الزعفرانية ، واحدة من المدن البغدادية المهمة ، لأنها تمثل ثقلا سكانيا وصناعيا وزراعيا ، فعدد سكانها ناف على ٧٠٠ الف نسمة ، ومعظمهم يقع ضمن الشرائح العمرية النشطة اقتصاديا ، وهم طيف اجتماعي متجانس بألوانه الجميلة ما اعطاها نكهة طيبة لها علاقة باسم المدينة المشتقة من الزعفران الاصفر الذي يعطي الطعام نكهة طيبة .
وفي الجانب الصناعي ، فان الزعفرانية تكاد تكون الاولى على مستوى العاصمة والعراق بعدد المصانع والشركات والمعامل سواء كانت حكومية ام مختلطة ام تابعة للقطاع الخاص ، وقد زاد هذا التنوع الصناعي من اهمية الزعفرانية وجعلها محط اهتمام رجال الاعمال والمستثمرين والعاملين القادمين اليها من شتى المحافظات ، وزراعيا ، فان هذه المدينة مُحاطة بالبساتين والمزارع التي ترتوي من نهري دجلة و ديالي اللذين يلتقيان في كنف الزعفرانية ..يرافق ذلك التنوع السكاني والصناعي والزراعي ، ثراء معرفي ، فهي مدينة انجبت الكثير من الشعراء والأدباء والكتاب والمهندسين والأطباء والقضاة والصحفيين وأساتذة الجامعات الذين يشار اليهم بالبنان …
ولكن على الرغم من كل هذا الغنى المتنوع ، إلا ان الزعفرانية مازالت تعاني الكثير من المشكلات ،لاسيما في الجانب الخدمي بشتى مفاصله .
والزعفرانيون بوصفهم مواطنين فعالين ، رسموا لأنفسهم مسارات حياتية مهمة تسهم في تلبية متطلبات المدينة من الخدمات وغيرها ، ومن المبادرات الجميلة التي تستحق التوقف عندها هي قيام مجموعة من ابناء مدينة الزعفرانية بإنشاء مركز اجتماعي اطلقوا عليه مركز تقدم الزعفرانية ، وهذا المركز يديره واحد من الصحفيين الشباب من ابناء المدينة وهو الصحفي جعفر الونان يعاونه مجموعة من وجوه المدينة وباختصاصات مختلفة ، فبينهم القاضي والمهندس والطبيب والصحفي وشيخ العشيرة .. الخ .. والمركز دائم الانعقاد بما يشبه البرلمان ، فهو مفتوح لمواطني المدينة ، ليناقشوا قضاياهم اليومية ويبحثون عن الحلول والمعالجات ، ولقد تمكنوا فعلا من معالجة جملة من المشكلات المرتبطة بقطاعات التعليم والصحة وبقية الخدمات ، ولكن الاهم من هذا هو سعي ادارة المركز المذكور إلى استضافة كبار المسؤولين في الحكومة ، ليعرضوا عليهم مشكلاتهم وبيان مفاصل التقصير ومواطن الحل لتلك المشكلات التي ترتبط بالقطاع الذي يمثله ذلك المسؤول ، والجميل ايضا ان هناك استجابة طيبة من قبل العديد من المسؤولين للحضور إلى المركز والاستماع إلى مشكلات ابناء الزعفرانية .. وآخر تلك المبادرات تمثلت باستضافة وزير العمل والشؤون الاجتماعية / وزير الصناعة وكالة المهندس محمد شياع السوداني ، وكنت مدعوا لحضور هذا اللقاء ، الذي كان مثمرا جدا ، وقد راقني كثيرا الطريقة التي عرض بها ابناء منطقة الزعفرانية قضاياهم المتعلقة بوزارتي العمل والصناعة ، وكان الوزير السوداني متفاعلا بنحو جيد ، كان الحاضرون قد وزعوا الادوار فيما بينهم بحسب الاختصاص ، فتحدثوا بطريقة علمية مقنعة ، وعلى مدى ثلاث ساعات ليلية متواصلة كان الحاضرون يطرحون المشكلة تلو الاخرى ، وكان الوزير يجيبهم عن كل قضية يطرحونها ويسجلها في دفتر ملاحظاته واعدا اياهم بإيجاد الحلول لكل واحدة منها ، ولم يكتف ابناء الزعفرانية بطرح مشكلاتهم الخدمية فقط ، انما ذهب الحديث إلى المشهد السياسي ، فتحدث عدد منهم محللا ومستقرئا لهذا المشهد وما ستؤول اليه مسارات الاحداث .
وهنا يمكنني القول ان تجربة كهذه تعد تجربة مهمة لأنها تسهم في اعطاء المجتمعات المحلية دورا فعالا لتكون شريكة في عملية صناعة القرار ، وهي تجربة تشبه تماما الرؤية الخاصة بالصندوق الاجتماعي للتنمية في العراق الذي اعلن عن اطلاقه مؤخرا ، وتقوم فكرته على اساس قيام المجتمع المحلي على مستوى القرية والحي والناحية والقضاء بتحديد المشاريع التي يحتاجونها ، بغية تمكينهم من الوصول إلى الخدمات الاساسية في مجال الصحة والتعليم وتحسين الدخل وغيرها ، وأتوقع ان تجد تجربة «برلمان الزعفرانية» صدى طيبا لها في مناطق اخرى ، لأنها تمثل تجسيدا حقيقيا للمشاركة المجتمعية في تغيير الواقع نحو الافضل ، وليس مستبعدا في ان نجد الذين وضعوا فكرة هذا البرلمان ، اعضاء في البرلمان العراقي ، وسيكونون مختلفين عن غيرهم لأنهم جاءوا إلى البرلمان وهم مدججين بالخبرة ، ما يعطيهم زخما استثنائيا في حل المشكلات والقضايا .
عبدالزهرة محمد الهنداوي
برلمان الزعفرانية
التعليقات مغلقة