حلم العودة

الكثير منا يحلم بوسيلة يستطيع من خلالها الهرب من الواقع الذي يعيشه، بحلم العودة الى الطفولة.
“النوستالجيا” مصطلح يعني “الحنين إلى ماضٍ مثالي”، وهنا تنحصر المثالية بتلك الفترة، التي يمكن ان لا تكون أفضل حالا من سني الشباب والنضوج، لكنه محيط نصنعه في خيالنا يتم فيه التركيز على الزوايا المشرقة فيه، واستبعاد كل المساوئ والسلبيات التي مرت بنا في تلك المرحلة من حياتنا.
لكن ما الذي يدفعنا الى التفكير بهذا الحلم، مع اننا بمرحلة الطفولة، كنا قد اختزلنا امانينا واحلامنا بحلم واحد. ان نكبر وننضم الى فئة الشباب، الحر بتصرفاته، باختياراته، بتنقله من مكان الى مكان اخر.
الامر الذي يميز الطفولة عن المراحل العمرية الأخرى، انها مرحلة اللامسؤولية، ولأننا كائنات كسولة وهنا احدد غالبية أبناء دول العالم الثالث، نفضل الاعتماد على الغير في كل تفاصيل الحياة، وكأننا نريد بذلك الهرب من تحمل مسؤولية النتائج.
الكسل حوّلنا في العراق الى اشخاص سلبيين، فمؤخرا حتى التفكير أصبح بالنيابة.
هذا الميل الى الاتكالية هو ما يجعلنا نحنّ الى مرحلة الطفولة، فانا اعرف الكثير كانوا قد عاشوا طفولة بائسة، غلب عليها العوز، لكنه اليوم يتمنى العودة اليها، ويعلنها صراحة، ان التعب والمسؤوليات والوضع السياسي بات يؤرقه، ونسي انه بطفولته لم يكن يفقه شيئا عن معاناة اهله من الوضع السياسي وقتها، لكنه لم يدرك حجمها وما تسببه من قهر بسبب كونه طفلا.
الطفولة احدى المراحل العمرية الجميلة التي نمر بها في بداية حياتنا فهي بداية استكشافنا لهذا العالم المليء بملايين التفاصيل والزوايا المبهمة والتي نظل نكتشف المجهول منها الى اخر أيام عمرنا، لكن هي ليست مثالية، فينقصها الكثير مما أدركناه في مراحل العمر المتقدمة، الحرية بإبداء الرأي. الحرية في اتخاذ القرارات. القدرة على التحاور بشأن أي موضوع، والزهو الذي نشعر به بعد انجاز معين نقوم به.
“النوستالجيا” او الحنين الى ماض جميل ومثالي، الية يستعملها العقل لاستدعاء الذكريات الجميلة التي تقتصر على اللعب مع أولاد الجيران او الأقارب، أي هي اشبه بأحلام اليقظة، التي تنحصر لدى الشباب بفتاة او فارس الاحلام، لكنها متمركزة بنحو عام بمراحل عمرية متقدمة، اذ تتولد بسبب إحساسهم بأنهم فقدنا قيمة الحياة، لكن وبسبب الحاضر المتعب بكل زواياه، أصبحت “النوستالجيا” وسيلتنا جميعا كهولا وشبابا لإنعاش التفكير، وغذاءً روحيا، للشعور بان حياتنا ذات قيمة، ونستطيع ان نجعل لها أهمية لكن بصورة تختلف عما كانت عليه. لكل مرحلة عمرية ميزات وسلبيات، ولنتذكر، اننا اليوم نحن الى ماض كنا فيه ونحن الى ماض قد سبقه.
أحلام يوسف

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة