الديمقراطية في أميركا

يتناول كتاب “الديمقراطية في أميركا” للباحث والخبير شبلي ملّاط، ظاهرة مهمة للغاية على الصعيد العلمي وعلى الصعيد السياسي، ألا وهي تشريح العملية الديمقراطية، وتشريح النظام الديمقراطي، ولعل أفضل طريقة لإنجاز هذا الهدف المهم في عالمنا وفي بلدنا الباحث بلهفة عن انموذجه الديمقراطي أنه يرتكز على دراسة حالة عيانية مهمة وهي حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة.ومن القضايا المهمة في هذا الكتاب ارتكازه الى واحدة من أهم المرجعيات في الدراسات الديمقراطية أليكسس دي توتكيفل الذي يعدّ أهم المراجع المتاحة لدراسة هذه التجربة.
وكذلك تكمن أهمية الكتاب في أنه يشير الى التحولات الجديدة في العالم الراهن وهي تحولات لابد من وضعها في إطارها التاريخي والإنساني.وهو أيضا يرسم الطريق لمجتمع بلا عنف، ومجتمع يرتكز على التعاون والتفاهم الإقليمي المرتكز على نشر قيم المساواة، ومحاربة الفقر، ونبذ الاستغلال الاقتصادي للشعوب.
كما أنه يتيح للقارئ إدراك إمكانية خلق نظام عالمي واسع من دون أوهام التسلط الإمبريالي أو الدكتاتوريات الأيديلوجية، ويعلي بشكل كبير دور العدالة والقضاء في تنظيم التوازن الاجتماعي وتعزيز القيم الحضارية والانتصار للعدل والحياة.
تنشر “الصباح الجديد” حلقات من هذا الكتاب كإسهام في تعميق الجدل والمعرفة وتوسيع دائرة العلم بالمناهج والمراجع الضرورية للعملية الديمقراطية بنحو عام وفي العراق بنحو خاص.
الحلقة 16
شبلي ملّاط:

يبقى ان احدى المصاعب في المجتمع الاميركي المعاصر تتجلى في الضعف اللغوي لدى معظم الناس في لغتهم الام نفسها . ويكفي مثلا على الاندحار اللغوي مقارنة الحديث السياسي الدائر اليوم بالمقالات المنشورة بان النقاش حول الدستور في القرن الثامن عشر في الصحف اليومية انذاك ، والتي توجت بالأوراق الفيدرالية . فمن باب الاولى ان يرتفع الزعماء الاميركيون في حديثهم السياسي الى مستوى امثال هنري كابوت لودج ، ووودرو ويلسون ، وابراهام لينكون واليكسندر هاميلتون ، وهم الزعماء الذين اعتادوا التفكير بنفسهم وكتابه افكارهم من دون الاتكال ، كما درجت عليهم الثقافة السياسية الحالية ، على الكتاب المأجورين لهذا الغرض وبهذا تعود الزعامة الأساسية في البلاد الى ضرورة اختيار عبارتهم بدقه وابداع – الدقة في الاتصال مع الموظفين بكلمه سواء والابداع في اعاده اكتشاف منطق اللغة الخلاق في الحياة اليومية . والحقيقية انه كافه للانسان التفوق في لغة واحده وقد ذكر بن جونسون ،معاصر شكسبير كيف ان اعظم صاقل للكلمة في التراث الانكلوساكسوني لم يكن ليتقن غير الإنكليزية (لضعف المامه باللاتينية ) وعجزه الاكبر باليونانية .
وبالفعل فان الصدمة كبيره في المجتمع الامريكي المعاصر تتجلى في يشويه من ضعف الاداء اللغوي عند المواطن العادي ، سواء اكانت عبارته انكليزيه اما اسبانيه . اما الظاهرة الاخرى التي تدعوا الى القلق فهي النقص في التعاطي الثقافي مع باقي العالم في المجتمع صهر ثقافه المهاجرين في حله السبك . والاسباب التاريخية وراء هذا الخيار كثيره ومعقده , وليست كلها سلبيه انما يحتاج عصر العولمة ، في مقابل تصدر اللغة الإنكليزية دوليا . الى اشراك مثل متعددة اللغات والثقافات ، في الوقت عينه الذي يحث المواطن فيه على تنقيه خطابه اليومي واثرائه ثقافيا .
ويمكن ايضا متابعة ارضية مشتركة بتعدد الثقافات في السياسة الأميركية عن طريق اليات تعتمد تكنلوجيا المرتبطة بأسبقية اميركا في الانترنيت ، فيما يحلو وصفه بعنوان (المكتبة العالمية ) . وقد تقدمت بعض المؤسسات على هذا الطريق ، ومنها مثلا كلية الحقوق في جامعه يا ل ، وقد اقامت مركزا على الشبكة يضم جميع الاعلانات والقرارات الهامه في تاريخ الدبلوماسية الغربية منذ القرن السادس عشر او معهد ماسا شوسيتس للتكنلوجية ، الذي يوفر مركزا يحتوي على اكثر من اربعه مائه مؤلف كلاسيكي في التراث الروماني والاغريقي ، او المواقع التي تقدم اثار شكسبير الكاملة مفهرسه ومبوبه ، غير ان مشروع المكتبة العالمية قائم على طموح واسع ، يمكن تخليصه في انه يسعي الى ان يضع في متناول الجميع ، ليس فقط قوائم اغنى المكتبات كما هيه الحال اليوم ، بل محتوياتها كامله .
فمنع الثورة الهائلة في عالم الاتصالات الذي يوفرها الانترنيت ، ومع تفوق الولايات المتحدة في هذه التكنلوجيا ،وحدها الحكومة الأميركية قادره على توفير الكتب _جميع الكتب للقارئ اينما وجد في العالم .فبدلا من انشاء مكتبه رئاسيه اخرى في مبنى كبير و مكلف كما جرت العادة عليه في نهاية ولاية الرؤساء ، من الاجدى للمكتبة الرئاسية المقبلة ان تشترك سائر العالم كما المواطن الامريكي العادي بتشييد هذه المكتبة على الشبكة الأثيرية ، واضعه التراث المكتوب المتوفر في العالم منذ نشاه الحضارة المكتوبة في متناول الجميع .
ومع المكتبة العالمية يرتسم حلم اميركي اخر ، هو المساواة في الفرض . طبعا، لن تكتمل في المستقبل المنظور اية مساواة ثقافيه في الفرص ، من ناحيه الانسان الذي يعيش في جبل عامل مثلا وغيره من الناطق المحرومة ، كم ان التمكن من التعليم و الثقافة لا يأتي بالضرورة في سلم الاوليات قبل القضاء على التعذيب ، او التحرير من الاحتلال او الحد من الذل الاقتصادي المعيشي . لكن ترتيب الاولويات.
لا يمنع حكومة أميركية منوره من جعل الراعي في جبل عامل ، او المزارع في مقاطعه سين كيانغ في الصين ، او المياون في معامل ريو دي جانيرو اناسا يجابهون عيشه اقل واطاه وقهر في حياتهم اليومية فيمكن الديمقراطية الأميركية ان تؤازر هؤلاء في دفاهم عن حقوقهم الأساسية وان تساعد في التعبير عن هذه الحقوق لدى الشعوب والحضارات المختلفة بحيث تضم الخصوصيات الثقافية من دون ان تتعدى على الاسس المعترفة بها عالميا كما يمكنها تسهيل انتشار التعليم والتكنلوجيا عن طريق المشاركة الفعالة في الانترنيت ، واقامه مكتبيه اثيريه عالميه توفر للمواطن ايا كان واينما وجد الوقوف مباشره على كنوز الاف السنين من الحضارة المكتوبة ويجدر برئيس مقدام ثقافيا حث مواطنيه على اكتشاف لغات الشعوب الاخرى وضرب المثل في استعمال كلماته بدقه وروح خلاقة والمسار عسير يحتاج الى نفس طويل لكن الشروع في السير على الدرب ممكن مما يجعل اقل استحاله في يوم من الايام سماع احفاد محمد جواد مغنيه في جنوبي لبنان يطالبون نواب المنطقة (ان يجعلوا من جبل عامل اميركا الثانية )
14- نظرة مختلفة لدور الجيش في المجتمع
من المواضيع التي تكرر ذكرها في هذه الدراسة التلازم المتنامي بين قضايا الداخلية والخارجية والعالمية . ومنذ تجارب جنوب شرق اسيا صار الفاصل بين ( استعمال القوه ) ( حفظ السلام عنوان ضياع الفاصل بين الحرب والسلب ) فيما تحولت عمليات تعد منفرده الى اهوال تتخطى احيانا تلك التي تحدثها حرب جراره على نمط تقليدي . فقد ادت الحرب ضد الولايات المتحدة في بيروت عام 1998 الى عمليات تفجير حصدت حرب ضروس في كوسوفو دامت حوالي ثلاثة اشهر وقد ترسخ نمط السلب والحرب منذ انهيار جدار الحرب الباردة . فقد قضى من المواطنين الامريكيين في انفجار اوكلاهوما ستي في سنه 1995 عدد اكبر من مجموع الارواح الأميركية التي حصدها القتال ضد الجيش العراقي خلال حرب الخليج من اب 1990الى نيسان1991 ومن اوكلاهوما ستي ضد مركز التجارة العالمية في مدينه نيويورك في شباط 1993 فقد انعزال الولايات المتحدة القاري شيء من مناعته التاريخية ، وضاق هامش التحرك الفريد الذي تتحلى به اكثر الدول جبروتا بالنظام العالمي بفضل وضعه الجغرافي والقاري الخاص ، فتغيرت طبيعة الحرب وتحولت طيفا مستحدث التعقيدات لايزال مجهول المعالم.
يحتاج مثل هذا التغيير العميق الى مفكره حديث من الطراز كلوز فيز للإلمام بأبعاده.
وحتى بروز فكر بهذا المستوى لابد للغموض في تحديد الفاصل بين الامن الداخلي والدولي ان يستمر مهيمنا على النقاش حول سياسه الدفاع الأميركية وهوه نقاش يمكن مقارنته بشكل اولي عن طريق ركيزتيه الاساسيتين في العقد المنصرم : كواليم باول ومادلين اوبرايت وتختصر عقيده بأول من جمله وجيزة وهيه عدم السماح باي تدخل عسكري خارج الولايات المتحدة اذا هدد هذا التدخل بهذا البقاء مفتوحا فأما لايكون تدخل اويكون التدخل او ان يكون التدخل ضخما مركزا وقاضيا بحيث يبدو الانتصار في خوضه وشيكا اكيدا وساطعا وتمثل حرب الخليج الثانية التجسيد المثالي لهذه المدرسة .
المشكلة ان هذه العقيدة لا ترتفع الى مستوى المناسب لدرجه التعقيد التي بلغتها معادلته الحرب والسلم في نهاية القرن العشرين . فايا يكن الحكم في مسببات حرف الخليج ، اذا اخذناها على سبيل المثال فان القصف الجوي كان مستمرا ضد العراق بالطائرات الأميركية والبريطانية بعد عشر سنوات من العان رئيس مجلس الامن النهاية الرسمية للحرب في نيسان 1991 ، بعدما عمت في حينها احتفالات الانتصار مجمل المدن الأميركية مقابل التقصير في عقيده باول ظهرت نظرية تعزا في بعضها الى مارلين اوبرايت ، وان لم تكن وزيره الخارجية الأميركية قد طورتها بشكل مقنع . فاهم ما جاء في هذه العقيدة اقتصر على بعض الملاحظات التي انتقدت فيها كولن عندما كانت البرايت لاتزال تعمل في بلادها للأمم المتحدة.
وعقيده اولبرايت ، ليست متكامل وقد يكون مناسبا ترتيب مقوماتها من خلال اقتراحات تتيح للحكومة الأميركية ان تبلور مفاهيمها ومنابع هنا بعضها في شق عسكري تنظيفي ، كلاسيكي فيما نترك موضوع اسلحه الدمار الشامل بسبب منطقه الاستراتيجي الخاص لمعالجه لاحقه . لانها تبقى خارج معادله التدخل العسكري وعمليات حفض السلام على العموم والنظام العسكري الكلاسيكي يقتدي بتقديم عدد من الافكار التي ترتبط بها العقيدة الجدية قبل النظر في مقومات التدخل العسكري الامريكي خارج حدود الولايات المتحدة :
الفكرة الاولى تتطرق الى دور الأجهزة الأمنية وضرورة اخضاعها لوزارتي الدفاع والخارجية ليس المكان كافيا هنا لمناقشه دور المخابرات ، وهي المعروفة بعنوان الذكاء في ترجمه حرفيه لعباره الإنكليزية . فتوطين الذكاء بهذه الأجهزة مهمة تفتقر الى موضوع من اوليات ما بعد الحرب الباردة انت تبتعد هذه الأجهزة على اختلافها وانواعها من وكاله الاستخبارات الأميركية الى وكاله الامن القومي وهي غير المجلس القوي الى جهاز التنصت السري المرقب بالسلم .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة