الدكتور عامر سالم السلامي
يُعد الخط العربي من الفنون العربية والإسلامية التي اكتسبت شهرة واسعة منذ القدم بوصفه تحفة فنية تمتاز بإبداعها الذي يسلب الألباب ، فهو فن رسم الحروف العربية بأشكالٍ جذابة ومتناسقة، لا سيما وأنها تُكتب بشكل متصل مما يتيح للخطاط الفنان إمكانية رسمها بما يضفي عليها جمالاً أخاذاً وساحراً ، و لا يمكن إغفال دور الخط العربي في تزيين المصحف الشريف فالكلمات ما بين دفتي المصحف لا تُكتب بطريقة عادية (بخط الطباعة) وإنما ترسم رسماً بطريقة تُظهر إجلالاً لكلام الله تعالى ومكانة القرآن العليَّة، وبنزول القرآن الكريم تغيَّر وضع الخط العربي وتطور بشكلٍ ملحوظ بعد أن شهد إقبالاً من الفنانين المسلمين فجودوه وابتكروا أنواعاً جديدة منه، وانتقل من مجرد أداة للتسجيل والتوثيق إلى فنٍ قائم بذاته له أصوله ويعكف على دراسته الكثير، وحظي بعناية خاصة فهو من الفنون الجميلة التي تتميز بقدرتها على تربية الذوق الفني وتنمية المواهب ورهافة الحس، فهو يُكسِب المتعلم العديد من المهارات من أهمها الترتيب والتنظيم ودقة الملاحظة والموازنة ومراعاة النسب، ويربي على الصبر، والخط العربي يقترن بالزخرفة الإسلامية إذ يستعمل لتزيين وزخرفة المساجد والقصور بالآيات القرآنية، كما استعمل في تحلية المخطوطات وتزيين الأواني الفخارية والعملات الذهبية، ويستعمل في عصرنا الحالي في الإعلانات التجارية وكتابة عناوين الصحف والمجلات، فضلاً عن إستخدامه من قِبَل مصممي الأزياء في تزيين الملابس لتعزيز مشاعر الاعتزاز والفخر بالحضارة الإسلامية العريقة بعد الغزو الثقافي والتكنولوجي الذي تعرضت له والذي بات يهدد الخطاط حتى أصبحت مهنته تحتضر بسبب تقدم التكنولوجيا وظهور المطابع الحديثة التي تستخدم الكومبيوتر والأنترنيت كبديل آلي عن الخطاطين، وعدم وجود مؤسسة حكومية تُعنى بالخط والخطاطين ، مما يتطلب إجراءات عملية تحفظ لهذا الفن مكانته وتعيد له شيئاً من وهجه وألقه في العراق من خلال إقامة المسابقات والمعارض التي تهتم به كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية التي أصبح الخطاط العراقي ملزماً بتجشم عناء السفر وتحمل تبعاته بشكل شخصي للمشاركة في هذه المسابقات من أجل إبراز موهبته وتسليط الضوء عليها نتيجة لما يعانيه من تهميش وإهمال واضح في بلده، وأحد هؤلاء الخطاطين هو الخطاط هادي كاظم الدراجي (هادي الدراجي) وهو من مواليد مدينة بغداد عام 1979م حاصل على شهادة البكالوريوس من قسم الخط والزخرفة بكلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد 2002م، واحد من الخطاطين القلائل الذين استطاعوا وبكل فخر من رفع اسم العراق عالياً في العديد من المحافل الدولية التي تُعنى بالخط العربي والفوز بالمراتب الأولى في المسابقات الدولية التي تقام في البلدان العربية والإسلامية فقد حصل على المركز الأول في مسابقة خط المصحف الشريف المقامة في تركيا في العام 2017م، ومرشح لكتابة المصحف الشريف للجمهورية التركية ، وحصل على المركز الأول (مكرر) في خط النسخ في الدورة العاشرة لسنة 2015 في المسابقة الدولية (أرسيكا) ، وحصل على المركز الثاني في خط النسخ في الدورة الثامنة لسنة 2009م في المسابقة الدولية (أرسيكا) ، كما شارك في ملتقى رمضان لخط (القرآن الكريم) المقام في (إمارة دبي) لخمس دورات وحصل على جائزة الملتقى لثلاث مرات، وحاصل على المركز الأول لدورتين في مسابقة السفير الدولية المقامة في العراق (النجف الأشرف) للعامين 2014و2015م، وتشرَّف بكتابة المصحف الشريف للأوقاف العراقية، هذه السيرة العطرة للخطاط (هادي الدراجي) تدعوني وبكل ثقة لوصفه بـ(سفير العراق للخط العربي) على الرغم من عدم الإحتفاء بمنجزه الفني بعد عودته ظافراً بالمراكز المتقدمة في هذه المحافل المهمة، والسؤال الذي يطرح نفسه أين وزارة الثقافة من احتضان هكذا طاقات مبدعة إستطاعت أن تبني نفسها بنفسها على الرغم مما يعانيه الخطاط من عبء مادي نتيجة غلاء ثمن الورق الخاص بالخط (الورق المقهر) الأمر الذي يقف حائلاً بين الخطاط الشاب وبين تنمية موهبته،
بدأ بهويات الطلبة
حين سألته عن بداية رحلته مع الخط قال: في المرحلة الإعدادية بدأت بكتابة أسماء الطلبة في هوياتهم، ثم استفدت من كراسات خط الرقعة والنسخ، وحين بدأت موهبتي في الظهور عملت في مكت الخطاط (عصام الجنابي) الذي شجعني واصطحبني معه إلى جمعية الخطاطين وتعرفت على الخطاط (حيدر ربيع) والخطاط (نبيل الشريفي) الذي تتلمذت على يديه في خط النسخ، أما في كلية الفنون الجميلة فقد أخذت المدارك تتوسع وتتطور من خلال حرصي على الإجادة في الخط بوجود أساتذة أكفاء مثل ( روضان البهية) و(فراس عباس) و (أحمد ناجي) اللذين شجعوني على البحث عن أساليب ذات حظ أوفر في المسابقات العالمية فاعتمدت على نفسي ولجأت إلى تعلم الأسلوب التركي لخط النسخ حصراً لكون المدرسة التركية صاحبة الحظ الأوفر في هكذا مسابقات، مما اضطرني الى المكوث في منزلي لمدة ستة أشهر متواصلة لدراسة نص المسابقة وتغيير أسلوبي في خط النسخ الأمر الذي مكنني من المنافسة في هذه المسابقات الدولية والحصول على المراكز الأولى فيها وتكريمي والإحتفاء بي من قِبَل القائمين عليها، إلاَّ أن ما يحز في نفسي هو أنني حين أعود إلى بلدي لا أجد من يحتفي بي أو يهتم بما حققته من إنجاز سوى الإلتفاتة الطيبة من قسم الخط والزخرفة في كلية الفنون الجميلة، وكأن وزارة الثقافة غير معنية بالخط والخطاطين ولم تبدِ أية رغبة بالاستفادة من موهبتي وخبرتي في هذا المجال.
وختاماً أرجو من المؤسسات الحكومية متمثلة بوزارة الثقافة ووزارة التربية الاهتمام بهذا الفن الذي يحمل بين طياته عمقاً جمالياً وبعداً حضارياً لما يمثله من رقي وجمال امتازت به الكتابة واللغة العربية عن سواها من اللغات والاهتمام بمبدعيه والتخفيف عن معاناتهم والإحتفاء بهم والاستفادة من خبراتهم للنهوض بواقع الخط العربي.