هل تنجح روسيا في تبديل الموقف المصري من الغرب؟

آنا بورشفسكايا

في شهر آب/أغسطس 2017، استأنفت القوات الاميركية والمصرية «مناورات النجم الساطع» بعد انقطاعٍ دام ثمانية أعوام بسبب «الربيع العربي» من جهة وغضب الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما من انتهاكات مصر لحقوق الإنسان من جهة أخرى. وهذه المناورات هي عبارة عن تمارين عسكرية تقام مرة كل سنتين لاستعراض التحالف السياسي بين واشنطن والقاهرة والعلاقات العسكرية الوثيقة بين البلدين. وقد جاءت المناورات الأخيرة لتكلل فترة انسجام ووئام جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر والتي استُهلّت مع انتخاب الرئيس ترامب واستمرّت مع زيارة رسمية قام بها الرئيس المصري إلى واشنطن والإفراج عن عاملة الإغاثة الاميركية آية حجازي بعد فترة طويلة على سجنها.
ولكن هل تستمر هذه العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة ومصر؟ وإذا ما تدهورت هذه العلاقات على خلفية العقوبات التي فرضها الكونغرس الاميركي بسبب انتهاكات مصر لحقوق الإنسان من جهة والإهمال البسيط من جهة أخرى، فهل يمكن أن تكون روسيا مستعدة لقلب الموقف المصري؟ بينما لا يمكن أن يتصور الدبلوماسيون حدوث مثل هذا الأمر على الأرجح، وهم الذين اعتبروا توجّه مصر نحو الغرب من المسلّمات على مدى جيل كامل، فإن الجواب على السؤال الأخير إيجابيٌ للأسف.
طوال فترة الحرب الباردة، عدت مصر أشبه بجائزة مهمة يستحيل صرف النظر عنها. ومثالٌ على ذلك هو أن الرئيس آيزنهاور لم يتصدَّ لإسرائيل فحسب، بل لدولتين حليفتين في «منظمة حلف شمال الأطلسي» أيضاً هما فرنسا وبريطانيا العظمى عند إقدامهما على اجتياح مصر من أجل إبطال عملية تأميم قناة السويس في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر. ومع ذلك، فقد انضمّت مصر إلى المحور السوفيتي وقامت بإرسال طيّاريها للتدرّب في روسيا إلى أن تكللت العلاقة بـ «معاهدة صداقة» في عهد الرئيس أنور السادات، خلف عبد الناصر. لكن الدبلوماسية الاميركية الحكيمة تمكنت من إعادة مصر إلى صف أميركا حيث بقيت ركناً أساسياً لسياسة الأمن الإقليمي لدى الولايات المتحدة، خاصة بعد اتفاقية السلام التي أبرمت بين مصر وإسرائيل في «كامب ديفيد».
ولكن في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إزاحة النفوذ الاميركي في الشرق الأوسط والارتقاء بمكانة روسيا كقوة عظمى، أصبحت القاهرة تزداد أهمية بالنسبة لموسكو. على سبيل المثال، وافق بوتين على استئناف الرحلات الجوية الروسية إلى مصر بعد أن تم تعليقها في العام نفسه بعد الهجوم الإرهابي الذي أسقط طائرة ركاب روسية في رحلة جماعية أسفر عن مقتل أكثر من مائتَي سائح روسي. وتأتي هذه الخطوة في الوقت نفسه الذي قامت فيه «لجنة المخصصات التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي» بتعليق مساعدات لمصر بقيمة 300 مليون دولار إلى حين دفع مصر تعويضاً لمواطن أميركي أصيب بجراح عندما أطلق الجيش المصري النار على مجموعة من السياح بالقرب من الحدود الليبية.
وتعود أهمية هذا الأمر إلى اعتماد الاقتصاد المصري بشكل كبير على السياحة ولأن روسيا تُعد منذ سنين طويلة المصدر الوحيد الأكثر أهمية للسياح الوافدين إلى مصر. ففي عام 2010، على سبيل المثال، أي قبل «الربيع العربي»، أدخلت السياحة على الاقتصاد المصري عائدات ناهزت الـ 13 مليار دولار. وهناك فوائد غير مباشرة لا تعد ولا تحصى لا تعكسها الحسابات الرسمية، من بينها الأموال التي ينفقها السياح في الشارع، والتي لها جميعاً أثراً إيجابياً كبيراً على الأسر المصرية. أضف إلى ذلك أن عودة السياح الروس يساعد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي على مقاومة المطالب الصارمة لـ «صندوق النقد الدولي» بإجراء إصلاحات في مصر. أما موسكو فلها غايات خفية من الشراكات الاقتصادية. على سبيل المثال، ضمنت الاتفاقية التي أبرمت في 23 أيار/مايو لإنشاء منطقة تجارة صناعية في بور سعيد، المصالح السياسية الروسية على كلا جانبَي قناة السويس.
فضلاً عن ذلك، يعمل الرئيس الروسي على رعاية مصر بأساليب أخرى. ففي كانون الأول/ديسمبر 2017، اتفق بوتين والسيسي على صفقة بقيمة 30 مليار دولار تقوم روسيا بموجبها ببناء محطة للطاقة النووية في مصر. وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر بدء عملية البناء بحلول الذكرى العاشرة لقرار أوباما بالتخلي عن الشراكة النووية بين الولايات المتحدة ومصر والتي كانت قد بدأت خلال إدارة جورج دبليو بوش.
إلى جانب ذلك، تتطلع القاهرة إلى موسكو بشكل متزايد من أجل التعاون العسكري والحصول على الأسلحة، وهذان أمران يحتاجهما الجيش المصري أمسّ الحاجة – سواء عن حق أم عن غير حق – في حربه ضد المتمردين المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال سيناء. وفي حين غالباً ما يوقف الكونغرس الاميركي شحنات الأسلحة لدواعٍ متعلقة بحقوق الإنسان، إلّا أنّ روسيا لا تنتابها أي هواجس مماثلة، كما أن بوتين لا يحظر بيع الأسلحة إلى أطراف ثانية، كما تفعل مصر أحياناً لدعم الأطراف المقاتلة بالوكالة عنها في الصراع الليبي المستمر. وأخيراً، أجرى البلدان تدريبات بحرية مشتركة وتمارين عسكرية أوسع نطاقاً، وفي آذار/مارس 2017، نشرت موسكو «قوات خاصة» لمساعدة مصر على الحدود مع ليبيا. وفي ظل هذه الخلفية، لا ينبغي أن يأتي قبول القاهرة للدور الروسي في سوريا بمنزلة مفاجأة لأحد، وهو الأمر بالنسبة لقرارها الأخير بعدم تلبية المطالب الاميركية بإرسال قوات مصرية إلى سوريا.

وفي كثير من الأحيان، يغضّ المحللون الطرف عن التودّد المصري إلى روسيا بوصفه تزلّف هدفه التضليل أو إعطاء انطباع معيّن عن مصر. ولكن هذا الاعتبار خاطئ، إذ توفّر مصر أرضية خصبة لطموحات بوتين. وفي هذا السياق قال خبير الشؤون المصرية في «جامعة تاوسون» روبرت روك الذي درّس عدة سنوات في «الجامعة الاميركية» بالقاهرة: «لقد اعتاد الغرب والولايات المتحدة بشكل عام إلى التقليل من أهمية المشاعر القومية المصرية والنزعة المحافظة المترسخة على الصعيدين الاجتماعي والديني»، مضيفاً أن «لمصر النية التامة بالسير على مسار مستقل عن الولايات المتحدة». أضف إلى ذلك أن المصريين الأكبر سنّاً ينظرون إلى الماضي ويستعيدون الذكريات – وإن لم تكن تلك نظرة دقيقة – بالقدرة الشرائية التي كانوا يملكونها سابقاً عندما كانت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي ومصر وثيقة، لا سيما في ظل الاقتصاد المصري المتداعي حالياً.
لقد اعتاد صناع السياسة الاميركيون ولفترة طويلة وضع استراتيجية الولايات المتحدة تجاه مصر كما لو كانت القاهرة وواشنطن وحدهما على الساحة. ولكنهم لا يرون أن هناك لعبة أكبر بكثير، والمؤسف أن هذا الجهل قد يحرم الولايات المتحدة قريباً من أحد أهم حلفائها العرب.

*آنا بورشفسكايا زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة