استيراد السيارات

تسجل دوائر المرور اكثر من 500 سيارة يوميا ، بمعنى ان هناك 15 الف سيارة يتم تسجيلها في كل شهر ، ويقدر عدد السيارات في العاصمة بغداد وحدها بما يقارب المليوني سيارة ، فيما يرتفع العدد إلى قرابة 5 ملايين سيارة في عموم العراق مقارنة مع اقل من 300 الف سيارة كانت تسير في شوارعنا قبل عام 2003 .. ومع هذا الفارق العددي الهائل ، لم تشهد الشوارع الكثير من التطور ، وبالتالي وصلنا إلى مرحلة الاختناق المروري ، ولم تعد الاجراءات التي تتخذها الجهات المعنية ذات تأثير كبير في التخفيف من هذا الاختناق .. وإزاء ذلك اصبحنا اليوم نخسر مالا يقل عن ثلاث ساعات يوميا في الذهاب إلى عملنا او العودة إلى بيوتنا .. ناهيك عن الاضرار الاخرى الناجمة عن هذا التضخم الهائل في اعداد السيارات ، . اضرار صحية وبيئية ومادية كبيرة جدا ، ففي الجانب المادي مثلا ، يستورد العراق سنويا بما تصل قيمته إلى نحو ملياري دولار من مادة الوقود لسد الحاجة المحلية المتزايدة ، لان المنتج المحلي على الرغم من ارتفاع معدلاته لا يسد الحاجة الكاملة ، وقد كلفت استيرادات الوقود منذ عام 2003 لغاية اليوم قرابة الـ(50) مليار دولار ، كان يمكن استثمارها في تطوير البنى التحتية مثلا ، اضف إلى ذلك المبالغ الهائلة التي انفقت في استيراد السيارات الكثيرة التي دخلت إلى البلاد خلال السنوات الفارضة … وقبل هذا وذاك ، لا يمكن ان نغفل الكم الكبير من الحوادث المرورية التي تشهدها الطرق ويذهب ضحيتها آلاف الاشخاص سنويا ، فقد شهد عام 2017 وحده ، وقوع نحو 9 آلاف حادث مروري تسبب بوفاة وإصابة اكثر من 12 الف انسان ، وما كان لهذه الحوادث ان تقع لولا تضخم اعداد السيارات بهذا الشكل
وثمة ملاحظات مهمة يمكن الاشارة اليها ترتبط بعملية استيراد السيارات ، منها ، ان هذه العملية كانت مطلقة خلال السنوات الاولى بعد عام 2003 الامر الذي فتح الابواب واسعة امام المستوردين لجلب كل ما تقع عليه ايديهم حتى لو كان (خردة) ، فدخلت الينا انواع وأشكال شتى من هذه السيارات ، منها ذات المقود الايمن التي تم تحويرها بعيدا عن متطلبات السلامة والمتانة ، وبعضها جاء محطما ، فضلا عن استيراد سيارات جديدة ولكنها غير متوافرة على اي شرط من شروط السلامة ، فكانت تطير في الهواء اذا ما اجتازتها سيارة شحن كبيرة (تريلة) .. وفي السنوات الثلاث او الاربع الاخيرة كانت هناك اجراءات اتخذتها الحكومة لتنظيم عمليات الاستيراد ولكنها ليست كافية لأنها لم تتمكن في نهاية المطاف من ضبط الايقاع بصورة كاملة ، فما زال الشارع العراقي يغص بسيارات كثيرة جدا ونسبة عالية منها غير متوافرة على الشروط المطلوبة ..وفي ضوء المعطيات الخطيرة التي تحدثنا عنها فان الامر يتطلب رسم سياسة واضحة المعالم تنظم عملية استيراد السيارات ، على وفق سياقات صحيحة ، تحكمها الحاجة وقدرة الشوارع على الاستيعاب ، وتطوير مهارات السائقين وعدم التماهل في منح اجازة السوق ، وفرض شروط ليست سهلة على انواع السيارات المستوردة ، وان تكون هذه السياسة محكمة لا يمكن اختراقها من قبل مافيات الفساد ، كما ينبغي التركيز على تشجيع استيراد سيارات النقل العام ، فهذا الصنف من النقل غائب لدينا على الرغم من اهميته في تخفيف الاختناق والمحافظة على البيئة والصحة العامة .وكذلك ان الامر يتطلب تأسيس شركات خاصة تتولى عملية فحص السيارات وبيان مدى مطابقتها للشروط المطلوبة وبنحو دوري سنوي او نصف سنوي ، ووجود مثل هذه الشركات من شأنه يوفر الاف فرص العمل للشباب ، ويضمن لنا سلامتنا ، وسلامة اموالنا .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة