آرون ماجد
في مواجهة الديون المتراكمة والتضخّم في القطاع العام، أطلق رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز مشروع قانون ضريبياً جديداً في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، بعد كان قد وعدَ بالقيام بتحرّك مهم بحلول اليوم المئة لتسلّمه منصبه. بيد أن القانون الضريبي الذي يحمل توقيعه يواجه معارضة شديدة. ففي 15 أيلول/سبتمبر، قطع نشطاء غاضبون جلسةً عقدها وزراء في الحكومة لمحاولة تفسير التشريع في مدينة الطفيلة جنوب البلاد، وتسببوا بتوقّفها عنوةً.
وقد شدّد أحد أبناء الطفيلة: «لن نقبل أبداً بأي نسخة لأي قانون يفرض ضريبة على الدخل». وفي اليوم التالي، أقدم مواطنون على طرد وفد رسمي قادمٍ من معان، من جلسة نقاش للتعريف بالقانون الضريبي.
وقد أظهر استطلاع أُجريَ في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري أن نحو 75 في المئة من المواطنين يناشدون مجلس النواب معارضة التشريع الضريبي الذي طرحه الرزاز. يُعبّر هذا الاعتراض على مشروع القانون عن مشاعر الإحباط التي كانت قد بلغت ذروتها قبل أربعة أشهر فقط.
ففي حزيران/يونيو الماضي، اندلعت احتجاجات شديدة ضد مشروع قانون الضريبة على الدخل الذي أطلقه رئيس الوزراء الأردني السابق هاني الملقي، وصادقت الحكومة عليه في 21 أيار/مايو. في مواجهة الاحتجاجات الشديدة التي بلغت نطاقاً أوسع بكثير من التظاهرات التي اندلعت ضد نقل السفارة الأميركية إلى القدس في كانون الأول/ديسمبر 2017، عمد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى استبدال رئيس الوزراء، معلّلاً السبب بـ»الضرائب غير العادلة» – وهي حيلة مألوفة يتم اللجوء إليها لنزع فتيل الاحتجاجات عن طريق التغيير الصوَري مع إبقاء الأمور على حالها، ما يُتيح للمتظاهرين التنفيس عن غضبهم. وبعيد تسلّم الرزار رئاسة الوزراء في السابع من حزيران/يونيو، أقدم على سحب مشروع القانون الممقوت.
غير أن الحكومة الأردنية ظلّت متنبّهة إلى أن تحديث مشروع القانون الضريبي أمرٌ أساسي للعافية المالية في البلاد، نظراً إلى أن نحو أربعة في المئة فقط من المواطنين يُسدّدون ضريبة على الدخل، كما أن النمو السنوي (وهو المصدر التقليدي للإيرادات في البلاد) تراجع إلى نحو اثنَين في المئة في الأعوام الأخيرة. وقد خُيِّل إلى الدولة أن فرض القانون الضريبي سيكون أسهل بعدما بدا أن الاحتجاجات قد هدأت.
بيد أن القانون الضريبي الجديد الذي يقترحه الرزاز مشابه جداً للقانون السابق. فهذا القانون يفرض، ابتداءًا من العام 2019، على الأشخاص الذين يتقاضون ما يزيد على 9000 دينار أردني (12700 دولار أميركي) في السنة تسديد ضريبة دخل، بالمقارنة مع 8000 دينار (11300 دولار) في قانون الملقي – مع تحديد عتبة مضاعَفة لدخل العائلات الخاضع للضريبة بموجب مشروعَي القانون. وسجّلت معدلات الضرائب المفروضة على المصارف انخفاضاً طفيفاً من 40 في المئة بموجب قانون الملقي إلى 37 في المئة في نسخة الرزاز المنقَّحة.
يسعى التشريع إلى تحقيق عائدات إضافية قدرها 280 مليون دينار (395 مليون دولار أميركي) في العام 2019، موزَّعة على الشكل الآتي: 180 مليون دينار (254 مليون دولار) تُجمَع من الزيادات الضريبية، والباقي من الإجراءات المتّبعة لمكافحة التهرب الضريبي الذي تمارسه 132000 شركة أردنية بحسب التقديرات. في 24 أيلول/سبتمبر، وافقت الحكومة الأردنية على نسخة محدَّثة من مشروع القانون الضريبي قبل إرسال التشريع إلى مجلس النواب في اليوم التالي.
تواجه الحكومة أزمة شديدة على صعيد الموازنة. فقد سجّل معدل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في الأردن ارتفاعاً شديداً ليبلغ 96.1 في المئة في العام 2018، ولم تحقق عمان أي تقدّم تقريباً باتجاه تنفيذ الاقتراح الذي تقدّم به صندوق النقد الدولي في العام 2016 لخفض هذا المعدل إلى 77 في المئة بحلول سنة 2021. لو تجاهلت حكومة الرزاز النداء الذي وجّهه صندوق النقد الدولي لاعتماد قانون ضريبي سليم مالياً، كان ذلك ليدفع على الأرجح بالمستثمرين الخارجيين إلى الانسحاب من المملكة، وبوكالات التصنيف إلى خفض التصنيفات الائتمانية للأردن، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بإغراق البلاد في أزمة اقتصادية أشد استفحالاً.
مع تراكُم الديون الأردنية وبلوغها 37 مليار دولار، تواجه عمّان أعباء إضافية جراء استضافتها أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، ويُتوقَّع أن تتفاقم هذه الضغوط نظراً إلى إعلان واشنطن، في 30 آب/أغسطس، بأنها ستقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي حصلت على 364 مليون دولار من الولايات المتحدة في العام 2017.
تُقدّم عيادات الأونروا الصحّية الخدمات لنحو 1.1 مليون لاجئ فلسطيني، وتؤمّن الوكالة الخدمات التعليمية لـ120000 طفل في الأردن. تعاني المدارس الحكومية في البلاد من أعباء طائلة بسبب «الانتقال الجماعي» لـ50000 طالب من المدارس الخاصة إلى الرسمية، جراء عجز أولياء الأمور عن تسديد الأقساط المدرسية المرتفعة، وقبول نحو 130000 طالب سوري في المدارس الأردنية خلال العام الدراسي 2017-2018. في حين أعلن الأردن في 28 أيلول/سبتمبر أن البلدان المانحة جمعت 120 مليون دولار إضافية رداً على القرار الأميركي، إلا أنه من شأن التراجع الإجمالي في المساعدات للاجئين الفلسطينيين أن يُلقي بضغوط على قدرة الأردن على تأمين الخدمات التعليمية.
وقد أطلقت الحكومة، إدراكاً منها بأن مشروع القانون الذي لا بد منه سيلقى معارضة، موقعاً إلكترونياً لشرح القانون بأسلوب ذكي، وتبذل جهوداً حثيثة لترويج مشروع القانون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك أرسل الرزاز وزراء من أجل شن حملات لتسويق مشروع القانون في المدن البعيدة عن العاصمة في 17 أيلول/سبتمبر، بعد الكشف عنه إنما قبل إحالته إلى مجلس النواب، محاوِلاً أن يُظهر للرأي العام أنه مهتم بالاطلاع على آرائهم وأنه يُثمّن وجهات نظرهم قبل وضع اللمسات النهائية على القانون. لكن على الرغم من هذه الجهود، يواجه الرزاز أشكالاً مجحفة من سوء التفسير لمشروع القانون الضريبي من قبل عدد كبير من المواطنين، تماماً كما حصل مع الملقي. فكثيرون من الأردنيين يخشون أنهم لن يتمكنوا من تسديد الضرائب لأنهم عاجزون عن إيجاد وظيفة، متجاهلين أنه لن يُفرَض على العاطلين عن العمل تسديد دينار واحد، وأنه بموجب مشروعَي القانون، يظل حوالي 90 في المئة من السكان معفيّين من الضريبة على الدخل.
كذلك بدا أن حسام أبو علي، مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، ذهب بعيداً جداً في محاولته ترويج مشروع القانون قائلاً: «صُمِّم هذا القانون خصيصاً لتحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء» عبر منح الحكومة أموالاً لتوسيع الخدمات، سيما الرعاية الصحية، والنقل، والتعليم. غير أن حصول الحكومة على إيرادات إضافية لا يؤدّي بالضرورة إلى تحسين النقص في الخدمات الذي يتسبّب، إلى جانب ارتفاع معدل البطالة الذي يبلغ راهناً 18 في المئة، بتأجيج غضب الكثيرين في مختلف أنحاء المملكة. وفي جانب مهم، قلّةٌ تُبدي ثقتها بأن الحكومة سوف تستخدم الزيادات الضريبية لتحسين الظروف المعيشية، وذلك نظراً إلى الفساد المستشري في البلاد منذ مدة طويلة. فبعد تصنيف الأردن في المرتبة 45 من أصل 167 بلداً في «مؤشر مدركات الفساد» لعام 2015 الذي تضعه منظمة الشفافية الدولية، تراجع ترتيبه 14 درجة في مؤشر 2017، ليصبح في المرتبة 59 من أصل 180 بلداً.
يتخوّف الأردنيون من وضع الحكومة يدها على مزيد من مواردهم المالية المحدودة فيما تُبقي في الوقت نفسه على الوضع القائم المتمثّل في تردّي وسائل النقل العامة، وانهيار البنى التحتية الحكومية، والفساد المستشري. لذلك يطالب المواطنون بالحصول على خدمات اجتماعية أفضل قبل تحميلهم أعباء الزيادة الضريبية. وقد أطلق الأردنيون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستخدمين هاشتاغ «الإصلاح قبل الضريبة». فعلى سبيل المثال، في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، انتقدت أحدى الناشطين الحكومة على خلفية منع المرأة الأردنية المتزوّجة من أجنبي من إعطاء جنسيتها لأولادها، في حين يُعد هؤلاء الأولاد أردنيين بموجب قانون الضريبة، ويُفرَض عليهم تسديد الضرائب. وطالب مواطنون آخرون الحكومة بمكافحة الفساد عبر اتخاذ تدابير أكثر حزماً، وإعادة توجيه المبالغ التي تُنفَق بطرق غير مشروعة من أجل تحسين برامج الرعاية الاجتماعية.
كذلك تبقى اللا مساواة في مجال الرعاية الصحية هاجساً مستمراً للنشطاء، وفي هذا الصدد، يعاني أحد المستشفيات في عمان من الازدحام الشديد إلى درجة أنهم وضعوا العديد من الأولاد على سرير واحد. ولا يزال أردنيون كثر يشعرون بتبعات القرار الذي أصدرته الحكومة في كانون الثاني/يناير الماضي بزيادة سعر الخبز بمعدل الضعف تقريباً. كذلك يبلغ الإحباط من القطاع التعليمي مستويات مرتفعة، ففي الأعوام الأخيرة، لم يتمكّن طالبٌ واحد في مئات المدارس الثانوية الأردنية من النجاح في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة المعروف بالتوجيهي.
وفي محاولة لمعالجة شكاوى النشطاء، أشار الرزاز، في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، إلى أن الأموال التي ستُجبى من الضرائب الإضافية سوف تُستعمل في تحسين المواصلات والرعاية الصحية فضلاً عن الشؤون المالية، وإلى أنه سيعمل لتحويل الأردن إلى حكومة برلمانية في غضون سنتَين بغية معالجة الركود السياسي المستمر. لكن بما أن المواطنين يسمعون، منذ سنوات طويلة، وعوداً بالإصلاح من دون أن يتحقق تغيير ملموس، يُبدي النشطاء تشكيكاً في كلام الرزاز.
إقدام الرزاز بصورة سريعة على إعادة تدوير القانون الضريبي الذي كان قد وُضِع على الرف قبل أربعة أشهر فقط، يؤكّد على دعم النظام الملكي لمشروع القانون. فبعدما أسفرت احتجاجات حزيران/يونيو عن موجة واسعة من الاضطرابات، ليس وارداً على الإطلاق أن يُحجم عبدالله عن أداء دور أساسي في دعم هذا التشريع الحسّاس. لو كان الملك معارِضاً لمشروع القانون، لأرغمَ الرزاز على الاستقالة مثلما فعل مع الملقي، إلا أنه لم يُظهر أي بوادر بأنه سيُقدم على مثل هذه الخطوة. وقد عمد الأردنيون الذين يواظبون على إبداء الدعم لسياسات الملك، إلى تصعيد الهجمات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ضد منتقدي مشروع القانون الضريبي.
كذلك حاولت عمان حماية الملك عبدالله من ردود الفعل ضد القانون غير الشعبي عبر إلقاء الملامة على الملقي. فقد أظهرت وسائل الإعلام الرسمية الملك في صورة مَن يتدخّل لمصلحة الشعب عبر تجميد ضريبة منفصلة على المحروقات في الأول من حزيران/يونيو، في قرار حظي بالثناء من الموالين للنظام. لقد أوكل الملك، مجدداً، إلى رئيس الوزراء الرزاز مهمة التسويق لمشروع القانون في مقابلات عبر وسائل الإعلام المحلية، فيما يركّز العاهل الأردني اهتمامه، على الرغم من موقعه الأكثر تأثيراً، على مواضيع سياسية تلقى قبولاً أكبر لدى جمهوره الداخلي، سيما النزاع الفلسطيني.
على الرغم من ذلك، برزت انتقادات متزايدة، حتى في أوساط النخبة السياسية. فقد كتب الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، في تغريدة عبر موقع تويتر في 25 أيلول/سبتمبر:ربما البداية يجب أن تكون بتصحيح نهج الإدارة الفاشلة للقطاع العام، وإجراء جدي لمكافحة الفساد المتفشي، ومحاسبة جادة للفاسدين، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة». وحذّر النائب صداح الحباشنة الرزاز في 26 أيلول/سبتمبر قائلاً: إما أن تسحب هذه القوانين أو تسقط كما سلفك هاني الملقي».
المفارقة أن القرارات التي اتخذها الملك تكراراً بإقالة رؤساء الوزراء لم تؤدِّ سوى إلى ترسيخ الوضع القائم. لقد أفضت إقالة الملقي وسحب مشروع القانون الضريبي الأول إلى انسحاب المتظاهرين من الشارع، ما يُقدّم فرصة أخرى للحكومة الجديدة. على الرغم من أن القانون الضريبي الذي أعلن عنه الرزاز يرتدي أهمية من أجل خفض الديون الوطنية المتراكمة، إلا أن المواطنين الغاضبين من الفساد المستشري منذ زمن طويل، يبدون غير مستعدين لمنح الحكومة هذه الفرصة. ففي غياب تحسينات اقتصادية ملموسة تقوم بها الحكومة، تعهّدَ عدد كبير من المواطنين بمحاربة قانون الرزاز الضريبي أو سائر الإجراءات التقشفية المالية، ما يجعل عمان تواجه صعوبة أكبر في معالجة أزمة الديون. وهذه المرة، قد لا تكون لعبة الكراسي الموسيقية التي يقوم بها الملك كافية لتهدئة غضب المتظاهرين، حيث يُبدّل رؤساء الوزراء فيما يُبقي السياسات الضريبية الممقوتة على حالها إلى حد كبير.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
آرون ماجد محلل لشؤون الشرق الأوسط في شركة Tesla Government، وهي شركة متعاقدة مع الحكومة الأميركية تُقدّم أبحاثاً مفتوحة المصدر.
صدى/كارنيغي