سايمون هندرسون
يبدو أن الأزمة الإنسانية القادمة التي يشهدها العالم قد أرجئت – لكن ربما لأسبوع واحد فقط أو نحو ذلك. فقد انخفض مستوى القتال بصورة مؤقتة في مدينة الحديدة المرفئية اليمنية. كما تلتزم قوات الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تقودها وتدعمها الإمارات العربية المتحدة، بـ»تمهلٍ» أحادي الجانب في وتيرة تقدمها في الميناء الإستراتيجي الذي يمر عبره الجزء الأكبر من واردات المواد الغذائية الحيوية إلى اليمن.
ومنذ 23 حزيران/ يونيو، تمنح الإمارات المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث فرصة لإحلال السلام. وقد تمّ إبلاغ الحكومات الأجنبية بأن «توقف القتال» سيستمر لمدة تتراوح بين «سبعة إلى عشرة أيام»، أي حتى 30 حزيران/يونيو أو 3 تموز/ يوليو. وحتى الآن، لم يتمّ إحراز أي تقدم. فالإمارات تصر على تخلي رجال القبائل الحوثيين عن الحديدة – وهم الذين استولوا على السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014. أما الحوثيون، المدعومون من إيران، فلا يظهرون أي استعداد للقيام بذلك.
إن رفاهية [وسلامة] حوالي 20 مليون نسمة على المحك – ويشكل هؤلاء الغالبية العظمى من سكان اليمن الذين يعيشون في الجزء الخاضع لسيطرة الحوثيين من البلاد. فمعظمهم يعتمدون على واردات المواد الغذائية، إن لم يكن على المساعدات الإنسانية. وقد حذرت وكالات الإغاثة من أن ما يصل إلى 250 ألف شخص قد يواجهون شبح المجاعة إذا ما تفاقمت الأزمة.
وتشير أحدث التقارير من خط المواجهة إلى تأزم الوضع. وتواصل القوات التي تقودها الإمارات السيطرة على مطار الحديدة على مشارف المدينة، لكنها تواجه المقاتلين الحوثيين المتحصنين في الضواحي المجاورة. وبالتالي فإن «توقف القتال» لا يعني «وقف إطلاق النار».
ووفقاً لتقرير مصوّر نشره مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «لندن تايمز»، رأى المسؤولون الإماراتيون في بداية الأمر أن عملية الحديدة ستستمر ستة أسابيع. غير أن عملية السيطرة على المطار استغرقت أسبوعاً، مما يعني أن هناك خمسة أسابيع أخرى، وقد تمّ إرجاؤها حالياً بسبب توقف القتال. ويتمثل التحدي الذي تواجهه الإمارات – بافتراض أن الحوثيين لن يقدّموا تنازلات – في التقدم من مراكزها الحالية إلى الجنوب من ميناء البحر الأحمر، سواء للسيطرة على مرفأ الحديدة الذي يقع في الجزء الشمالي من المدينة، أو لقطع الطريق البري نحو العاصمة.
وغالباً ما تكون الحقيقة مختلفة عن التصور الذاتي. فالجيش الإماراتي يستمتع بالوصف الذي أطلقه جيمس ماتيس على دولة الإمارات قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة حيث لقبها «بسبارتا الصغيرة». ومن شأن تصنيف معاصر أن يمنح جيش الإمارات مستوى أكثر دقة من الكفاءة، رغم أنه لا يزال أفضل من أداء الجيش السعودي، حلفاء الإمارات في اليمن. ونظرياً، تواجه القوات الحوثية تحالفاً «بقيادة السعودية»، على الرغم من أن القوات السعودية غائبة على ما يبدو عن العملية الحالية باستثناء تنفيذها لبعض الضربات الجوية المشكوك بدقتها.
ولا يبدو أننا على أعتاب أي حل للأزمة اليمنية. فعادةً، يُنظر إلى رجال القبائل الحوثيين على أنه بالإمكان قطع روابطهم بإيران، لكن هذه النظرية لا تنطبق هذه المرة. فيبدو أن الإمارات والسعودية تصرّان على مطلبهما القاضي بإرغام الحوثيين على الخروج من العاصمة والعودة إلى معقلهم التقليدي في صعدة في التلال شمالي البلاد.
وفي غضون ذلك، لا يزال البُعد الإيراني يلوح في الأفق. فيوم الأحد الماضي، أعلنت السعودية أنّ صاروخين إضافيين استهدفا عاصمتها الرياض وتمّ إطلاقهما من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. وكان الصاروخان إما إيرانيي الصنع أو من الترسانة اليمنية من الصواريخ التي أجرت عليها إيران بعض التغييرات واستولى عليها الحوثيون عندما سيطروا على صنعاء للمرة الأولى. وفي كلتا الحالتين، لا ينبئ الأمر بالخير، رغم أن الحكومات التي تتعقب مثل هذه الأحداث، وتتمتع بالقدرات للقيام بذلك، تقول إنّه في الواقع ربما جرى إطلاق صاروخ واحد فقط. وقد تكون المفرقعات النارية المصورة في هذا الحدث، وحطام الصاروخ الذي سقط في حي دبلوماسي في العاصمة السعودية هما نتيجة إطلاق صواريخ من بطاريات «باتريوت» المضادة للصواريخ التي وفرتها الولايات المتحدة وسقطت على الأرض. (يذكر أن البروتوكول الأمريكي ينص على إطلاق صاروخين من نوع «باتريوت» لاعتراض كل صاروخ قادم. لكن يبدو أن السعوديين أطلقوا خمسة صواريخ من هذا الطراز).
إلى أين تتجه حرب اليمن؟ وما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله لحلها؟ لقد بدأت الأزمة على شكل مواجهة إقليمية، نتيحة تدخل السعودية الذي اعتُبر متهوراً. وقد اصبحت الآن «عاصفة كاملة» تضم الخصوم الإقليميين السعودية والإمارات وإيران. فالأطراف غير اليمنية تريد هزيمة و/أو إذلال خصومها.
ولمخاوف واشنطن بعدان. فالكونغرس الأمريكي قلق بشأن الذخيرة الأمريكية التي تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين. وإدارة ترامب تريد دعم حليفيها السعودية والإمارات، اللذين يعتبران مفيدين – وحتى أساسيين – لجوانب أخرى من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتضم النهاية المطلقة لهذه الأزمة عدة مكونات مهمة، هي: ضمان أمن حدود الدول الواقعة جنوبي غربي شبه الجزيرة العربية، ونهاية التدخل الإيراني، وانحسار ملحوظ للمخاوف بشأن الوضع الإنساني. ويتولى المبعوث الخاص للأمم المتحدة غريفيث زمام الأمور في محاولة لتضييق الخلافات، لكن لا يجب أن نحبس أنفاسنا ونتأمل أن ينجح في مهمته في أي وقت قريب.
سايمون هندرسون زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.