مجلات نفطية

من ملامح هذا القرن أن الدوريات الثقافية التي تعود ملكيتها إلى أشخاص أو مؤسسات عامة في البلاد العربية أخذت بالاختفاء من الأسواق، ولم يتبق منها إلا عدد قليل جداً. ومال العديد منها للتحول إلى مواقع إلكترونية مجانية.
وفي العراق بعد عام 2003 انحسرت ظاهرة هذه المجلات بشكل شبه تام، رغم صدور العديد منها في السنوات السابقة. ويعود ذلك في الغالب لسببين أولهما ضعف إقبال القارئ، وثانيهما هبوط مستواها العلمي.
وقد حدث أن بعض دوائر الدولة حاولت الولوج إلى هذا السبيل، وسد النقص فيها عن طريق إصدار مجلات خاصة، لتوثيق وأرشفة نشاطاتها الفنية والإدارية، وإعطاء مساحة واسعة منها للثقافة. وكلفت أقسام الإعلام التي لا تكاد تخلو وزارة أو شركة عامة منها بهذه المهمة.
وكانت وزارة النفط من أول الوزارات التي سارعت لاغتنام هذه الفرصة، بسبب إمكاناتها المالية العالية، وأوعزت لمنتسبيها بخوض هذه التجربة. وقد أتيح لي بحكم عملي في السنوات الماضية الاطلاع على ثلاث مجلات شهرية، أصدرتها شركات نفطية حكومية كبرى. وبعد سنوات من العمل شبه المنتظم، توقفت عن الصدور مع انهيار أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية!
وهذه المجلات المتماثلة من ناحية الشكل والمضمون والإخراج والحجم والورق والألوان والحروف، كانت توزع بالمجان على العاملين في الشركات، وتصل نسخ قليلة منها إلى أشخاص ومؤسسات، خارج هذه الشركات، في أماكن مختلفة من البلاد.
وقد عمر بعضها سنوات قليلة ثم احتجب عن الصدور، ليس لأن التقشف المالي حرمها من التمويل الذي كانت تتمتع به، فحسب. بل لأنها لم تكن مجلات حقيقية تلفت انتباه القارئ، أو تحوز على رضاه، أو تدفعه لتلقفها مثلما كانت المجلات النفطية تفعل ذلك من قبل. فهي أقرب إلى نشرات إعلامية منها إلى مجلات شبه متخصصة.
وغني عن البيان أن تحرير مثل هذه المجلات يحتاج إلى إدارات كفوءة، لا تملكها أقسام الإعلام في هذه الشركات، رغم ما كانت تبذله من جهد، وما تتوفر عليه من إخلاص. وقد عجزت أن تحول هذه الفرص النادرة إلى عمل إعلامي نافع ومؤثر. فالمجلات ذات الطابع الثقافي تحتاج إلى فهم لمزاج القارئ، وقدرة على جذب اهتمامه – على غرار ما كانت تفعل مجلتا أهل النفط والعاملون في النفط في خمسينات وستينات القرن الماضي – ليكون بوسعها الوقوف بوجه الأعاصير المالية والفكرية، التي تتعرض لها بين الحين والآخر.
مازلت أؤمن أن للدوريات المطبوعة مهمة لا تستطيع أن تضطلع بها المواقع الإلكترونية. فهي بتبنيها موقفاً إنسانياً خالصاً، قادرة عبر البحث المتواصل، والعمل الدؤوب، على إقناع القارئ بجدواه. فالإعلام الذي يديره الهواة لا يمكن أن يؤدي مهمته على الوجه الأكمل، ولا يستطيع مقاومة الظروف والمشاكل المالية والفكرية والسياسية الكثيرة التي تعصف بقطاع الثقافة كل يوم.
محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة