من للعراق…؟

على صعيد القول والخطابات والادعاءات وبازار الاستعراضات؛ فهناك طفح هائل من الجماعات والأفراد الذين يشمرون عن مواهبهم واستعداداتهم لنصرة العراق، وانتشاله من محنته الراهنة. لكن على أرض الواقع الأمر على غير ذلك تماماً، إذ يترنح هذا الوطن المنكوب على ايقاع الهزائم التي تتناهشه في شتى المجالات المادية والقيمية، من دون ظهور أي ناصر جدي لقضاياه العادلة والمشروعة. نعم هناك الكثير من الصخب والعجاج والضجيج، والذي يدور حول نصرة العراق لكنها جميعها لم تخرج عن إمكاناتها الفعلية التي اشرنا اليها، وهذا العجز والفشل له مبرراته الواقعية والموضوعية والتاريخية، الممتدة الى أكثر من نصف قرن من تاريخنا الحديث (عقود من التوليتارية سحقت أجيال كاملة ولم تبق غير حطام من البشر والحجر) لذلك ليس غريباً كل هذا العسر والتعقيد في ولادة بدائل حضارية قادرة على انتشال العراق واسترداد مكانته الحضارية بين الأمم. بعد مرور خمسة عشر عاماً على زوال النظام المباد عبر المشرط الخارجي، عجزنا جميعاً في مهمة انتشال هذا الوطن القديم من محنته، ومثل هذه النتيجة تدعونا لنبذ الغطرسة والغرور وما يتعلق بهما من موروثات الخواء وهتافاته وهوساته الطنانة، والانعطاف قليلاً الى ما يساعدنا على تعلم تقنيات التريث والتواضع في التعاطي مع كثبان المخاطر والتحديات المحيطة بنا، فمن دون وعي وتشخيص ما حل بنا، تنضم حتى النوايا الطيبة الى الحشود التي تمهد الطريق الى جهنم كما في المثل الإنكليزي المشهور.
بالابتعاد قليلا عن جاذبية وضغط مناخات التمترس على أساس “الهويات القاتلة” وسكراب العقائد، نستطيع التعرف على ما أشرنا اليه من وقائع ومعطيات مؤسفة ومريرة تعصف بمصير هذا الوطن، وهذا الوعي وحده بمقدوره مساعدتنا على الشروع بمشوار الألف ميل، ونبذ منهج الدقلات والهوسات المتخصصة باستنساخ “القادسيات وأم المعارك” وحوسمة المشاريع والتطلعات. لا تحتاج شريحة الشباب الى من يرفع لهم منسوب الحماسة والهياج، فلديهم ما يكفي ويفيض منها ومن الغضب والإحباط تجاه ما يحيط بهم من نحس وانسداد للآفاق، وهم من دون شك يشكلون أمل لا العراق وحده بل لكل الأوطان والأمم، للانخراط في طريق الحرية والكرامة والأمن والازدهار. هذا الأمل “الشبيبة” كي تتمكن من تحويل هذه الإمكانية الى واقع؛ تحتاج الى وعي ما أشرنا اليه من حطام البشر والحجر، والى الحكمة والمسؤولية في التعاطي مع ما يواجهنا من تحديات وقوى تمرست بفنون إجهاض الإمكانيات والتطلعات الإيجابية والمشروعة للشعوب، لا كما يردد البعض من عدم حاجتهم لـ “خبرة” شيوخ برهنت التجربة على بؤسها وخوائها (تقاليد التبعية والذيلية والخنوع)، لأنهم بأمس الحاجة للخبرة الفعلية والتواصل مع إرث تمت القطيعة معه منذ عقود، أي تقاليد التضحية والإيثار المقرونة بوعي عميق لحاجات الناس وهمومهم الواقعية لا الخرافية، كما يحصل اليوم مع هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة.
إن آخر ما تحتاجه الأجيال النشطة والفاعلة؛ هو المزيد من الأوهام والأكاذيب حول قدراتهم الراهنة على قلب موازين القوى وغير ذلك من العنتريات الفارغة. لأنهم حاليا لا يمتلكون لا الوعي المطلوب ولا ما يجمعهم من مشتركات وتنظيم موحد ومتراص من القوى والملاكات، وهي مستلزمات سيحصلون عليها عبر الكفاح المنظم والمثابرة لمنح وطنهم وشعوبهم المعنى الجديد للحياة، والذي وهب الأمم الحرة ما هي عليه اليوم من استقرار وازدهار…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة