«صلاح» قراءات ما وراء الأيقونة

مصطفى عبد الغني

دائما ما يميل العقل البشري الى الحكايات الاخاذة من عظماء نشأوا في فقر وظروف عسيرة، ثم غيروا مجرى التاريخ نسمع عن أديسون الذي لم يكمل تعليمه بسبب الفقر، ثم تغمر مخترعاته العالم فننبهر ونقرأ عن ابراهام لينكولن يتزاحم مع اخوته في كوخ خشبي صغير على حافة الغابة ثم يصبح بعدها رئيسا للولايات المتحدة الأميركية فتؤسر قلوبنا حياة تتلون بألوان مزهرة كلما سمعنا عن ملياردير كان يعمل عتالا او رئيس كان ابوه موظف بريد لتلمع الاعين أكثر.
عند عامة الناس كلها حكايات مغلفة بغلاف الانبهار الأقرب الى الاستحالة خصوصا مصر حتى رأى الجميع محمد صلاح لتتبدل الاستحالات ممكن.
البداية دائما تتجسد في النشأة والخطوات الأولى التي يكتسب من خلالها أي فرد مخزونه الخاص الذي يقوده فيما بعد هذه النشأة التي تتضح اثارها اما من خلال البيئة وما تضيفه على صاحبها من قواعد أساسية وخطوط عريضة لطبيعته، واما من خلال التعليم واثر التعليم الواضح ليس بما تدرسه بل بكونك تدرس أصلا عملية الانغماس في التعليم التي كلما زادت تفتح امامك افاق اوسع وانيرت في رأسك ومضات اكثر هو جمال السعي نحو المعرفة لذا ففكرة التعلم في حد ذاتها هي ضرورة حتى لمن تعتمد أعمالهم على الموهبة ضرورة للرسام للممثل للمطرب حتى للاعب الكرة.
محمد صلاح هذا الانموذج الاسر تخرج في مدرسة ثانوية صناعية بمجموع 52% ثم احترف ولم يكمل بعدها وما حدث انه خرج بهذا القدر المتواضع من التعليم الاكاديمي ونجح نجاحا مبهرا متأقلما وسط مجتمعات ومنظومات عالمية أسس التعليم هي دربها ونورها.
هي الفطرة النجاح واضح يراه الجميع بل ويعرفون الطريق اليه جيدا طريق ينيره منهج علمي يحتم طريقة كاملة في التفكير والحياة كل ما في الامر كيف تصل الى هذا الطريق وصلاح وصل اليه بهذه الفطرة السليمة ومن ثم بدأت الرحلة التي جعلت صلاح قادر على الحياة وسط مجتمعات مختلفة مع تأقلم تام في كل منها، تامره حتى من دون ان يشعر هو بالانسياق الطبيعي في هذا الطريق العلمي والانصياع الى قواعده التي تمليها عليه فطرته كما تمليها التعاليم الاكاديمية.
على صاحبها اذ ليس ضروريا ان يكون انموذج النجاح هو نموذج زويلى يجمع الشهادات من جامعات الغرب المتقدمة بل يمكن ان يكون نموذج صلاحى متفرد يجمع النضج وحسن التصرف من الفطرة كما تكتسب من الجامعات ويدرك ان خضوع لمنظومة العمل المتقدمة وفهم اسرارها وعدم التفكير في الخروج على قواعده سبيله الوحيد النجاح.
ارجع صلاح في تصريحات له غير مرة اسباب رجوع الكثير من اللاعبين المصريين من تجربة الاحتراف وعدم استكمال المهمة الى الحنين الدائم الى الوطن، والرغبة في الشهرة السهلة التي ينعم بها النجم في مصر وضمان حياة مترفة باموال وسيارات وجميلات وكانما ملك الدنيا وما فيها من دون تضحيات كبيرة، ولكن قناعات صلاح مكتملة تفرض دائما عليه جوانب اكثر من العناء وترمى امام عينية الشواهد ليستبين منها ويزداد ايمانا بقناعاته فيرى نماذج مصرية بدأت حياتها الكروية في اوج التالق ثم مع استمرار التخاذل ذهبت ادراج النسيان ويرى نماذج لمن خرجوا للاحتراف الخارجي وعادوا لاسباب عاطفية لا تتناسب مع مقدار ما يطمح له صلاح ويرى نماذج اخرى افنت حياتها باجتهاد فنالت ما كانت تصبو اليه واكثر، او حسب احدى قناعات صلاح كما اخلصت للكرة تمنحك ما تستحق.
ادرك صلاح بفطرته تلك انه سلعة في هذا السوق العالمي، سلعة يتحدد سعرها زيادة ونقصان وفقا لاجتهاده وابتعاد اكثر عن مهاترات من هم خارج السوق، شاهد السوق المصري الذي يغمره الباعة الجائلون يتحكمون باسعاره وتعلو فوقه اصوات الفوضى في التقييم والتسعير، وادرك ان هذا يستقيم ادار وجهه لرواد السوق الحقيقين الذين يرتادون السوق عن سابقتها فاجمل بها سلعة واهلا بها في كل وقت وحين، وان ادركوا ما بها من عيوب وتعجل، فلا عزاء لها. فلن يهتموا من الاساس اين هي، وكيف نحاول تحسينها فاما الاقبال، واما النسيان وهكذا سمت الاسواق.

الفطرة والعولمة.. من ينتصر؟
هذه الجدلية التي تخلقها العولمة حين تظهر طرفا في اي صراع ومن يستطيع قولبة الاخر؟
والحقيقة ان العولمة هي القالب الاكبر الذي تمكن من اذابة اي عامل اخر فيه.حتى الفطرة السليمة التي تسمو بها نشعر خلالها من منح العية وقدرات عالية على التصرف خارج اي صندوق تذوب هي الاخرى وتتطبع بطابع العولمة حتى وان وان ظهرت عكس ذلك في بعض الاحيان ستظل الفطرة تفعل ما يحلو لها لكن في فلك العولمة لا تحيد.
في عام 2013 ، وحين كان محمد صلاح محترفا في فريق بازل السويسري كان عليه لعب مباراة في الدوري الاوروبي مع فريق ( مكابي تل ابيب) ، وفي مباراة الذهاب في سويسرا ، وفي اثناء مصافحة الفريقين تحايل صلاح ، بحجة انه يربط حذاءه حتى لايصافح لاعبي مكابي تل ابيب ، وانهالت عليه بعد ذلك آيات المدح والذم ممن رأوه بطلا قوميا ، ومن رأوه شابا مراهقا لم يدرك بعد مقدار فلك العولمة الذي يجب ان يبقى في مداره ان اراد الاستمرار ، لذا كان الاختبار الاصعب هو مباراة الايات في اسرائيل .
كان عليه ان يذهب الى اسرائيل ، ويصافح اللاعبين ، ويلعب بشكل اعتيادي كما يلعب ضد اي فريق في ملعبه ، وتعالت الصيحات في مصر ، اذ كيف سيذهب ، وبالتأكيد لن يذهب ،ولو ذهب عليه الا يصافحهم والا يبتسم في وجوهم ، وغمر الاعلام حينها اجواء من «لاتصالح ولو منحوك الذهب «.
لكن ماحدث ان ان صلاح ذهب الى اسرائيل متشبعا بهذه الاجواء التي تفرض عليه فطرته بعضا منها محاولا التوفيق بين الفطرة وتحديات العولمة فأثناء مصافحة الفريقين مد صلاح للاعبي مكابى تل ابيب قبضة يده ممررا اياها بسرعة عليهم بدلا من المصافحة بيد مبسوطة ، بدأت المباراة وصافرات استهجان تصب على صلاح كلما لمس الكرة تتزايد وتتزايد ، ثم بعد 20 دقيقة بالتمام والكمال يحرز صلاح هدفا ، هدوء تام في المدرجات ، وصلاح يكمل ويشير لهم بالسكوت ثم يسجد شاكرا الله على الهدف كما عادته ، انتهت المباراة وبدأت المزايدات اكثر ، حيث من تبوا ان سجدة صلاح هذه طعنة صدر العدو الصهيوني ، ومن زايد وتمنى لو كان صلاح يرتدي تيشرتا مكتوبا عليه « القدس لنا « او حتى « الله اكبر « صلاح صاحب العشرين عاما حينها وفق بين فطرته وعولمة هذا العصر ، ضاربا عرض الحائط بكل افكار المراهقة تلك حتى ولو كانت لمن هم في ضعف عمره .
وفي الاوقات الانية وقد صار صلاح ضيفا معتادا على منصات التكريم لايزال يخيل الى كثيرين افعال من تلك النوعية ، ولايزال صلاح يؤكد للجميع بانه انضج من كل هذا قد يخيل الى البعض غير مرة ان صلاح في احدى تكريماته العالمية هذه سيتسلم جائزته ، ثم سيستأذن الحضور بالقاء كلمته باللغة العربية تكريما لها ولبلده ، لكن هذا لايحدث ، صلاح يصعد الان ويستلم جوائزه ، ثم يلقى بالانجلزية كلمات مقتضية ، مفادها الشكر لأهله ومدربه وزملائه متمنيا المزيد من النجاح وانتهى الامر . لايفكر مطلقا بهذه الافكار الجذابة التي تخطر ببال جموع المصريين عن شكره لمدربه في مركز الشباب وتقديره «لعم صابر « موظف الامن في نادي المقاولون .
صلاح المؤمن بكل هذه الامور مثله في ذلك مثل كل اهله واقرانه استجاب لنداء العولمة وما يميله من شروط تغطى كافة مناحي الحياة اذا كيف تتحدث ومتى تتحدث وكيف تظهر لعامة الناس ومتى تقرر الاختفاء قليلا وكيف تقضى ساعات عملك وكيف تقضي اجازتك وكيف تحافظ على محبيك وكيف تتعامل مع كارهيك ، اكتسب سريعا قدرة فائقة على التحكم تماما في تصرفاته وافعاله وترتيبها في مساراتها الطبيعية التي لا تخلع عنه لباس فطرته السليمة وتضعه في ذات الوقت راسا براس مع باقي نجوم اللعبة من الفئة العليا فتشعر في احاديثهم كلهم وكأنما قد نشأوا جميعا في نفس المدينة تحت نفس الظروف مع نفس الاهل وتلك طبيعة العولمة .
عشرات المقاهي صار رزقها هو يوم مباريات صلاح ، رجال كبار وصغار لم يكن لهم عهد بالكرة صاروا كما المؤرخين الرياضيين لمباريات صلاح البنات الصغار والنساء الكبار يجلسن بكل شغف انتظار الانتفاضة فرحة بهدف صلاح ، مشاهد في الوضع الطبيعي تعد استثناء اصبحت هي العادي ، العادي جدا هذا التأثير (الصلاحي ) بامتياز يستشرى بلا توقف ليفتح افاق التفكير بشكل اوسع او ان شئت قل افاق تهدم كل الكليشيهات بان الكرة زادت او نقصت فهي لعبة وانها لاترفع عن مكانتها
كوسيلة ترفيه، وفي أوساط اكثر نخبوية تستخدم كليشيهات اشد بأن الكرة أفيون الشعوب وأنها أداة السلطة في الهاء.
هو الاتجاه الذي يقر به البعض بالتقليل من مهن الترفيه عموما مهن كلاعب الكرة او الممثل او المغني هي في نظر البعض مجال للتسلية لا اكثر، وبالطبع فمهن أخرى اكبر تأثيرا في المجتمعات من هؤلاء(المسلواتية) فالمجتمع يقدر من يبنيه ومن يعالجه واضف لزيادة التعاطف انهم يهانون في أعمالهم اما هؤلاء (المسلواتية) يحصدون المال بلا حد او ربط دعنى او فيك ببعض السرديات.
هو الاتجاه الذي يقر به البعض بالتقليل من مهن الترفيه عمومتاً مهن كلاعب الكرة أو الممثل او المغني هي في نظر البعض مج=ال للتسلية لا أكثر وبالطبع فمهن أخرى اكبر تأثيراً في المجتمعات من هولاء (المسلواتية) فالمجتمع يقدر من يبنيه ومن يعالجه وأضف –لزيادة التعاطفف –أنهم يهانون في أعمالهم أما هؤلاء (المسلواتية)يحصدون المال بلا حد أو ربط دعني أوفيك ببعض السرديات.
منذ عامين تحديداً في 2016 أعلنت قائمة المغني الأميركي بوب يلان بالجائزة نوبل الجائزة الارفع في عالم الأدب والتي توالى عليها اعظم الأدباء كنيرودا، وبيرانديلو، ونجيب محفوظ، وماركيز يحصل عليها مطرب يغني ليس روائيا ولا كاتبا مسرحيا ولاقاصا قد ترجمت قصصه لعشرات اللغات بل مغنى يمسك جيتارا في يده يكتب كلمات ويلحنها ويغنيها مثله في ذلك كآخرين في مختلف البلدان حتى هو نفسه في رسالته الى لجنة نوبل أخبرهم بهذا : ما العلاقه بين الأغاني والادب ؟الامر واضح جلى بأيمان تام بقوة التأثير الحقيقي لهذا الترفيه مثل غيره من الفنون التي قد يحولها بعض كتابها بمرور الزمن لكتابات نخبوية معقدة حتى وان كان هو نفسه لايرى فيما يقدمه نفس القدر من العظم .
في الستينيات وقبل ظهور فكره التسويق في كرة القدم وحين كان معظم ممارسي اللعبة يلعبون هواية لا امتحان كان رئيس البرازيل ويعلنها يكفى ان لدينا ثروة قومية اسمها «بيليه» ثم في مونديال 1970 تتعاقد شركة أحذية رياضية مع بيليه بعقد قيمته 120 ألف دولار مقابل الترويج لحذائها الجديد وقبل ركلة بداية مباراة البرازيل وبيرو بلحظات يستأذن بيليه حكم المباراة أن يربط حذاءه لتقطع الصورة حينها على بيله يربط الحذاء الذي تتوسطه علامة الشركة الشهيرة وتسجل الشركة أرباحاً بزيادة 300%عما كانت تحققه قبل المونديال.
مجلة التايم الاميركية تصدر قائمة سنوية بالمئة شخص الأكثر تأثيراً في العالم هذه القائمة في السنين الأخيرة غدا لاعبو الكرة ضيوفاً معتادين عليها وأصبح أمرا طبيعياً وجود أسم ليونيل ميسي بصحبة انجيلا ميركل وهيلارى كلينتون وبوتين لا تبدى حيال ذلك أي استغراب .
في حقائق لاتحتمل الجدال محمد صلاح (لاعب الكرة) بنفحة كروية منه يرسم البسمة على شفاه الملايين وبصرخة الم واحدة منه تعتصر قلوب الملايين محمد صلاح (لاعب الكرة) أسهم عند مشاركته في حملة لمكافحة ادمان المخدرات بزيادة المكالمات على الخط الساخن كمادة إعلانية في الأشهر الماضية مشكلات ومناقشات بمئات الملايين محمد صلاح (لاعب الكرة)هو الأوسع تأثيراً في المجتمع المصري حاليا وبمسافة شاسعة عن أي شخصية أخرى
أن مراحل التحول من شخص عادي الى شخص ناجح ثم الى ايقونة تتطلب تغيرات وتأثيرات مصاحبة لكل مرحلة تتطور وتزداد وفقاً للظروف وطبيعة المجتمع تأثيرات تتجاوز مجرد حب الناس لتصل الى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وقد تصل لجوانب سياسية أحيانا بل ومشاركة لها مفعولها في صنع القرار سياسي لبلد بالكامل

وايا.. بدايات مشابهة
في الدائرة الأفريقية التي ينتمى اليها صلاح ومع كل خطوة يخطوها لأمام يتبادر الى الذهن النموذج الافريقي الأكثر نجاحاً جورج وايا، نفس البدايات المشابهة من اللعب في شوارع ليبيريا، ثم الانتقال لنادي هواة ، ثم نادي صغير ، ثم نادي اكبر ثم الانخراط في رحلة الاحتراف والوثب فيها عاليا يرتحل فيها جورج وايا من موناكو الى باريس سان جيرمان الى ميلان ثم يأتي عام 1995 ليفوز بجائزة افضل لاعب في العالم الافريقي الوحيد الذي حقق الانجاز هي المراحل الثلاث من شخص عادي الى شخص ناجح ثم الى ايقونة ، ايقونة رياضية جعلت افريقيا السمراء كلها ترى فيها ما هو اكبر من ذلك ، عزيزي القارئ اليك الخبر التالي: في 26 ديسمبر 2017 تم انتخاب جورج وايا رئيسا لدولة ليبيريا.
عندما قاد ديديه دروجبا منتخب بلاده على عاتقه للوصول الى كأس العالم 2006 اتخذته ساحل العاج باسرها بطلا قوميا يلبى نداء الواجب ، وتلبى نداءه الجماهير لو خطر بباله فقط ان ينادى ، ردا لهذا الواجب فيدعو دروجبا في بيان يوقع عليه لاعبو المنتخب بالكامل اهل الشمال والجنوب لتصفية النزاعات ووضع اوزار الحرب الاهلية ، وان يتركوا الاحتفال يوحد الجميع كانت رسالة صادقة استجاب لها زعيما الشمال والجنوب ، واقيمت مبارة ودية في الشمال حضراها معا لتبدأ بعدها محادثات السلام وتقام انتخابات موحدة بالفعل في عام 2010.
لايمكن الجزم بمدى صلاحية قياس هذه النماذج على محمد صلاح ، او حتى وضع ملامح عن تحديد علاقة صلاح باي قرار سياسي في مصر بعد عدد ما من السنين خصوصا اختلاف مصر عن معظم دول افريقيا السمراء التي تعتريها حروب اهلية ، ونقص في معتركي السياسة والاقتصاد مما يتيح المجال اكثر لاي نموذج ناجح في مجال اخر بدخول مجال السياسة من الباب الواسع ، لكن ما يمكن الجزم به بمطلق الثقة هي المكانة التي خلقها محمد صلاح لنفسه – حتى وان لم يكن متعمدا- ليبقى ممن سيشار اليهم بالبنان في اي حدث سياسي قادم ، قد لا يشارك بصورة مباشرة في اتخاذ قرارات ان عزف هو عن ذلك ، لكن لن يقدر ان يمحو من اصحاب القرار محاولاتهم المضنية لجذبه اليهم ، للانضمام لصفوف كل منهم بل وجعله هو شخصيا درجة صراع في سلم المشكلة الاساسية.
ولكن الرائع ان صلاح تعرض لمحاولات الجذب السياسية تلك من لحظات بزوغ نجمه الاولى ، ومع ذلك لم يبد اي اشارات لانحيازات بعينها. فهو صلاح الذي لا ينتمي لاحزاب يتخير الفاظه بعناية عند اجابته لاي سؤال قد يحمل جانبا سياسيا محدودا لا يبارز باقي نجوم الكرة بتصريحات نارية ، لا يعلن حتى في مصر ان كان اهلاويا او زملكاويا بل يستمر في تبني النشاطات العامة الشاملة التي تحافظ عليه في صورة صلاح نجم الجميع ، صلاح يقدر جيدا دوره الوحيد في الحياة كلاعب كرة قدم ويثمنه ويتحرك في اطاره لا يحيد عنه. ولا يحاول ان يستدعي لنفسه دورا ليس من شأنه ، فقط لارضاء شهوة الظهور كغيره من نجوم الكرة المصريين مرة اخرى يخرج صلاح من القناعات المكتملة التي يخزنها دائما معه قناعة جديدة سأبقى صلاح لاعب الكرة ولا غير ذلك يرتوي منها كلما شعر بامكانية تغيره.
ومما يثير التعجب كذلك ، ان هذا التفنيد والشرح باكمله يدور محوره حول شاب مصري في السادسة والعشرين من عمره. امر لم تعهده مصر الا نادرا ان تجد شابا صغيرا لكلمة واحدة منه قوة تأثير في مزاج العوام تتعدى رموز واساطين امر غير مستساغ بل وغريب على تابوهات الثقافة المصرية ، حتى صار جليا انه منذ الزعيم جمال عبد الناصر في شبابه لم يأت شاب مصري له تأثير صلاح في المجتمع المصري ، صلاح لا يتوقف عن الهدم معتقدات وموروثات كل يوم يطاولها معول صلاح والاجمل انه لايقصد كل هذا.
يمنحنا صلاح هبة تجعلنا نتمسك به في حياتنا علاقة قائمة على المصلحة الصريحة الوجبة شبه الاسبوعية بالسعادة المجردة التي صارت ضرورة حياة لتمنحنا قوة البقاء حتى الاسبوع التالي.
لهذا فحب جموع المصريين لصلاح تعدى فكرة حب لاعب الكرة وصار حب احتياج اكثر شمولا، كما يقول محمود درويش: احبك حب القوافل واحة عشب وماء، وحب الفقير الرغيف.
وبعد الثبات في مرحلة الايقونة، وبمرور الوقت فيها تبدا رويدا رويدا تحولها الى ما يشبه افلام «السوبر هيرو» البطل الذي تشعر به من غير طينة البشر يفعل ما لا يقدرون هم عليه، ودوما يفعله لأغراض اسمى مما في رأسهم، وصلاح هو هذا البطل الذي يلقى عليه جموع المصريين باختلاف الاطياف حمل اسعادهم كلما ضافت الدينا لكنه النوع الافضل من الابطال، هو هذا البطل الذي حين تراه او تتحسس خطاه ترى امكانية تكراره، ترى باب الـ (ليه لا؟)، ترى كما الجميع بان ما يفعله خارقا للطبيعة اما صلاح نفسه فهو ليس خارقا، صلاح (شبهنا)، صلاح (زيه زينا)، وهذا كل ما في الامر.

مسار الموهبة والاجتهاد
فبدايات صلاح عادية، وتشبه كثيرا من القصص التي تحتمل كل شيء، وقد تنتهي بابطال خارقين او بمن مروا في الدينا كان لم يمروا، لكنها اسباب النجاح التي يسوقها القدر في الدروب المناسبة، بدا صلاح مشواره الكروي في المقاولون العرب كنادي غير جماهيري فاتاح له حياة هادئة بعيدة عن تصنيفات مراهقي التشجيع الكروي، وبعدها خرج صلاح من مصر في سن صغير، فلم يحلق مراحل اكتمال النجومية الكاذبة التي تبدا دائما كما تنتهي في نفس المكان، يهجر اوبئة الشهيرة وعدوى الاضواء، ثم يقرر هو بمحض ارادته ان يسلم نفسه لقناعاته التي لا تخذله اينما حل وارتحل.
تكمن بطولة صلاح في سلك المسار الطبيعي للنجاح، مسار الموهبة والاجتهاد والصبر والمثابرة، مع الاضافات الجميلة للالتزام والاخلاق، مسارات بعيدة كل البعد عن اي شطحات غير اعتيادية، ليس ممن لديه في بيت ثراء يسمح للابن بممارسة الكرة في افضل النوادي منذ الصغير، وليس ممن ينتهزون الفرص لاستجداء الناس عن مدى المعاناة في النشأة والفقر، وليس ممن يخرجون في الاعلام دوريا لاطلاق تصريحات غريبة حتى في امور لا تخصه لمجرد ان يستمر ضيفا دائما على موائد الاعلام، وجلسات الثرثرة الليلية، وليس ممن قالوا «لا» في وجه من قالوا «نعم» صلاح ليس كل هذا، صلاح هو طبيعي الذي سار بمسار طبيعي فحقق ما ليس طبيعيا ليترك السؤال يجول في اذهاننا «ليه لا»؟
في فيلم (العالمي) 2009، الذي تناول فكرة اللاعب المصري المحترف وحاول عرضها بشكل سينمائي فيه التدرج الطبيعي من اللعب في الشارع، ثم الساحة الشعبية، ثم النادي الصغير، ثم الشهرة، وفي مشهد كان يحاول فيه الكابتن شيكو اقناع عم احمد بان يترك مالك ابنه يسلك مسار الكرة في الحياة فحاول اغرائه باقصى ما شطح اليه خياله حينها قائلا: ومين عارف مش يمكن ربنا يكرمه ويبقى نجم عالمي كده زي الكابتن هاني رمزي ويحترف بره».
في زمن تحولت فيه هذه الكلمات مبتذلة، ومستهلكه، وفاقدة لمعناها، استطاع صلاح- منفردا- ان ينفخ الروح من جديد في كلمة (معجزة).

* كاتب وباحث مصري
* مجلة الاهرام الديمقراطية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة