تمثل المنافذ الحدودية سواء البرية منها او البحرية او الجوية ، رمزا سياديا للدولة ، لذلك تسعى كل دول العالم إلى ان تكون منافذها مهابة ومصانة من خلال تطبيق الانظمة والقوانين بنحو لا يسمح بأي حال من الاحوال بحدوث خرق او انتهاك لسيادتها ، كما انها تسعى لتجعل من تلك المنافذ صورة مشرقة للدولة ذاتها ، ويتضح هذا جليا في المطارات والموانئ على اعتبار انها الاكثر حركة سواء للمسافرين او البضائع ، ثم تأتي بعد ذلك المنافذ البرية ، وهي كذلك تحظى باهتمام الحكومات من خلال توفير كل متطلبات نجاح العمل فيها .
وفي العراق تسعى الحكومة باستمرار إلى تحسين واقع المنافذ الحدودية على الرغم من صعوبة الظروف التي واجهها البلد في السنوات السابقة ، ولكن ، دائما ثمة مشكلات وتحديات تكتنف العمل في تلك المنافذ ، ما اضطر الحكومة إلى استحداث هيأة تعنى بإدارتها .. وإذ ما بدأت الهيئة عملها اصطدمت بواقع صعب وخصوصا في المنافذ البحرية لان النسبة الاكبر من الاستيراد تأتي عبر البحار ،… واحدة من المشكلات التي واجهت هيئة المنافذ الحدودية وهي تسعى لتطبيق القوانين النافذة التي تتعلق بالجمارك والفحص وإجازة الاستيراد وحماية المنتج المحلي ، ومثل هذه القوانين مطبقة في جميع دول العالم بصرامة ، لان التماهل في تطبيقها سيعرض البلاد والعباد لمخاطر اقتصادية وصحية وبيئية جسيمة .. الخ .. فعندما قررت الهيئة فرض هذه القوانين وهو من صميم عملها ، وإلا عٌدت متهاونة ، ووجهت بضجيج هائل و(ثورة) عارمة من قبل بعض التجار الذين يرفضون الانصياع لهذه القوانين تحت ذرائع شتى ، ما يؤشر ان هؤلاء التجار كانوا في فترات سابقة يستوردون ما يشاؤون وكيفما يشاؤون من دون حسيب او رقيب ، وبالتأكيد ان لأذرع الفساد هناك الدور الاكبر في تشجيع مثل هؤلاء ، وبعضهم يتحدث من دون حرج او خشية ، انه ومن اجل تمرير بضاعته قبل زميله الاخر مستعد ان يتعامل حتى مع الشيطان !! ، وبدأنا نسمع قصصا وحكايات لا تمت للواقع بصلة ، الامر الذي ادى إلى احداث حالة من القلق في الشارع العراقي خشية ارتفاع الاسعار بنحو جنوني ..
صحيح ان الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها هيئة المنافذ في الاول من ايار الماضي تسببت بتأخير عدد من الشحنات لأنها غير متوافرة على الشروط المطلوبة ، ولكن حتى هذه المشكلة عولجت من خلال التمديد للتجار لغاية نهاية شهر تموز لتكييف اوضاعهم ، إلا ان بعضهم مازال يرفض مثل هذه الاجراءات التي هي في نهاية المطاف فيها مصلحة للتاجر قبل غيره .. فلو دخلت شحنة غذاء فاسدة ولنفترض تتكون من 10 اطنان من الدجاج ، اي انها تساوي 10 آلاف كيلو غرام ، وإذا افترضنا جدلا ان كل اسرة ستشتري 3 كليلو غرامات من هذا الدجاج ، فان اكثر من 3 آلاف اسرة ستتعرض للخطر بسبب فساد هذه الشحنة وقد تكون اسرة التاجر المستورد من بين هذه الاسر .. فهل من المنطق ان يقبل احد بمرور مثل هذه الشحنات من دون فحص لضمان سلامتها في الاقل ؟ ، ناهيكم عن ان مرور البضائع عبر الحدود لا يختلف ابدا عن مرور الاشخاص ، فهل تسمح اي دولة في العالم لشخص مهما كان مركزه بعبور اراضيها من دون تأشيرة دخول وما يرتبط بتلك التأشيرة من اجراءات امنية وصحية ؟ ..
علينا ان لا نصغي للضجيج ، فالكثير منه يهدف إلى تغطية افعال وممارسات غير صحيحة ، .. انما المطلوب الاصغاء إلى مصلحة البلد ، والتاجر هو جزء من هذا البلد ، والمنافذ البحرية تحتاج إلى وقفة قوية لفرض القانون فيها .. نحتاج إلى رؤية واضحة تشترك فيها جميع الجهات التي تمارس دورا في المنافذ الحدودية (السيطرة النوعية – الكمارك – الصحة – التجارة – الزراعة- الداخلية) لكي لا تحدث حالة من التقاطع او التضارب في تطبيق القوانين ، من خلال تشكيل غرفة عمليات مشتركة تعمل على معالجة المشكلات والإشكالات التي تحدث هناك .. وقبل ذلك كله يجب تقليم اظفار الفساد ، لان الفاسدين هم من يثير كل هذا الضجيج في المنافذ الحدودية
عبد الزهرة محمد الهنداوي
ضجيج المنافذ !
التعليقات مغلقة