متون وهوامش

الهوامش المقصية ، هي الزوايا المظلمة في ثنايا المجتمع التي لا تراها العيون وبالتالي فإنها تتعمق وتتجذر في تلك الثنايا من دون ان تحظى باهتمام ، وبمرور الزمن، تتراكم حتى تصبح متوناً اساسية تمثل محركاً ضخماً لحركات الاحتجاج المجتمعي وربما تنجح في تغيير الكثير من المسارات ، وليس بالضرورة ان يكون ذلك التغيير صحيحاً او انه يحقق نتاجا ايجابياً في الواقع .. ومن هنا ينبغي الانتباه دوماً إلى تلك الهوامش وعدم تركها حتى تشعر انها مهمشة فعلا ما يدفعها إلى التحرك لتثبت انها فاعلة ومؤثرة ، ومثل هذا التهميش ، سواء كان مقصوداً او ان ظروف البلد والمجتمع الصعبة هي التي تسببت به ، من شأنه ان يولد شعوراً سلبياً لدى هؤلاء الناس ، هذا الشعور قد يصيب وتر الانتماء إلى الوطن والمجتمع بمقتل ، وهذا امر خطير تنتج عنه الكثير من السلوكيات ذات الايقاع المنفلت ، مع تحقق ابسط فرصة للتعبير عن الاحتجاج ورفض التهميش ، سلوكيات تتمثل بتخريب كل ما يمت او يرمز إلى الحكومة بصلة ، معتقدين انهم بهذا السلوك انما ينتقمون ممن كان سبباً في اقصائهم او تهميشهم من دون ان يعلموا ان هذه الاموال والمؤسسات انما هي لهم ، لان الحكومة في نهاية المطاف هي اداة المجتمع لتحقيق البناء وإدارة شؤون البلاد ..
ولو القينا نظرة سريعة على تلك الهوامش المقصية او التي تشعر بالإقصاء بنحو ادق، لوجدناهم اولئك الناس الذين لم يحظوا بفرص تعليمية كافية وبالتالي فان حظوظهم في الحصول على فرصة عمل لائقة قد تكون قليلة بالمقارنة مع الذين حصلوا على مؤهل علمي مرموق منحهم مساحة جيدة في الحياة .. ومن المؤكد ان عدم الحصول على فرصة عمل مناسبة من شأنه ان يخلق شعوراً بعدم الرضا ، لاسيما في البلدان الغنية التي يجد ابناؤها ان لهم حصة ينبغي ان يحصلوا عليها من ثروات بلادهم ، تمكنهم من تأمين متطلبات حياتهم .. وهكذا يبدأ الشعور بالتهميش ينمو في النفوس خصوصاً اذا ما رافقه تراجع عام في مستوى الخدمات ، وشيئاً فشيئاً يبدأ المرجل بالغليان ، وهنا يجب ان تكون ثمة مبادرة لرفع الغطاء قبل ان يرتفع في الفضاء نتيجة الضغط الداخلي ، وعند ذاك لن يكون بالإمكان فعل شيء .. وفي هذا المنعطف الخطير ، يأتي السؤال ، كيف لنا ان نعالج الموقف قبل فوات الاوان ؟ وهو سؤال مهم وجوهري ، اذا ماعلمنا ان النسبة الاكبر من المحتجين هم من فئة الشباب ، وهنا مكمن الخطورة ، ولهذا ينبغي ان تستهدف جميع الحلول والمعالجات شريحة الشباب بالدرجة الاولى ، من خلال توفير فرص العمل المناسبة لهم ، فضلا عن خدمات الصحة والتعليم وسائر الخدمات الحياتية الاخرى ، وإذ نتحدث عن التوظيف وفرص العمل ، فليس بالضرورة ان يكون عبر مؤسسات الحكومة ، نعم قد تسهم هذه المؤسسات في استيعاب نسبة ما ، ولكن لا اعتقد انها قادرة في ظل تضخمها الحالي من استيعاب الشيء الكثير ، انما التعويل كله على تحريك عجلة الاقتصاد المتمثلة بتشغيل المصانع وتوطين الصناعة على وفق خريطة صناعية تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة كل محافظة وقضاء وناحية ، فضلا عن فتح آفاق الاستثمار ، ودعم قطاع الزراعة ، والاهتمام بالسياحة ، ومثل هذه الحركة الاقتصادية من شأنها ان تحدث ثورة في الخدمات الحياتية ، ناهيك عن فرص العمل الهائلة التي ستتوفر للشباب .. وليس هذا وحسب انما ايضا نحن نحتاج إلى الاهتمام بمستوى التعليم في البلاد بجميع مراحله ، والعمل على تأهيل الخريجين لتمكينهم من الحصول على فرص عمل تتناسب ومهاراتهم العلمية والعملية ، وبهذا نكون قد رفعنا الهوامش المقصية وحولناها إلى متون ايجابية وأساسية في المجتمع .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة