المخرج التلفزيوني حسن حسني:
خاص – الصباح الجديد:
ممثل ومخرج عراقي أدى بطولة العديد من المسلسلات أبرزها (نادية)، و(رجال الظل)، وغيرها. تحول إلى الاخراج التلفزيوني ونجح فيه أيضاً إلى حد فاق فيه نجاحه كممثل، اذ أن بعض اعماله ماتزال ذكراها في المخيلة كمسلسل ذئاب الليل في جزئه الأول. لكن تبقى ادواره في الدراما لاتبارح الذاكرة كما في دوره شخصيته المعقدة في مسلسل «نادية» الذي ذاع صيته نهاية الثمانينيات، ودوره في مسلسل «رجال الظل» حيث مثل دور مهندس يدرس في باريس، وتحاول أن تجنده المخابرات الإسرائيلية. كذلك دوره في مسلسل (مواسم الحب) مع الفنانة شذى سالم الذي يجسد فيه دور العاشق الولهان.
في الاخراج أبدع في العديد من المسلسلات التي باتت تمثل علامة في الدراما العراقية لما فيها من تقنية فنية وحس عالٍ ورؤية إخراجية متقدمة كما في أعماله «ذئاب الليل ج1» و»الأماني الضالة» و»عنفوان الاشياء» و»مواسم الحب» الذي أخرج ومثل بطولته في آن واحد .
غادر العراق إلى الأردن ثم السعودية حيث استقر هناك بحكم ان زوجته تحمل الجنسية السعودية وهي شقيقة (أخت) المخرج السعودي عبد الخالق الغانم.. لكنه ظل يمارس نشاطه الفني عربياً، فتارة نجده مخرجاً في الأردن، أو ممثلاً في الشام، أو ممثلاً في بغداد.
وانت تتصفح سيرة الفنان الكبير حسن حسني تقف امام موهبة عراقية فذة. فنان اضافت اعماله الغزيرة رونقا للفن العراقي عموما والدراما التلفازية خصوصا، اضاءات ابداعية توهجت في اعمال درامية كثيرة كمخرج وممثل تكاد تضيق بها مساحة الاوراق اختارها حسن حسني برؤى الفنان المثقف المجدد، اعمال حسن حسني التي وضعته في دائرة التميز والرقي ظلت ومازالت تؤطر الدراما العراقية بفيض الواقعية والرصانة والجدية والجمال.
(الصباح الجديد) التقت بحسن حسني للحديث عن واقع الدراما العراقية وتجربته الرائدة في ميدانها.
عن حال الدراما اليوم، يقول: «للأسف حالها بائس جدا، تمضي السنون والدراما قعيدة تئن وتشكي همومها لنفسها وجمهورها، ومحبوها يفتقدونها، الدراما تحتاج الى دعم واهتمام ورعاية من قبل مؤسسات الدولة، ومساهمة شركات القطاع الخاص في تنشيطها وديمومتها، ولكن، لا حياة لمن تنادي، ليست مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من اهملها فقط، وانما بعض المنتجين المنفذين خذلوها وافسدوا فيها، ولهذا اصيبت بالعوق الموجع، فالمؤلفون والممثلون والفنيون والمخرجون موجودون، وهم عطاش لفنهم، ولكن المال، المُعين الاساسي ليدمومتها قد جف وتوقف بعد ان ابتعدت الدولة عن عالم الدراما، الدراما تحتاج الى انتفاضة عارمة من المعنيين بها لاعادتها الى الحياة، وكذلك تحتاج الى الاخلاص و الحب والمسؤولية والتجديد لتأخذ مكانتها واخواتها من الدراما العربية التي اخذت تتطور وتتقدم «.
* بين مسلسل نادية ومسلسل م.م ما الذي طبع مسيرة الفنان حسن حسني؟
« مسيرتي في التمثيل والاخراج نشطت وتبلورت منذ بداية السبعينيات، فقد قدمت فيها اعمالا درامية من الادب العالمي، وسهرات درامية، ومسلسلات من انتاج تلفزيون العراق وشركة بابل للانتاج التلفزيوني. وكانت اعمال تلك الحقبة وما تلتها في الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات اعمالا متميزة حفظتها الذاكرة. اذكر بعضا منها : تمثيلية الصفعة ولحظات القوة وحلم ليلة شتاء والايام الثلاثة وبائعة البنفسج وتيريزا والمغنية والراعي والتي كانت من ابرز المنجزات الدرامية، وحققت نجاحا وتألقا آنذاك، وكذلك من المسلسلات: الفرج بعد الشدة، وبيت الحبايب، وعنفوان الأشياء، والاماني الضالة، وذئاب الليل الجزء الأول، ومواسم الحب، وتمثيلا كان : مسلسل ايلتقي الجبلان، وتحت سقف واحد، وجذور واغصان، والوجه الاخر، وبضاعة عند الطلب، ونادية «.
وأضاف: « تلك الحقبة كان يسود فيها روح التفاني والمنافسة الشريفة، وهما السائدان، لا المادة والركض خلفها، كان حبنا للفن والابداع هو الأساس. بعد الالفية الثانية تراجعت الدراما لاسباب عدة منها انهيار النظام السياسي، والفوضى وفقدان الامن، لكن اعيدت لها هيبتها بعد عام 2006 حين تعافت على ايدي بعض القنوات الفضائية ونشاط القناة العراقية، فأصبح التنافس في اوجّه بين تلك القنوات المنتجة للدراما، ومن تلك الاعمال التي قدمتها: مسلسل فوبيا بغداد، واخر الملوك، واعلان حالة حب، ورسائل من رجل ميت، والثانية بعد الظهر، ورجال وقضية، وبقايا حب، ومسلسل م م، ثم جاء السبات وما زال الحال على اشده حتى الان، ونحن في عام ٢٠١٨ «.
عن الدعم الحكومي والخاص للدراما والفن بنحو عام تحدث قائلا:
« جميع الفضائيات العراقية الخاصة لها اجندات سياسية ومذهبية، وهذا يعني ان الانتاج ينحصر فقط عند القنوات المنتجة تلك، والعرض يكون لها حصرا، وبهذا تكون ساحة التوزيع ميتة، لان المنجز يعرض لدى القناة المنتجة فقط، اما القناة الام التابعة للدولة فقد كان المفروض بها ان تكون المنقذ الرئيس للإنتاج والتوزيع. وقتها نهضت وقدمت اعمالا كثيرة منها الجيد، والكثير منها ليس بالمستوى المطلوب بسبب الفساد المالي والاداري حينها، فالقطاع الخاص له الدور الاساس والفعال لو وجد طريقا للتسويق، ولكن كما ذكرت اغلب القنوات لها اجندات، فلا تعرض الا ما تنتجه، والقطاع الخاص يريد سوقا له لعرض بضاعته بغرض الربح فأين يتجه؟ الان كل شيء متوقف، فقط يحتاج من القطاع الخاص المغامرة بأن يتوجه الى السوق العربي، وهذا يتطلب اموالا كثيرة، وصبرا طويلا، واناس مخلصين».
* عملت في الدراما العراقية وكذلك العربية، ماالفرق بينهما؟
« الفرق ان الدراما العربية لديها سوق تعرض منجزها فيه، وهذا السوق يتطلب المنافسة الفنية، والمنافسة تحتاج الى مواكبة التطور التقني واختيار المواضيع البعيدة عن السياسة والصراعات المذهبية، والتسويق هو سلاح التطور والتقدم، اما ساحتنا العراقية فالدراما تدور في فلكها تحت رحمة صراع القنوات واجنداتها، والقطاع الخاص يخاف المغامرة، يخاف على ماله، اما من ناحية العناصر الفنية فلا يوجد أي اختلاف، فقد عملت مع العرب والعراقيين في الخليج وفي سوريا ولبنان ولم اجد أي فارق من حيث الابداع، فالمنافسة كانت متوازية متوازنة بين الممثلين والممثلات والفنيين، الاختلاف فقط بفهم العملية الانتاجية بالنسبة للجهات المنتجة «.
* كتاب الدراما في العراق، كيف يسهمون في احيائها؟ وما هو دورهم اليوم؟
«لدينا كتاب اكفاء، ولكن ضغط المنتج عليهم يحجّم خيالاتهم وابداعتهم وامكاناتهم، المنتج يريد عملا غير مكلف، وسريع الإنجاز، كذلك يريد ان يطرح ايدلوجيته، وقد يختلف مع أيدلوجية الكاتب، وقد يلجأ الكاتب للموافقة فيكتب وهو غير مقتنع لكنه يكتب من اجل رغيف الخبز. الكاتب بحاجة الى الحرية، وعدم تكبيله بقيود تتحكم به وتشل من قلمه وفكره، فان اردنا من الكتاب الابحار في عوالم متنوعة من مجالات الحياة لطرحها في الدراما، اولا يجب ان يكون فهمنا بان الدراما صناعة، والصناعة تحتاج الى المال الكثير، والحرية، اي رفع القيود عن الكتاب ليتحرروا ويبدعوا حالهم حال الكتاب العرب، وفسح المجال لهم ان يختاروا من الحياة ما يرغبون من مواضيع لكتابتها ومعالجتها من دون تكبيل لتفكيرهم، يضيع الابداع عند الكاتب ان حوصر بالممنوعات «.
*لديك تجارب في المسرح العراقي لكنك انقطعت عنه، كيف استطاع التلفاز ان يخطفك من المسرح؟
« في نهاية الستينيات كنت عضوا في فرقة اتحاد الفنانين المسرحية، وشاركت ممثلا في بعض انتاجاتها، منها مسرحية الكورة، والبقرة الحلوب، وحفار القبور، والبهلوان الحزين، وفوانيس، ومع الفرقة القومية كنت بطلا لمسرحية روميو وجوليت، وفي اكاديمية الفنون الجميلة شاركت في مسرحيتي ثورة الزنج، وگلگامش، ولكني بعد اجتيازي لدورة المنفذين في معهد التدريب الاذاعي والتلفزيوني، واصبحت بعدها منفذا في البث التلفزيوني، و مزاولتي العمل في قناة تسعة لتلفزيون العراق، سحرني عالم التلفزيون، فتشبث بي وتشبثت به حتى انتقلت عام ١٩٧٤ مخرجا في وحدة الانتاج التلفزيوني فالتصقت به، بهرني هذا العالم فاعجبت به، ووجدت نفسي فيه مخرجا وأيضا واصلت التمثيل فقدمت اعمالا يشار لها بالبنان. سحبني التلفزيون الى عالمه وكنت واحدا من المتميزين به، حتى رأيت نفسي بعيدا عن النشاط المسرحي قريبا من التلفزيون «.
* السينما، اين تقف من اهتمامات حسن حسني؟
« انا من متابعي السينما العالمية، واشاهدها يوميا، واغور باعماقها، واتابع تطورها، واتأثر بها متمنيا ان نصل الى مستواها ولو بنسبة خمسين بالمئة او ثلاثين في الأقل، وباستطاعتنا ذلك لكن في حال كانت نوايانا صادقة وأمينة مع جهود المخلصين ممن تربعوا على كراسي المسؤولية، وفي حال اقتنعوا ان فن السينما صناعة كبيرة تقدم المتعة والفن، وتوسع الخيال، وتجسد واقع وهموم المجتمع، وتؤرشف تاريخنا الحديث وتؤشر السلبيات، وتنمي الذائقة بكل أنواعها. نعم الحاجة المادية اجبرت الكثير على البحث واللهاث لتوفير اللقمة لعائلته فقل اهتمامه بهذا الفن الرفيع. السينما تحتاج الى رعاية الدولة لتطلق الحرية والدعم المعنوي لها وخاصة بناء دور للعرض السينمائي، وبناء مدينة سينمائية، ومساهمة الدولة ودعمها بالمال خاصة لدائرة السينما والمسرح، حينها سينهض القطاع الخاص عندما يرى كثرة دور العرض السينمائي، ومدينة تحوي الاستوديوهات الطبيعية والمعدات الفنية، السينما كانت من طموحاتي الفنية المهمة الكبيرة، وان اخوض في عالمها وحاليا قد انتهيت من كتابة ثلاثة سيناريوهات لافلام روائية، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفني «.
* من خلال مسيرتك الرائعة في مجال الدراما، من من الممثلين الاقرب لرؤياك، وتفضل التعامل معهم؟ وهل أسهم حسن حسني باكتشاف وجوه جديدة؟
« الكل هو الأقرب، كل من تعاملت معهم في اعمالي منذ السبعينيات وحتى آخرها مسلسل م م كانوا ملتزمين باحترام الشخصيات التي يجسدونها، ويتبارون في التحضير لها وتقديمها بلا اسفاف، وبلا تكبر على مساحة ادوارهم، حتى وان كانت صغيرة. الكل يتمتعون بالعمل معي واتمتع بتفانيهم، اقول هذا التقييم بحقهم بلا مجاملة لانهم يحترمون مهنتهم وموهبتهم، وعندما يشاركون الممثلين العرب في عمل واحد، تراهم بالمستوى نفسه، والبعض من فنانينا اكثر تألقا، اما بالنسبة للوجوه الجديدة فلكوني بعيدا عن الوطن لم تسنح لي الفرصة بالبحث عن المواهب الشابة وتشجيعها للأسف، لكن في بداياتي الاخراجية كان اكتشافي للفنانة القديرة سناء عبد الرحمن، باسنادي لها دورين متتالين في تمثيلية الخياط وحلم ليلة شتاء، وقد ابدعت فيهما».
*امنية بنفس حسن حسني، ماهي؟
* الاماني كثيرة، منها امنية فنية هي ان يكون هناك عمل مهم وكبير بأجزاء متعددة يتناول هموم اهلنا العراقيين بجميع المحافظات، وربطها بالعاصمة الحبيبة بغداد، وربط هموم المغتربين العراقيين اينما كانوا بالعراق وباهلهم واحبتهم، بذكرياتهم من خلال سيناريو محكم، يجسد مشاعرهم وحبهم بارضهم ووطنهم وناسهم، وكذلك تقديم عمل كبير عن تراثنا العراقي الحديث لنأخذ منه عِبر الاقدمين».