك بالمكتسبات التي تحققت مع الجاهزية لتطويرها، التمسك بوحدة الموقف والنضال الوطني الشعبي والمقاوم، اعتماد الحوار الإيجابي المنفتح وسيلة وحيدة للتغيير، واعتماد الديمقراطية والانتخابات في أساسها وسيلة وحيدة لتقرير الحياة الداخلية.
في مواجهة حالة «التلصيم» والشرود نحو الأماني والخيال، يبقى الناس، أهل الوطن، مقيمين على ارضه ومهجرين عنها بالقهر في الشتات والمهاجر، يبقون هم القادرين على « فعل» اخراجنا منها واستعادتنا من شرود الأماني والخيال الى ارض الحقيقة والامل الواثق. في ذكرى انتفاضة الأقصى المجيدة، قام كل أهل الوطن بهذا «الفعل» بكفاءة واقتدار.
في هذا اليوم نفذ اهل الوطن اضراباً عاما شمل كل مناطق الوطن، كما شمل مناطق الشتات بالفعل والمشاركة حيث امكن ( مخيمات لبنان)، وبالتجاوب مع الإضراب ومطالبه على شكل فاعليات ومواقف متنوعة حسب ما سمحت به ظروف تجمعات تشتتهم ومهاجرهم الأخرى.
كان التجاوب مع دعوة «لجنة المتابعة العليا» للجماهير العربية في مناطق الـ 48، شاملاً عميقاً ومبشراً، يذكّر بالموقف يوم إعلانهم 30 آذار 1976 يوما للأرض.
أكد الإضراب الشامل ان وحدة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده حاضرة متجذرة وفاعلة لا تلغيها كل إجراءات الاحتلال وأجهزته، ولا يؤثر فيها خلاف داخلي او انقسام الا في حدود النكد.
اكد الإضراب الشامل ان الموقف الوطني شديد التوحد في وجه اي مشروع او قانون يشكل تهديدا للحقوق الوطنية او للحق المصان في العيش الكريم على كل ارضه. وشكل الإضراب الشامل استفتاء فلسطينياً شاملاً وبامتياز للشعب الفلسطيني على ارض وطنه رغم انف كل قانون يحرّم عليه ذلك.
واكد الإضراب ان الناس، اهل الوطن، هم الاجدر والاقدر على «تعليق الجرس».

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة