حسن السلمان
لا أدري من أي مخيّلة شيطانية جاءتني فكرة وجود بيضة تحت مقعد الشيخ عبد الصمد النادر.
كان الشيخ عبد الصمد يزورنا من حين لآخر لوجود قرابة بعيدة تربطه بأبي، فينقلب بيتنا رأساً على عقب.. كل من في البيت يترك عمله ويذهب للتزود بنور وجه الشيخ ومواعظه التي لا تتعدى التذكير بأداء الفروض وعمل الخير وبر الوالدين.. كانوا ينظرون إليه كما لو أنهم يشاهدونه لأول مرة، مع أنه كان يزورنا كل أسبوع، وأحياناُ، مابين يوم وآخر..
عندما يطل علينا الشيخ، تسبقه رائحة المسك، تترك أمي قدرها على النار، وتقف بمحاذاة باب الغرفة، مصوبة نظرها إلى لحية الشيخ المخضبة بالحناء، ولا تنتبه لنفسها إلا على رائحة شياط الطبيخ.. ينزل أبي من على سريره ويجلس عند قدمي الشيخ الذي يأخذ مكان أبي، متحملاً آلام مفاصله عندما يجلس متربعاً، وهو يتأمل وجه الشيخ البيضوي الحليق الشارب.. تركن عمتي مكنستها في زاوية الحمام وتتعلق بشفتي الشيخ الحمراوين اللتين تشبهان عنقودي كرز، تاركة أكوام الوساخة في منتصف البيت.. ترمي شقيقتي دفترها المدرسي وتنضم إلى بقية العائلة، غير مبالية بعصا المعلمة التي سوف تنطبع على راحتي يديها، متأملة الضوء المنعكس من على أسنان الشيخ الناصعة البياض.. كان الجميع منبهراً بنظافة ملابسه، ابتداءً من كوفيته البيضاء المنسدلة على كتفيه، حتى عباءته الكحلية الشفافة، ومسبحته السوداء التي يتراقص خرزها البني اللون ما بين أصابعه الجميلة، بينما لا شيء يشغل ذهني سوى تلك البيضة التي تستقر تحت مقعد الشيخ.. ولأن الشيخ كان طويلاً، ضخم الجثة، كنت اتخيل أن حجم البيضة سيكون بحجم بيضة النعامة..
عندما يغادر الشيخ، كان الجميع يودعه حتى عتبة الباب، إلا أنا، إذ كنت اسارع إلى حيث كان يجلس علني أعثر على البيضة، ولكنني لم أكن أعثر على أي شيء، عدا تحسسي لحرارة تنبعث من مكان جلوسه على سرير أبي المسكين فيزداد املي بالعثور على البيضة العظيمة…
ذات يوم، انتبه أبي إليّ حين كنت افتش في سريره بعد مغادرة الشيخ، وسألني عن أي شي ابحث.. ارتبكت واحترت بماذا اجيبه.. بصوت متلعثم، قلت له، أبي، إنني أبحث عن بيضة الشيخ.. في البدء، ابتسم أبي، ثم غابت الابتسامة لتحل محلها تكشيرة غاضبة، ثم يد غليظة تمسك بأذني وتجرني خارج الغرفة.. ثم صوت راعد: اتسخر من الشيخ الجليل أيها الجربوع؟ أهذه آخر تربيتي لك أيها الملعون؟ اسمع. عندما يزورنا الشيـخ لا أريـد أن أرى خلقتـك القبيحة…
زرانا الشيخ النادر، فاختبأت تحت السلم حتى خرج وشيعته العائلة كلها حتى عتبة الباب، فانتهزت فرصة خلو الغرفة وقفزت إلى حيث كان يجلس الشيخ…
أمسكني أبي ثانية من أذني ونادى على جميع افراد العائلة الذين جاؤوا مهرولين وأحاطوا بي من كل جانب، وأنا أصرخ: اقسم بالله يا أبي أنني لم اشتر هذه البيضة ولم اسرقها.. إنها بيضة الشيخ.. انظر؟ إلا تنظر؟ حتى إنها كبيرة وتشبه بيضة النعامة!!