شيرزاد شيخاني
ثلاثة أخطاء قاتلة إرتكبها مسعود البارزاني خلال سنة واحدة أعتقد أنها أنهت أو ستنهي دوره السياسي على الصعيدين المحلي والدولي . الخطأ الأول ، كان إصراره على تحدي المجتمع الدولي حين تمسك بالإستفتاء الذي أجراه في شهر أيلول من العام المنصرم ، على الرغم من عدم وجود أرضية مناسبة لإعلان الدولة المستقلة التي كان يتطلع إليها ، وذلك لظروف دولية وإقليمية معروفة منذ عشرات السنين ، ورفضه الاستماع الى كل النداءات المحلية والإقليمية والدولية بالعدول عن هذا التحدي الكبير للإرادة الدولية.
والثاني هو عناده وإصراره الغريب على ترشيح سكرتيره الشخصي فؤاد حسين لمنصب رئيس الجمهورية في العراق ، والذي أغضب جميع القوى السياسية العراقية والكردية .
والثالث هو ردود فعله العنيفة وغير المتزنة تجاه خسارته المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، وإعلانه بعدم التعامل مع الرئيس العراقي المنتخب .
بالنسبة للخطأ الأول خسر بارزاني وحزبه كل أشكال الدعم الدولي وخصوصا الدعم الأمريكي لنظامه في إقليم كردستان ، وأفقد إصراره على التحدي الدور البارز الذي كان يلعبه البارزاني على الساحة السياسية العراقية ، حيث كانت الكتل السياسية العراقية تحسب له ألف حساب عند تشكيل الحكومات العراقية السابقة ، حتى أن كلمة الفصل بالنسبة لرئيس وزراء العراق كانت له ولمام جلال ، وبعد مرض الأخير ثم وفاته أصبح البارزاني هو المرجع للقرار السياسي بكردستان بعد أن تمكن من فرض سلطته الدكتاتورية على جميع الأحزاب الأخرى في الإقليم ، ولم تستطع أية كتلة سياسية تشكيل أية حكومة عراقية سابقة من دون مباركة بارزاني الأب ، ولكن دعوته للإنفصال وإصراره على الاستفتاء المشؤوم أفاقت الكتل السياسية من غفوتها وبدأت تشعر بحجم الخطر المحدق بوحدة العراق مع تنامي دور البارزاني ، ولذلك تحركت قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي لإخراج نصف مساحات أراضي كردستان بالمناطق المتنازعة من يد وسلطة البارزاني ، وطرده من منابع النفط في كركوك ، ثم فرض الحصار السياسي والاقتصادي على الإقليم والذي دفع ضريبته الشعب الكردستاني .
أما الخطأ الثاني والذي لايستقيم أبدا مع ما كان البارزاني الأب يخطط له قبل سنة وهو الانفصال عن العراق ، هو إصرار البارزاني هذه المرة وبعناد غريب على ترشيح سكرتيره الشخصي لأعلى منصب بالعراق وهو منصب رئيس الجمهورية . وكان الخطأ ناجما عن عدم إدراك البارزاني لأهمية هذا المنصب الذي يرمز الى هيبة الدولة ، فرشح سكرتيره الشخصي للمنصب من دون أي إعتبار بأن من شأن ذلك أن يثير مشاعر الغضب لدى قادة الكتل السياسية ، حتى قالت بعض المصادر ، أن أولئك القادة أبلغوا وفد البارزاني بتغيير مرشحهم لكي يتسنى لهم حشد الدعم له ، ولكن البارزاني الأب أصر على الاستهتار بمشاعر قادة هذه الكتل ونوابهم في البرلمان ومضى بعناده في ترشيح حسين للمنصب ، وهذا ما أدى الى رفضه والتصويت الكاسح لمنافسه الدكتور برهم صالح .
الخطأ الثالث الذي إقترفه البارزاني الأب هو إعلانه بأن حزبه لن يتعامل مع الرئيس المنتخب برهم صالح ، وهذا أمر في غاية الغرابة ، فكيف يجوز لإقليم مازال الى اليوم جزءا من العراق أن لايتعامل مع رئيس منتخب يمثل رمز الوطن ، وهو الذي ينتظر كل عشرين بالشهر أن ترسل الحكومة الاتحادية بعض المبالغ لإعانته بدفع رواتب موظفي الإقليم !. يبدو أن البارزاني أراد أن يلعب تلك اللعبة السمجة التي تقول ( إذا لم تشركوني في اللعبة ، فسأخرب الساحة ) . فإما أن يكون سكرتيره رئيسا للبلاد أو أنه لن يتعامل مع الرئيس الجديد ؟؟!!.
الأخطاء الثلاثة هذه، أفقدت البارزاني الأب الدعم الدولي لنظامه وسيطرته على جميع الأمور في الإقليم . كما أفقدته دعم القوى العراقية وإعتباره المرجع الأول والأخير للقرار السياسي بكردستان ، بدليل أن المرشح الذي أصر عليه لم يحصل على أكثر من عشرين صوتا ، وهذا تحد واضح من أعضاء البرلمان من كافة الكتل السياسية لسطوة وسلطة البارزاني على القرار العراقي . وأفقدته أيضا دعم حلفائه في كردستان وخاصة الاتحاد الوطني الشريك الستراتيجي لحزب البارزاني ، الذي بات مهددا بالحرمان والتهميش من المشاركة بأية سلطة قادمة في كردستان .
ان البارزاني الأب وحزبه يعيشون اليوم في أحلك أيامهم بسبب تلك الأخطاء القاتلة، فخطأ الاستفتاء جعل من البارزاني أن يدفع الثمن بكرسيه الرئاسي في الإقليم ، والخطأ الثاني جعلته يخسر القوى السياسية العراقية التي نأت بنفسها من دعم مرشحه للرئاسة العراقية، والخطأ الثالث جعلت من شريكه الاتحاد الوطني أن يقف موقف التحدي تجاه سياساته الانفرادية ، مما سيشجع توجهات البعض نحو تقسيم إقليم كردستان الى إدارتين منفصلتين.
ماحدث في الآونة الأخيرة بظهور قيادات شبابية جريئة داخل صفوف الاتحاد الوطني ، وقدرتهم على التحدي الكبير لطموحات حزب البارزاني، ونجاحهم الساحق في فرض مرشحهم لمنصب الرئاسة رغم ما كان لبارزاني وحزبه حتى اللحظة الأخيرة من تأثير كبير على القرارين الكردستاني والعراقي ، يعد كل ذلك رسالة واضحة الى البارزاني الأب بأنه لم يعد له ذلك التأثير على القرار السياسي ، وأنه آن الأوان لكي يغادر المسرح ، ويترك الأمور بيد الجيل الثاني بحزبه ليخوضوا المعارك القادمة بعقلية شبابية متفتحة مع غرمائهم ، وليس بالعقلية التقليدية والعشائرية التي أدار بها البارزاني الأب سلطته الدكتاتورية الى اليوم . فقد حان وقت التغيير المرتقب ودفن العقلية الكلاسيكية والشرعية الثورية ، وحان وقت الممارسة السياسية بعقلية منفتحة ، فالجيل قد تغير والهموم تغيرت ، ولابد أن تجدد الأحزاب نفسها لكي تتمكن من التعايش مع متطلبات المرحلة القادمة .
المطلوب وبإلحاح أن يغادر البارزاني الأب المسرح السياسي ويترك الأمور بيد أبنائه ، فقد أصبح خارج الزمن الحاضر ، ورحم الله امريء عرف قدر نفسه ، وكفى الله المؤمنين شر قتال .