أدب الحكمة في وادي الرافدين قديماً

سعدي السند:
شهد مقر رابطة مصطفى جمال الدين في البصرة اقامة أمسية متميزة، تحدث فيها المؤرخ والموسوعي ناهي الطائي عن أدب الحكمة في وادي الرافدين قديما، بحضور نخبوي تمثل بعدد من مبدعي ومثقفي مدينة البصرة.
بدأت الامسية بكلمة ترحيبية لرئيس الرابطة الشاعر محمد مصطفى جمال الدين تلاها قراءة للسيد مصطفى جمال الدين لمقطع مسجل بصوته رحمه الله من قصيدته (إلى القمة الصاعدة) أعقبها محاضرة المؤرخ ناهي الطائي عن أدب الحكمة في وادي الرافدين.
أكد الباحثون المختصون وعلماء التاريخ وبنحو يبعث على الفخر، بأن العراقيين الأوائل ظهروا كرسل حضارة، وامتد وجودهم الى ساحل البحر الأبيض المتوسط من الجنوب الشرقي، ومن الجزيرة العربية، واسهم هذا الانتشار بانتقال التقاليد والقيم الروحية والأدبية للمجتمع العراقي القديم الى جميع المناطق المحيطة، وتحولت تلك القيم الى عناصر مكونة للنسيج الوجداني لشعوب المناطق المجاورة. وشكّل ذلك حافزا لسكان تلك المناطق كي يندفعوا باتجاه منبع الثروة في بلاد الرافدين، وأسس ذلك نوعا من الترابط والتلاقح جعل الكيان القاطن في البلاد ملونا، مما جعل المؤرخين يعدون بلاد ما بين النهرين كيانا متميزا عن الحضارات المجاورة، ذات الكيان الاجتماعي الواحد، وان الثقافة العراقية تكونت من ثقافات وطنية تمتلك مميزاتها الفكرية والروحية.
كما جرى تأكيدهم على ان ملحمة كلكامش سبقت الملاحم التي كتبها عظماء الاغريق والرومان، الذين اطلعوا على انجازات العراقيين الأدبية والفكرية، وان أغلب الأعمال السومرية، الأدبية قد كتبت بصيغة شعرية، وقدمت الدراسة التحليلية لمحتويات النصوص منذ أربعينيات القرن الماضي.
ويشير المؤرخون بان أدب الحكمة يركز على مجموعة الحكم والأمثال والأقوال المأثورة، التي تمنح دروسها الاخلاقية، منطلقة من الحياة اليومية، وغايتها ترسيخ الأسس الاجتماعية.
واعتنى العراقيون الأوائل بالعائلة بوصفها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع، كما اهتموا بالفوارق الاجتماعية، والمرأة، والقضايا الثقافية، وتأسست مدارس متخصصة، كان من مهامها اعداد هذه الحكم والنصائح وتنظيمها، وادخالها في مناهج التعليم المدرسي.
واستقطبت المدرسة السومرية رجال العلم والثقافة للقيام بترتيب تلك الحكم، وسار الأكديون والبابليون والآشوريون على نهج السومريين في العناية بأدب الحكمة، وجاء العديد من الألواح الأدبية، بلغة مزدوجة من السومرية والأكدية، فكان الأدب يملك خاصية الابداع الفني.
العراقيون عرفوا بانتقاء المواضيع ذات الأثر المصيري على حياة الناس، وتفضيل الطاقات الدرامية فيها، مستهدفين ايقاظ وتنشيط الفضائل، واتصف القول المأثور بالايجاز وبلاغة الحجة، واتصل هذا الأدب بالاحاجي والقصص، وأصبحت العائلة كيانا اجتماعيا تتعزز فيه حقوق الانسان، وان مجموعة الامثال والاقوال المأثورة ركزت على محاور عديدة، مثل الموقف من العمل، والفوارق الاجتماعية، والاسرة والعلاقات العائلية، ومحور مكانة المرأة، ومحور الموقف من الثقافة والمعرفة، ومحور الأخلاق العامة.
النشاط المعرفي في العراق القديم، حسب الباحثين مر بثلاثة مرتكزات أساسية، اولها الكتابة المسمارية وثانيها المعبد، وثالثها المدرسة العراقية، وشكلت هذه المرتكزات حواضن خصبة للثقافة العراقية، التي أمدت الحضارات اللاحقة، بنشاط علمي وثقافي كبيرين، وبين المؤرخون ان هناك عوامل عديدة، ساعدت على اصالة الثقافة العراقية، أبرزها انها حاجة ضرورية لتحقيق التطور في الحياة الانسانية، فالسومريون وجدوا في التعليم استجابة لحاجتهم في مسك السجلات، التي يدونون فيها أعمالهم، وينظمون أعمال حسابات المعبد، والمراكز الحكومية، وقد استعملوا الألواح الطينية، لتدوين أعمالهم، ثم جففوا تلك الألواح، في أشعة الشمس او تنانير النار.
وأمامنا مسلة حمورابي التي أراد بها مبدعها بأن يجعل العدالة تسود في الأرض، فركزت على الأمور المدنية، وكانت تهدف الى توفير الحماية الى جميع الناس، وقدم حمورابي درسا عميقا في اعلاء شأن الحياة الانسانية، باحترام القوانين، وكان رجل دولة وسياسة وادارة من الطراز الأول، فيعلم الناس ان اي قوة حقيقية تستمد جوهرها من العدالة، ومن القانون الذي هو أداة تطبيقها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة