د. بيان علي عبد علي الخاقاني
تؤكد المصادر التاريخية وكذلك المقابلات الشخصية للخبراء في مجال التاريخ والرياضة ومنهم الأستاذ الدكتور نجم الدين السهروردي * بأن رياضة المبارزة كانت موجودة في العراق منذ وجد السيف ، لأن السيف يستعمل من قبل الضابط في الجيش وهو جزء من قيافتهم ، وبما أن من مستلزمات العسكرية السيف واستعماله في التدريب والقتال ، فقد بدأ الاهتمام بالمبارزة منذ عام (1922م)، إذ بدأت رياضة المبارزة في الكلية العسكرية (المدرسة الحربية) وكانت في منطقة الجادرية ، وكانت المبارزة جزء من مفردات المنهاج التعليمي في الكلية لمادة المبارزة ، كان المنهاج شاملاً أي يحتوي على جميع المهارات الهجومية والدفاعية وما يملكها من مهارات .
منهاج للمبارزة في دار المعلمين
أستمر المنهاج الخاص بالمبارزة في العهد العثماني ضمن منهاج الكلية العسكرية التي كانت تسمى (الإعدادية العسكرية) وأستمر الحال لغاية عام (1932م) ، إذ ادخل درس المبارزة كنشاط ضمن مفردات منهاج معهد دار المعلمين الابتدائية في الكرخ ، وبقيت ممارسة هذا النشاط حصراً في طلاب المعهد (دار المعلمين) ولم تنتشر وبقيت مستمرة إلى عام (1936م) ، وفي هذه السنة توقفت رياضة المبارزة إضافة إلى رياضة التجديف والسبب هو اندلاع الحرب ، وبقيت على هذا المنوال لأكثر من سنة حتى عام (1938م) حيث استمر التوقف لاستمرار الحرب وانشغال الجميع وخاصة الجيش والطلاب مما سبب إيقاف الحياة الرياضية .
ومن جانب أخر فقد قام الجيش باستعمال التجهيزات الرياضية ومنها الزوارق (القوارب) بحرقها نتيجة لبرودة الجو والحاجة إلى النار في الاستعمالات اليومية (الحاجة إلى وقود) مما أدى ذلك إلى القضاء على الرياضة بكاملها .
وفي عام (1940م) بدأت المبارزة تنتشر وتظهر على المجتمع وعن طريق العروض التي كانت تقوم بها مجموعة من الرياضيين فكانت قاعة أمانة العاصمة المطلة على نهر دجلة من جانب وزارة الدفاع أخذ هؤلاء الرياضيون بتقديم عروض مختلفة ومتنوعة من الرياضات ومنها رياضة المبارزة ، وكان ضمن المشتركين الدكتور نجم الدين السهروردي والأستاذ فهمي القيمقجي ورفعت كامل الجادرجي وآخرون .
ومن جانب أخر ذكرنا أن المبارزة تمارس في الكلية العسكرية ولم تنقطع برغم الحرب العالمية ولكنها توقفت مرة أخرى وذلك بسبب غياب السيف أي عدم استعمال الضباط السيف نتيجة التطور الذي حدث في استعمال الأسلحة بدل السيف أي التحول من السيف إلى البندقية والمسدس ، وبقيت الحالة حتى عام (1963م) حيث أدخلت رياضة المبارزة في منهاج المعهد العالي للتربية الرياضية كمادة دراسية علماً بأن عميد المعهد كان الدكتور نجم الدين السهروردي حيث قام بتثبيت الأستاذ ضياء حبيب مدرساً لها ، إضافة إلى توفير التجهيزات الخاصة باللعبة وتحديد قاعة لتدريس هذه اللعبة ، كما قام بالسفر إلى مصر لاستقدام أحد الخبراء في هذه اللعبة لتدريسها في المعهد المذكور أعلاه ولكنه لم يستطع الحصول على الخبير نتيجة للظروف في ذلك الوقت.
اهتمام باذخ بالمبارزة
وفي عام (1969م) تحول المعهد العالي إلى كلية التربية الرياضية وأستمر السهروردي عميداً للكلية ، في هذه السنة كان القبول في الكلية بأعداد كبيرة وصلت إلى (250) طالبا و (150) طالبة وهم منفصلون في الدوام ، فكان الطلاب يدرسون في بناية كلية التربية الرياضية في الوزيرية المجاورة لملعب الكشافة ، بينما كان دوام الطالبات في معهد الطب الفني حالياً في (باب المعظم) ، وكان درس المبارزة أحد مفردات منهج الكلية ، ونتيجة لحرص عميدها وحبه لهذه اللعبة بوصفه هو الذي أدخلها إلى العراق وكونه أحد ممارسيها وجعل الدرس ضمن المنهاج العام وللمرحلتين الأولى والثانية وحدد أستاذا لتدريس المادة وهو الأستاذ ضياء حبيب مدرساً لها بوصفه كان قد تعلمهـا وتدرب عليها في بريطانيا.
كان أول من درس مادة المبارزة في الكلية والذين يعدون الرعيل الأول من العراقيين هم الأساتذة (الدكتور بيان علي ، الدكتور بسام عباس ، الدكتور محمد جسام عرب… الخ) أما في الكلية العسكرية فالمبارزة كانت ضمن المنهاج التدريبي لطلابها الذين يتخرجون منها كضباط ، لذا قامت الكلية العسكرية بالتعاقد مع المدرب المصري الجنسية في لعبة المبارزة بتدريب الطلاب ، وبالوقت نفسه كان الاتفاق معه بتدريب المبارزة في مديرية التدريب البدني ، فقام بجمع مجموعة من الجنود ونواب الضباط وعدد من طلبة الكلية العسكرية ومدرسة التدريب البدني أمثال عبد المنعم عبيد ، أنور حلبوص ، رحيم سعيد ، شريف راضي ، فاروق عبد الستار ، محمد عبيس ، طارق عبد الواحد ، علي قاسم … الخ ، كما قام بفتح دورة تدريبية لمنتسبي الوحدات العسكرية ، وكانت هذه الدورة في نهاية عام (1969م) ، وتضمن منهاج الدورة تعلم المهارات الأساسية للعبة وبعض الأمور القانونية المبسطة ولم يعط المعلومات كاملة حتى تبقى الحاجة له في العراق ويستمر في قيادة المبارزة العراقية ، لذا بقيَ في العراق مدة تراوحت (10) سنوات ، استطاع خلالها نشر اللعبة في الجيش والشرطة والشباب ولكن بحدود ولم يستطع تحقيق نتائج متميزة على مستوى العرب وآسيا والدولية وذلك بسبب أن اختيار اللاعبين كان عشوائياً ومن دون أسس علمية مما أدى إلى عدم ظهور لاعبين بمستوى عال ما عدا بعض اللاعبين هم موهوبين وحققوا نتائج على مستوى العرب وبقوا على مستواهم حتى انتهوا من اللعب وتحولوا إلى مدربين وهم من طلبة كلية التربية الرياضية ، أما اللاعبون العسكريون فكانوا جميعهم يمارسون أكثر من لعبة لذا لم يحققوا أي نتيجة لهم ما عدا اللاعب محمد عبيس حيث حقق نتيجة واحدة في السويد ولم يحقق أي نتيجة أخرى ، وفي السنة نفسها كانت أول مشاركة عربية في المبارزة حيث أقيمت البطولة العربية للمبارزة في لبنان ، وقد مثل العراق فيها فريق عسكري لعدم وجود اتحاد يشرف على اللعبة وقتها ، وقد حصل الفريق على المركز الثالث فرقياً في سلاح الشيش ، وكان مدرب الفريق السيد عبد الله صلاح الدين .
وحصة للنساء في المبارزة
أما في (1970م) فقد استدعى السيد عبد الله صلاح الدين (الخبير المصري) من قبل عميد كلية التربية الرياضية الأستاذ نجم الدين السهروردي والذي كان متعاقداً معه من قبل مديرية التدريب البدني ، وتم التعاقد معه في تدريس مادة المبارزة بدل الأستاذ ضياء حبيب لعدم اختصاصه ولكبر سنه ، أول عمل قام به السيد عبد الله صلاح الدين (المدرب) هو الاتصال بالطلبة المتميزين في اللعبة آنذاك ومنهم الدكتور بيان علي والدكتور بسام عباس والدكتور محمد جسام والسيد حسين شنون والسيد صلاح مهدي … الخ وطلب منهم أسماء الذين كانوا قد تم الاتفاق معهم لتقديم عروض في لعبة المبارزة لتميزهم في الدرس ، وبعد جمع الطلاب أشترك بهم في مهرجان كلية التربية الرياضية الذي يقام سنوياً وبحضور السيد وزير الشباب آنذاك الأستاذ حامد الجبوري ، وتم فيه عرض مجموعة من الألعاب الرياضية التي كانت تدرس في الكلية ومنها رياضة المبارزة ، لقد اشترك في العرض أكثر من (40) طالباً ومنهم الكاتب ، من هذه الانطلاقة أخذت مسيرة الانتشار ، وباستخدام هذه المجموعة من الطلبة بعمل العروض في الكليات والمحافظات والمحافل والمهرجانات الرياضية ، ومن هذه الكليات هي كلية الطب ، الهندسة وغيرها ، وبعدها بدأ التوجه بتشكيل فريق الكلية من المجموعة المختارة في المبارزة ، وكان أول اللاعبين أسماء الأساتذة الذين تم ذكرهم أعلاه ، كما تم التوجه من قبل الأستاذ السهروردي باختيار مجموعة من الطالبات لتدريبهن ، ولأول مرة في العراق يكون تدريب المبارزة مختلطا وفي قاعة كلية التربية الرياضية الصغيرة وبعد الدوام الرسمي ، وكان من بين الطالبات آنذاك الست أوستل شاكر والدكتورة عايدة علي والست ندى السامرائي … الخ ، ومن هذا التجمع تشكل فريق كلية التربية الرياضية الذي كان يستخدم للعروض وبالوقت نفسه يشارك في بطولات المبارزة المحلية لأن التعليمات كانت تسمح لجميع فرق كلية التربية الرياضية المشاركة في بطولات الاتحادات ومنها اتحاد المبارزة ، وبالوقت نفسه تم اختيار مجموعة من اللاعبين ولكلا الجنسين وضمهم في (نادي الجامعة) وهذا النادي تابع إلى مديرية النشاطات الطلابية لجامعة بغداد وكان مقره في الوزيرية مجاور الاتحاد الوطني لطلبة العراق وكان آنذاك المسؤول المباشر عليه الدكتور منذر هاشم الخطيب ، وتم تكريم الفريق اكثر من مرة نتيجة حصوله على مراكز متقدمة في بطولة بغداد وكان في ذلك المدرب عبد الله صلاح الدين ويساعده الدكتور بيان علي الخاقاني وبالوقت نفسه يلعب مع الفريق.
(1970) تشكيل أول اتحاد للمبارزة
وفي هذه السنة (1970) تم إصدار آمر وزاري بتشكيل أول اتحاد للمبارزة يضم في عضويته الدكتور (محمد سعود الخفاجي) والسيد (ماهر موسى برصوم) وتم عقد عدة اجتماعات للاتحاد الذي كان مقره في مديرية التدريب البدني (نادي الجيش حالياً) ، ولكن الاتحاد نتيجة لافتقاره إلى القيادة الرياضية الناجحة في مجال المبارزة لأنهم لا يعرفون ولم يكونوا ممارسين لها كذلك انعدام التجهيزات الخاصة باللعبة برغم مفاتحة الاتحاد لوزارة الشباب في وقتها بضرورة توفير المستلزمات الخاصة باللعبة لاستخدامها من قبل اللاعبين والمدربين مما أدى ذلك إلى حل الاتحاد .
وبقى الحال للمبارزة العراقية المحددة في الكلية العسكرية بتدريب بسيط في أماكن غير قانونية من الكلية العسكرية (المسبح) ، وكذلك تدريب فريق الجيش الذي يتدرب في مديرية التدريب البدني والذي كان يشارك في البطولات الخارجية العسكرية فقط وعن طريق وزارة الدفاع ولم يطلب منهم نتائج وإنما التواجد والتعرف على أسس طبيعة هذه اللعبة ، وقد بقيت أيضاً رياضة المبارزة لعبة محصورة بين الطلبة والطالبات في كلية التربية الرياضية ضمن درس المبارزة إضافة إلى المشاركات في المهرجانات الرياضية التي كانت تقدم في ساحات الكلية ، وبعدها بدأ الخبير العربي بجمع الفريقين العسكري والطلابي للتدريب المشترك ولكنه كان يفضل اللاعبين العسكريين لأن مجال المشاركة في البطولات الخارجية متوفر ويستطيع السفر بهم ولكن يدرب الاثنين معاً للاستفادة من اللاعبين البدنيين.
في (11/6/1970) كانت محاولات العراق وعن طريق اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية المتمثلة بجهود السهروردي وبالتعاون مع السيد عبد الله صلاح الدين الذي كان يدرب نادي الجيش تم تضافر الجهود لدخول العراق بالاتحادين الأسيوي والدولي ، وفي السنة نفسها شارك الفريق العراقي (المنتخب العسكري) في بطولة لبنان الدولية ، وفي (20/8/1970) شارك الفريق العراقي (المنتخب العسكري) في أول بطولة عسكرية عالمية بالمبارزة تسمى (C.I.S.M) وكانت في إيطاليا ، وفي (21/6/1971) شارك المنتخب العسكري في البطولة العسكرية (C.I.S.M) التي أقيمت في السويد وحصل أحد اللاعبين العراقيين على جائزة احسن لاعب للعبه الجيد في الأسلحة الثلاثة وهو اللاعب محمد عبيس ، وكانت هذه النتيجة هي النتيجة الوحيدة التي حصل عليها المدرب العربي للعراق خلال فترته التي كان يعمل بها في العراق .
وخلال فترة ما بين (1972 – 1974) كانت هناك محاولة لتشكيل اتحاد كان يقودها الدكتور عبد علي نصيف والسادة ( غسان صادق ، بيان علي ، بسام عباس) ولكنها بائت بالفشل ، وبقي الحال كما هو عليه إذ لم يشترك العراق في أي بطولة خارجية خلال الفترة المذكورة أعلاه .
وفي عام (1974م) كانت هناك جهود مشتركة من السهروردي الذي كان عضواً في اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية والسعي من قبل المدرب العربي (عبد الله صلاح الدين) لتثبيت أقدامه في العراق عن طريق تثبيت اللعبة ، وهذه مرتبطة بتأسيس اتحاد للعبة وتشكيل فرق حتى يستطيع التعاقد مع المؤسسات الرياضية وبقائه ، إضافة إلى ظهور اسمه الرياضي بوصفه من أبطال العرب والدوليين البارزين في هذا المجال ، لذا تم التنسيق مع الجامعة ومديرية العاب الجيش ، والشرطة ، ووزارة الشباب بتشكيل اتحاد للمبارزة أسوةً ببقية الألعاب ، وقد أحيلت المذكرة التي رفعت إلى اللجنة الأولمبية بتاريخ (11/9/1974) الذي كان رئيسها آنذاك (اللواء عادل سليمان) والتي كان مقرها في منطقة المسبح (الكرادة خارج) ، ومع المتابعة من قبل السهروردي حصلت الموافقة على تشكيل لجنة خاصة مكونة من ممثلي الجيش ، الشرطة ، الجامعة والشباب ، سميت اللجنة الوطنية العراقية للمبارزة ، وبعد الاجتماع الأول الذي تم عقده في كلية التربية الرياضية (قاعة المبارزة) وبحضور الأستاذ سلمان مهدي العبيدي معاون عميد الكلية وعضو اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية الذي كلف من قبل اللجنة بحضور الاجتماع وتحديد المناصب الادارية.