دور العرض السينمائية في العراق .. أهمل الحاضر ماضيها الجميل

سمير خليل:
تعد السينما كفن قائم على اسس رصينة متوارثة، ركنا اساسيا في ساحة الابداع، ودليل رقي الشعوب وتحضرها.
وترتبط الافلام السينمائية بعد اكمالها، بدور العرض الخاصة، والتي تعد مظهرا حضاريا يعكس الوجه الثقافي للشعوب.
هذه الدور واكبت التطور التقني حين دخلت تجربة العرض ثلاثي الابعاد، التي يرتدي المشاهدون خلالها نظارات خاصة لمشاهدة افلام تعرض على شاشات خاصة.
في العراق وبعد ان كانت دور السينما تنتشر في بغداد والمحافظات، وتشكل زيارتها تقليدا ثقافيا، تحتضن جموع النظارة الذين كانوا يرتادونها بنحو منتظم، يرتدون أجمل ملابسهم، حتى ان العائلات كانت ترتب اجندتها الاسبوعية اعتمادا على موعد الذهاب الى السينما، في وقت كانت الافلام العالمية والعربية تتوافد على دور العرض العراقية، حين كانت العاصمة بغداد تعج بشركات الانتاج السينمائي، وشركات خاصة باستيراد وتوزيع الافلام السينمائية، تعمل على وفق آلية منتظمة لاستيراد وتوزيع هذه الافلام.
يذكر جورج سادول في كتابه (تاريخ السينما في العالم) في فصل البلدان العربية ان عام 1964 شهد وجود (86) دار عرض في العراق، تناقص العدد عام 1994 الى (70)، ثم بدأت هذه الدور بالتناقص رويدا رويدا حتى تلاشت تماما في ظاهرة مخيفة ومؤلمة.
ولولا ان بعض المولات التجارية التي شيدت مؤخرا في بغداد والمحافظات حرصت على انشاء اماكن عرض سينمائية، تعرض فيها افلام حديثة، لقلنا بملء افواهنا ان العراق خال تماما من دور العرض السينمائي.
تقول المصادر ان العام 1909شهد اول عرض سينمائي في بغداد في دار الشفاء في الكرخ.
عام 1920 شيدت سينما سنترال في شارع الرشيد ببغداد، تبعها دارا العراق والوطني عام 1927 ثم سينما رويال عند نفق الرصافي حاليا.
سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي شهدت ولادة سينما الزوراء في منطقة المربعة، والرشيد الشتوي والصيفي في شارع الرشيد أيضا، ثم سينما الحمراء.
كما شهدت الحقبة نفسها انشاء سينما الهلال التي خصص بها جناح خاص للنساء، كما شهدت سينما سنترال عرضا خاصا للنساء.
عام 1936 قامت سينما روكسي على أنقاض ثكنة عسكرية، ثم سينما غازي في الباب الشرقي العام الذي تلاه.
في بداية اربعينيات القرن الماضي استقبلت بغداد داري تاج الصيفي، وديانا الصيفي والشتوي، فسينما النجوم عام 1947 تبعها دار مترو في منطقة الفضل، وداري الفرزدق، والمشرق.
خمسينيات القرن الماضي شهدت ولادة سينما الخيام التي شيدت بطراز خاص آنذاك منحها صفة دار السينما الافضل على صعيد الشرق الاوسط، كما شيدت سينما فيصل في منطقة الصالحية بتصميم إيطالي.
الستينيات شهدت ولادة داري النصر وبابل في شارع السعدون، وقد شيدتا بطراز حديث جعلهما في طليعة دور السينما في العراق، اما السبعينيات فشهدت ولادة سينما سمير اميس، وأطلس، وغرناطة، حتى ثمانينيات القرن الماضي التي شهدت تشييد آخر صالة سينما، سينما المنصور في ساحة الاحتفالات.
عرضت دور السينما في بغداد، عيون الافلام النادرة التي انتجتها السينما العالمية، وشهدت اقبالا كبيرا كأفلام زوربا، وزد، وحالة حصار، وذهب مع الريح، ومرتفعات وذرنج، وجين اير، وجامع الفراشات ومأساة مايرلنك والفراشة، والى استاذي مع اطيب التمنيات، وحرب النجوم، وشعاع عند حافة العالم، اضافة الى الأفلام العربية، الخطايا، وابي فوق الشجرة، وافواه وارانب، ونحن لا نزرع الشوك.
اليوم اصبحت دور السينما في العراق اطلالا تبكي ماضيها الجميل، بعد ان تحولت الى مخازن ومحال تجارية، او مقاه او مقاه للإنترنيت، كما تحول بعضها الى مسارح تحتضن المسرحيات الشعبية منذ تسعينيات القرن الماضي.
وعند البحث عن اسباب هذا الاندثار المؤلم لدور العرض السينمائية نجدها كثيرة، منها انتشار التقنيات الحديثة من موبايل وحاسوب واجهزة الستلايت وكثرة القنوات الفضائية التي تعرض أحدث الافلام السينمائية، اضافة الى غياب الاستثمار التجاري لدور السينما، وهجرة المشاهدين، وتردي الثقافة الفنية، والاهمال الحكومي، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة