الأطفال الرهائن لدى ترامب

إليزابيث درو

واشنطن- قام الرئيس دونالد ترامب، بنحوٍ مفاجئ ومن دون تفكير أو تخطيط، وهذا في الأساس أسلوب عمله، بالموافقة على سياسة فصل الأطفال المهاجرين عن والديهم عند وصولهم – العديد منهم فروا من العنف في أمريكا الوسطى – إلى الحدود الجنوبية مع المكسيك. وبعد التراجع عن هذا القرار، خلق ترامب مشاكل أكثر لنفسه.
هناك نقاش كبير يدور حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تعاني فعليًا من «أزمة» الهجرة. لكن ترامب يعاني من أزمة خاصة: فبالنسبة إلى الجميع باستثناء أتباعه المخلصين، فقد ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك. إن قصص الأطفال الذين انفصلوا عن أمهاتهم، والتسجيلات التي تظهر بكاء ونحيب الأطفال الصغار، والصور التي أطلقتها الحكومة عن أولاد محتجزين في أقفاص سلكية (لم يُسمح للمراقبين بعد برؤية الأطفال الصغار أو الفتيات الأكبر سناً في الأسر): كل هذا يوضح الكثير للشعب.
لقد أصيب الجمهوريون المتشائمون بالذعر، وأخبروا ترامب وفريقه أن من شأن سياسته المتمثلة في فصل الأطفال عن ذويهم أن تدمر فرصهم في الفوز بانتخابات منتصف المدة في تشرين الثاني/ نوفمبر. في الواقع، كان من شأن سياسة فصل العائلات أن توقع بين ترامب وأتباعه الإنجيليين. لقد كانوا مستعدين للتغاضي عن الأدلة حول فضائح ترامب الجنسية أثناء زواجه من السيدة الأولى ميلانيا (بما في ذلك دفع أموال كثيرة لممثلة إباحية وآخرون من أجل عدم كشف أي معلومات)، في مقابل التأثير السياسي وتعيينات المحافظين الاجتماعيين في المحكمة العليا والقضاء الاتحادي. وعلى غير عادتها، عارضت السيدة الأولى السابقة لورا بوش سياسة فصل الأطفال عن أمهاتهم.
إن إحدى المشاكل التي يواجهها ترامب تكمن في هوسه باستعراض قوته. وفي حين ينبغي للشخص القوي الاعتراف بخطئه وتغيير مساره، فإن «الرئيس المتكبر» للولايات المتحدة يقاوم الاعتراف بأي خطأ. لذلك، ألقى ترامب وحلفاؤه تعاليم من المراوغات والحجج: فقد كانوا ببساطة ينفذون القانون ولم يتبنوا سياسة جديدة.
كانت هذه مشكلة من فعل ترامب. في 7 مايو / أيار، أعلن المدعي العام جيف سيسيز على الحدود في تكساس، سياسة جديدة عن «عدم التسامح» بشأن عبور الحدود بشكل غير قانوني: وقال «إن أي شخص يُشتبه في عبوره الحدود بطريقة غير قانونية سيُحتجز ويعرض للمحاكمة». (لا مزيد من «الأسر والإفراج» أو الوثوق بالمهاجرين غير الشرعيين للعودة للمحاكمة). لن يتم احتجاز الأطفال الصغار معهم؛ سيتم الاحتفاظ بهم بشكل منفصل، وهي الخطوة التي اعتبرها جيف سيشنز رادعا للمهاجرين المحتملين الآخرين.
وعندما بدأت موجة الاعتراضات في التصاعد، ألقى ترامب وسيشنز باللوم على الديمقراطيين بسبب قوانينهم. عندما فشلت هذه الحجة (الزائفة) في اكتساب قوة، زعم ترامب أنه لا يمكن حل المشكلة إلا بالتشريع، على الرغم من أن الديمقراطيين والسناتور الجمهوري ليندسي غراهام أكدوا أنه بإمكان الرئيس حلها «من خلال إجراء مكالمة هاتفية».
وأخيرًا، دفع خطر الانعكاسات السياسية – يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة – ترامب للتراجع وإصدار أمر تنفيذي باحتجاز الأطفال وذويهم في مكان واحد. خوفا من اعتقاد إدارته أنه قد تساهل بشأن قضية الهجرة، حاول ترامب تغطية تراجعه عن طريق إلقاء خطاب قاس، مشيرا فيه أن المهاجرين غير الشرعيين «سيجتاحون» الولايات المتحدة وأن معظمهم مجرمون.
لكن الآن نواجه مشكلة جديدة: لم تضع الإدارة أي خطط لتوحيد العائلات والأطفال الذين انفصلوا بالفعل، والذين تم إرسالهم إلى الملاجئ ودور التبني في جميع أنحاء أميركا، غالبا بعد منتصف الليل. إن الآباء والأطفال هم تحت رعاية مختلف الوكالات الفيدرالية. وتزعم الحكومة أنه تم جمع حوالي 500 طفل بآبائهم، لكن هذا يترك ما لا يقل عن 2000 طفل بعيدا عن والديه (وفقا للتقديرات الحكومية). ومع ترحيل بعض الآباء والأمهات بينما بقي أطفالهم رهن الاحتجاز، من المحتمل ألا يتم توحيد العديد من هذه العائلات.
واجه الكونغرس الأميركي فترة طويلة من الجمود بسبب سياسة الهجرة. لقد كان التوصل إلى حل وسط بعيد المنال، وباءت الجهود المحدودة بالفشل. وفي كانون الثاني / يناير، تم التوصل إلى حل وسط في مجلس الشيوخ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذي كان من شأنه أن يمول جدار ترامب الحدودي غير الضروري في مقابل السماح للحالمين (الذين تم جلبهم إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني من قبل آبائهم) بأن يصبحوا مواطنين أمريكيين. (كان الرئيس باراك أوباما قد وعد بذلك بموجب أمر تنفيذي، لكن ترامب قد عكس سياسته عندما أصبح رئيسًا). لكن ترامب، الذي فضل التسوية في البداية، تراجع عن ذلك تحت ضغط من ستيفن ميلر، مستشار الهجرة لديه، (والذي كان مساعد سيشنز في مجلس الشيوخ)، ورئيس هيئة الأركان الجنرال جون كيلي.
ولكن إلى أي مدى تواجه الولايات المتحدة «أزمة الحدود»؟ لقد كان معدل الهجرة غير القانونية منخفضا بشكل عام في السنوات الأخيرة، وقد بدأ بالارتفاع منذ عام 2014 لعدة أسباب. يسعى الكثيرون إلى مستقبل اقتصادي أكثر تفاؤلاً. كما يفر الكثيرون من عنف العصابات، وقد فرت بعض النساء من العنف المنزلي. معظم هؤلاء الأشخاص كانوا يلتمسون اللجوء، وقد حاولت إدارة ترامب منعهم. لقد أصبحت إمكانيات اللجوء، بشكل متعمد جزئيا، ضئيلة للغاية، حيث أجبر العديد من المهاجرين المحتملين على دخول الولايات المتحدة بطرق غير قانونية.
قد يندم ترامب على إصدار أمر تنفيذي يعكس سياسته الخاصة. وربما لا يجب أن تكون هناك إجراءات قانونية للمهاجرين غير الشرعيين، على حد تعبيره، ويجب إعادتهم دون أن تتاح لهم الفرصة لإثبات حقهم في طلب اللجوء. (من المحتمل أن يبقى هذا الاقتراح مجرد كلام، نظرا إلى عدم دستوريته الصارخة).
وقد أوقفت دورية الحدود الأمريكية الآن احتجاز المهاجرين، لأنها لم تعد هناك مساحة كافية لإيوائهم. وبغض النظر عن تفضيلاتها، عادت إدارة ترامب إلى سياسة «الأَسر والإفراج».
تكمن أحد أهم أسباب هذه الفوضى والمأساة في اعتقاد ترامب أن موقفه المناهض للهجرة، والذي بدأ من خلاله حملته الرئاسية في يونيو / حزيران 2015، هو الذي جعله يحقق النصر. وهو يراهن على أن قضية مكافحة الهجرة ستكون مفيدة للجمهوريين في نوفمبر/ تشرين الثاني، ولطموحاته السياسية الخاصة. قد يكون محقا في ذلك.

إليزابيث درو هي محرّرة مشاركة في «ذا نيو ريبابليك» ومؤلفة «صحيفة واشنطن: الإبلاغ عن ووترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».
حقوق النشر: بروجكت سنديكيت، 2018.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة