حالات العنف أثناء الدراسة تتزايد والأطفال بين مطرقة الأهل وسندان المدرسة

المفوضية العليا لحقوق الأنسان تبدي قلقها
بغداد- الصباح الجديد :

ما إن يبدأ العام الدراسي الجديد في كل سنة حتى يأخذ الطلبة وذووهم بالمقارنة بالأعوام الماضية اذ تمتزج مشاعرهم بالعديد من التوافقات والمتناقضات عن ما يحمله العام الدِّراسي الجديد وما عليهم أن يبدوه تجاهه وكيف عليهم أن يستقبلوه ، لكن مخاوف عديدة تجول بخاطر أولياء الأمور جراء تصاعد العنف بين المعلم والتلاميذ في شتى المراحل الدراسية « الصباح الجديد «، كان لها وقفة لنقل اراء عدد من المثقفين والمختصين الذين اكدوا ضرورة التخطيط والتنظيم لاستقبال العام الدراسي الجديد بعيداً عن العنف والأساليب التي تؤدي الى افشال العملية التربوية مما يؤثر على الطالب ويسهم في زيادة اعداد المتسربين من الدراسة .

قلق من تصاعد العنف
المفوضية العليا لحقوق الأنسان في العراق أعربت عن قلقها من تصاعد العنف التربوي في المدارس مع بداية العام الدراسي الجديد.
وأكد مسؤول ملف التربية والتعليم في المفوضية العليا لحقوق الانسان، د أنس أكرم محمد: أن تصاعد ظاهرة السلوك العدواني العنيف للمعلمين والمدرسين في المدارس العراقية مؤشر خطير يزيد من نسبة العزوف والتهرب المدرسي، ويضاعف نسب الأمية التعليمية في العراق، ويهدد تماسك المجتمع العراقي.
وشدد عضو مجلس المفوضية العليا أن حادثة مدرسة الحكمة الابتدائية في بغداد التي كانت ضحيتها (التلميذة ريماس الجنابي) وكذلك ما جرى تناقله عن حادثة اخرى في ذي قار، يعزز مخاوفنا في استفحال هذه الظاهرة في بقية مدارس المحافظات العراقية وتحوله الى سلوك ملاصق للملاكات التدريسية والتعليمية وانتهاك صريح مع سبق الأصرار لحق التعليم ، وهو ما يتوجب على وزارة التربية ومديريات التربية في المحافظات بمعالجة هذه الظاهرة واتخاذ العقوبات الانضباطية للحد منها أن تطلب الأمر .
وطالب مسؤول ملف التربية والتعليم في المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق ذوي الطلبة المعنفين الى مراجعة مكاتب المفوضية في المحافظات لضمان حقهم في الشكوى والتقاضي والتعاون لمكافحة هذه الظاهرة قبل استفحالها.
المفوضية العليا لحقوق الأنسان اهابت بالملاكات التربوية والتعليمية اعتماد النظم والمعايير الدولية في التربية والتعليم التي أقرتها منظمة التربية والعلوم (اليونسكو) وبما يضمن أعداد جيل متعلم ومحصن ضد الآفات المجتمعية التي تسعى الى نخر جسد المجتمع العراقي .

أسباب عديدة
الدكتور احمد الرديني قال : كل الخير نتمناه لطلبتنا الاعزاء والملاك التدريسي مع بداية عام دراسي جديد .آما عن العنف في المدارس من وجهة نظري الخاصة فأنه يشمل عدة محاور اولها الضغط النفسي للطلاب من ناحية عدم وجود التكافؤ في اللبس والحالة المادية مع وجود عنصر المقارنة من قبل الطلبة الاخرين ومع ذات الطالب ويتعدى هذا الموضوع الى اسماع الطلبة لبعضهم البعض بكلمات جارحة مع التفاخر فيما بينهم من ناحية شراء الاهل لهم بمقتنيات وحاجيات لا يستطيع بعض الطلبة من اقتنائها بسبب الظرف المادي ، المحور الثاني قد يشمل التعامل من قبل الهيئة التدريسية وعدم اعطاء مساواة في طريقة التعامل وخاصة المعنوية بين الطلاب وترغيب وتشجيع طلبة من دون طلبة اخرين .
وقد يشمل المحور الثالث ، عدم وجود مساحات كافية خلال الفرص بين الدروس والتدافع والضرب الذي يحصل خاصة لذوي البنية الضعيفة من الطلاب وايضا خلال خروجهم من المدرسة وايضا قد يشمل التهديد والوعيد بين الطلبة بالضرب بعد الخروج من المدرسة وكذلك لا بد من الاشارة ايضًا بكمية واوزان حقائب المدرسة الثقيلة خاصة للمدارس الاهلية ، والتي تعد جزءا من الاضطهاد البدني للطلاب ،اضافة الى التعامل الخاطئ بالضغط من قبل المدرسة والاهل في تحضير الواجبات .كل هذا وذاك وغيرها يشكل ضغطا على الطلاب يؤدي بالنتيجة الى كره الطالب بالمدرسة وهذا ما نجده مع الاسف عند اغلب الطلبة في العراق .

الخلل في التعيينات
ويرى المشرف التربوي السابق حمزة سلمان الجنابي، في حديث له: أن استعمال العنف أو بعض السلوكيات السيئة الأخرى من قبل المعلمين يعود إلى آلية التوظيف المتبعة في وزارة التربية، والتي سمحت بدخول أعداد كبيرة إلى هذا المجال من دون أن تكون هناك لجان متخصصة بفحص السلوك والسيرة لهؤلاء، أسوة بِلِجان فحص النظر والمؤهل العلمي.
الجنابي الذي عمل لأكثر من 35 سنة في مجال الإشراف التربوي في محافظة بابل أوضح: أن تفشي المحسوبية والرشاوى في تعيينات وزارة التربية أوجدت ملاكات لا تحسن أساليب التعليم والتربية الصحيحة، وتستعمل العنف البدني وسيلة أساسية مع التلاميذ، وهي حالة مغايرة لما كان موجودا سابقًا، حين كان المعلم يكتسب احترام الطلبة وطاعتهـم لـه مـن قـوة شخصيتـه.
ويتابع الجنابي قوله: أن الشاب الذي يتعامل مع رفاقه ومجتمعه بعنف وقسوة، من الطبيعي أن يستمر على المنوال نفسه حين يتم تعيينه معلمًا أو مدرسًا في وزارة التربية، وبالتالي ينقل هذه السلوكيات إلى داخل أسوار المدرسة، لافتًا إلى أن بعضهم لا يكتفي بهذه الممارسات فقط، وإنما يعمد إلى تصويرها ونشرها على مواقع التواصل نوعًا من التباهي والفخر بين أصدقائه.
مواقع التواصل الاجتماعي تعج بصور ومقاطع نشرها معلمون، وهم يعاقبون تلاميذهم باستعمال الضرب والعنف اللفظي، وفي المقابل ينشر أولياء الأمور محتويات مماثلة لإصابات لحقت بأبنائهم، نتيجة العنف الذي تمارسه الملاكات التدريسية.

القانون يمنع بشكل قاطع
الخبير القانوني فرهاد الجاف في حديث له قال: أن القانون وضع عدة طرق وأساليب لتأديب الطلبة، ولم يجعل الضرب من بينها، مشددًا على أن النص القانوني كان صريحًا وواضحًا بمنع العنف البدني وبنحو قاطع.
استعمال الضرب والعنف اللفظي، وغيرها من الأساليب المرفوضة، من شأنها أن تولد حالة من النفور لدى الطلبة.
ويبين الجاف : أن نظام المدارس ذو الرقم 30 لعام 1978، والساري المفعول، نَصَّ على أن تستعمل الهيئة التعليمية عدة أساليب في تأديب الطلبة وتوجيههم، ومنها: النصح والتوجيه الفردي، أو استدعاء ولي الأمر إلى المدرسة من أجل التداول معه في سبيل إرشاد التلميذ، لافتًا إلى أن هذه الأساليب تتطور إلى الإنذار أو التوبيخ في مرحلة لاحقة، وتسمح بنقل التلميذ إلى مدرسة أخرى.
ويتابع الخبير الإداري أن القانون حدد عقوبة النقل، وجعلها مناطة بقرار من قبل مجلس المعلمين، على أن يتم تبليغ ولي الأمر بها تحريريًا، وله حق الاعتراض على عقوبة النقل لدى مدير التربية المختص، وخلال مدة لا تتجاوز الأسبوع الواحد من قرار النقل، مضيفًا بأن المدرسة الناقلة مُلزَمة بتزويد المدرسة المنقول إليها الطالب بتقرير يوضح الأسباب الداعية لهذه العقوبة.
ويخلص الجاف ، إلى أن القانون وضع أمام الملاكات التعليمية كل هذه العقوبات وجعل تطبيقها يتم بالتدريج في سبيل تحقيق المراد منها في مرحلة معينة، ومن دون الحاجة إلى العقوبة التي تليها، حتى يتم المراد منها في إصلاح وضع التلميذ وتقويم سلوكه، مستدركًا بأن القانون واضح، وينص في مادته الثانية على «منع العقوبة البدنية بأي شكل من الأشكال منعًا باتًا».

كاد المعلم ان يكون رسولا
الناشط المدني شمخي جبر قال: ان ممارسة العنف ضد الطفل تبدأ قبل ولادته، بل قبل زواج ابيه وامه، اي قبل تكونه كجنين داخل رحم المرأة الام ،التي قد تكون غير مهيأة للقيام بدور الام (زواج القاصرات) وربما حتى الاب غير قادر وغير مهيأ ان يكون أبا لعدم اكتمال نضجه العاطفي والعقلي ، والذي سيكون اباً قاصراً غير مهيأ لان يتصدى لهذا الدور الاجتماعي ، بل احياناً حتى تأسيس هذه العائلة الجديدة وتكونها الاول جاء تلبية لرغبة الكبار في تزويج الصغارمع ان وجود الطفل لم يكن مخططا له بل جاء بنحو اعتباطي مفاجئ من دون ان تكون الاسرة الصغيرة الجديدة مهيأة له.
كما ان الام المسؤولة الوحيدة عن تربية الطفل ونموه في ظل مسؤولية الاب وانشغاله في عمله قد تكون امية وغير ناضجة نفسياً وعاطفياً واجتماعياً، او قد تكون امرأة معنفة في ظل التسلط التربوي والعنف الاسري، وبهذا تكون مهدمة الروح والجسد مشوهة عاطفيا ونفسيا. امرأة كهذه تحمل كما هائلا من الاحقاد والضغائن على واقعها ومجتمعها وان لم يعد تأهيلها نفسيا واجتماعيا واعادة ثقتها بنفسها ومجتمعها، فان كل معاناتها تنعكس على طفلها. في ظل كل هذا يبقى الطفل متنقلا بين العنف الاسري والعنف المدرسي الذي يتلقفه حال وصوله للمدرسة، حين يوضع بين يدي معلم ليس لديه من بضاعة سوى تأهيله الأكاديمي وهي المعيار الوحيد لاختياره كمعلم حال تخرجه من احدى الكليات او المعاهد الخاصة بأعداد المعلمين ولم يحصل على تأهيل او اعداد آخر.
وتابع جبر: ان هذا المعلم ليس لديه من وسيلة للتواصل مع الطفل في المدرسة سوى وسائل الزجر والارغام وفرض ما يريد من دون اخذ شخصية الطفل وتطلعاته وتوجهاته بعين الاعتبار. وهو هنا يفرض ما يريد بالقوة والقسر وليس من خلال التفاعل والاقناع، وسيلته الوحيدة الناجعة هي العنف بكل اشكاله النفسي والجسدي واهمال ما لدى الطفل من مواهب وامكانيات.
وزاد جبر: المعلم بذلك لا يتعامل مع الطفل ككائن له شخصية وكيان بل يتعامل معه كوعاء قابل للتعبئة ليس الا، فيعكس المعلم للطفل كل امراضه الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تلقاها هو ايضا من بيئته ومعلمين صانعي عاهات اجتماعية. معلم كهذا لا يعمل على تنمية شخصية الطفل وتعزيز استقلاليته وتعزيز ثقته بنفسه وما عدته لينمو بنحو سليم.
المعلم العاهة يعمل على سحق شخصية الطفل وتهديمها بالعنف المادي (الضرب) او العنف النفسي كالاحتقار او الشتم. هذا المعلم لا ينمي روح المبادرة والاعتداد بالذات وتفجير امكانيات الطفل، بل قتل جميع مواهبه ومسح كرامته بالأرض من خلال الاهانات التي يوجهها له. فلا يعامله باحترام بل باحتقار وازدراء، فلا يأخذ بنظر الاحترام توجهاته ومواهبه ومستوى قدراته، فتصبح لدى الطفل نظرة سلبية لنفسه ومعلمه بل ومجتمعه، فيرفض ويقاوم التواصل والتفاعل فيصبح الدرس مملا مكروها والمدرسة سجناً.
وأضاف: ان المعلم في اغلب الاحيان لا يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية للطفل واسرته، وبالتالي فهو لا يستطيع ان يصل الى حالة التفاعل مع الطفل، وتسهيل مرور الطفل في مراحل طفولته بسلام من دون ان يتعرض للأذى.
وزاد جبر ان هذه الصورة السلبية للمعلم لا يمكن اعمامها، اذ هناك من تنطبق عليه مقولة (كاد المعلم ان يكون رسولا) فهو حامل لرسالة انسانية شريفة، رفيق بتلاميذه فهم امانة في عنقه يحرص على تأديتها على أكمل صورة، لكن الصورة القاتمة التي تحدثنا عنها هي ظاهرة شائعة في بعض مدارسنا.

مشهد العنف
الكاتب توفيق التميمي قال: العنف في المدارس هو جزء من مشهد العنف العام الذي يسود الحياة العراقية بنحو عام ويلقي بظلاله على سلوكيات بعض المعلمين وهم بالأساس نتاج تربوي لزمن تسيدته الحروب واعمامها العنف في جميع مجالات الحياة.

الجهل بالتعليم
الخبير الإعلامي عبد الأمير البياتي بين، ان طرق التربية والتعليم الحديثة تؤكد على عدم تعنيف الطلبة لان هذا التعنيف يسبب لهم وضعاً نفسياً مؤلما قد يدفعهم الى ترك الدراسة. ونحن بالكاد نقنع الطلبة على ضمان الاستمرار في التعليم لخلق شخصيات اجتماعية متعلمة في المجتمع، لان ترك الدراسة يعني الجهل، وللجهل هذا مساوئ على الاطفال والشباب والطلبة والمجتمع بنحو عام وقد يدفعهم الجهل الى الارتماء في أحضان الارهاب من دون ان يدركوا الاضرار الكبيرة التي قد يترتب عليها هذا العمل.
لذا على الهيئتين التعليمية والادارية اتباع الاساليب الحديثة في التربية والتعليم لخلق جيل واع متعلم وتحصين المجتمع من الانزلاق.

سلوك منحرف
الإعلامية نورس الطائي قالت: ما لا شك فيه أن العنف المدرسي، نوع من الانحطاط في النظام القيمي ومكوناته، يبدأ من عدم الحياء مروراً بالتهديد ثم الضرب وقد يصل إلى القتل ويرجع ذلك بنحو كبير إلى إهمال الجانب القيمي في الوسط المدرسي أي قلة الأنشطة المدرسية ذات البعد القيمي أو غيابها التام، فالعنف المدرسي ظاهرة سلوكية منحرفة ناجمة عن انهيار في السلم القيمي وهي متكررة في الوسط المدرسي الذي تعرف فيه انتشاراً لا يستهان به، ويبقى خطرها كبيرة جداً، لما يترتب عليها من آثار مدمرة للفرد وللمجتمع .

اكتظاظ المدارس
الإعلامي المغترب حبيب محمد قال: شهد العام الدراسي الجديد بداية متعثرة بسبب العنف غير المعقول واللا انساني من قبل المعلم، وبات التلميذ مهددا بترك التعليم، بسبب التعنيف من قبل القائمين على العملية التربوية مما ينعكس سلباً على الطالب والمدرسة. فضلاً عن معاناة المدارس التي تعاني من مشكلة الاكتظاظ، حيث يصل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى الـ 60 طالبا.
وتابع محمد قوله: العنف لم يقتصر على المدارس، بل طال المعلم ايضاً، وأصبح موقع التواصل الاجتماعي المرآة التي تعكس الصورة السلبية للتعليم في البلاد.
وبين ان دور المعلم كبير فهو بمنزلة اب واخ للتلميذ، وعليه ان يفكر كيف يكون انموذجا يحبه التلاميذ ويميلون له ولا يكرهون المادة التي يدرسها.
وزارد محمد في ظل تطور العالم والتكنلوجية علينا ان نعرف كيف نستطيع ان نسخر العالم العصري وتكنولوجياه للطلبة حتى نغير من منهجية التعليم ففي السابق كنا نعشق المدارس بسبب معلم محبوب يجعلنا نعشقه ونحتسبه ابا واخا كبيرا يحتضن موهبنا ويعلمنا اما اليوم أصبح اطفالنا لا يريدون الذهاب الى المدارس بسبب العنف والضرب والعصبية المفرطة التي تصدر من اغلب المعلمين في وقتنا هذا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة