«خرجت يوم العيد بملبس الجديد __ اقول للإخوان هيا إلى الدكان» … مازالت تلك الكلمات المغرقة في البساطة والبراءة التي حفظناها عن ظهر قلب ونحن لما نزل صغارًا ، تعشش في تلافيف الذاكرة وتعن في الخاطر كلما حل العيد ، لأعيش معها لحظات البراءة تلك ، براءة كانت محاصرة بشظف العيش وصعوبة الحياة ، وكان جل حلمنا , ان نذهب إلى المراجيح لنمارس لهوًا هو ايضًا بريئا ، ثم نقفل عائدين إلى البيت وأشعة السعادة تسبق خطواتنا بعد ان تلاشت اشعة الشمس في نهاية نهار مفعم بالحيوية والأمل بمراجيح تسعنا كلنا في آن واحد بدلا من الانتظار الطويل !!… تذكرت كلمات قصيدة العيد هذه ، وأنا اشاهد وأتابع بألم وحسرة الحياة العبثية التي يعيشها الشباب بشتى اعمارهم وهم يمارسون لهوا خارج المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع العراقي ، من خلال السلوكيات المنفرة التي طبعت احتفالاتهم بالعيد ، حتى بات من الصعوبة بمكان ان تتمتع العائلات بلحظات جميلة في الحدائق العامة او المجمعات التجارية . وهنا لست بوارد الحديث عن محاصرة الشباب ومنعهم من ممارسة حياتهم على وفق ما يشتهون، فالفرح جميل ومن حق أي انسان ان يفرح ولكن بشرط الفرح وشروطه .. فأمر محزن ان نرى الشباب وهم يمثلون الثروة الاولى للوطن ، يضيعون في دروب الحياة من دون ان نأخذ بأيديهم ، فهم يمثلون الشريحة الاكبر من بين الشرائح العمرية للسكان فنسبتهم اليوم تقترب من 60% ، وعندما نصل إلى هذه العتبة المئوية فإننا سنكون قد دخلنا في ما يعرف «بالهبة او النافذة الديموغرافية» التي يكون فيها المجتمع فتيا لان الشباب يمثلون النسبة الاكبر من السكان … وفي ظل هذه التداعيات والميوعة المفرطة ! والأزياء الغريبة التي يرتديها الشباب ، راح البعض يتحدث عن ضرورة اللجوء إلى اجراءات صارمة ، تعيد للشباب رشدهم ، ومن بين تلك الاجراءات ، الدعوة إلى اعادة التجنيد الاجباري ، معتقدين ان مثل هذا الاجراء من الممكن ان يحدث صدمة عنيفة للشاب تعيده إلى التعامل مع بيئته بواقعية بعيدا عن العبثية ، .. ولكن اعتقد ان مثل هذا الطرح لن يكون ذا جدوى لاسيما بعد الانفتاح الكبير الذي شهده العراق ، وليس من السهولة بمكان اعتماد مثل هذه الاجراءات لأنها عند ذاك ستتسبب بردود فعل سلبية غير متوقعة ، ما يعني اننا سنكون امام الكثير من الضياع ، والكثير من الهجرة ..
اذن ، لماذا وصل حال الشباب إلى ما وصل اليه ، وما هي المعالجات التي يمكن اللجوء اليها لإنقاذهم مما هم فيه ، مع الاشارة إلى اننا عندما نتحدث عن الشباب ، فان الحديث ليس مطلقا ، ولكن ربما يعني النسبة الاكبر من هؤلاء الذين يعيشون في البيئة نفسها ويواجهون المشكلات والتحديات ذاتها.
ولنبدأ اولا من الاسباب التي تقف وراء العبثية الشبابية ، وفي مقدمة هذه الاسباب تشخص مشكلة البطالة ، فغالبية الشباب من الخريجين وغيرهم يبحثون عن فرص عمل تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية ، وباتت فرصة الحصول على عمل بمنزلة الحلم الذي يراودهم مع تضخم الجسد الحكومي ، وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب هذه الايدي العاملة .. وثمة سبب آخر يتمثل بالصدمة التي يعيشها الشباب نتيجة التداخل المرعب واللوثة التي طبعت الكثير من المفاصل في المشهد العراقي ما ادى إلى تلوث الرمز الذي يمكن ان يكون عاملا يسهم في تنظيم حياة الشباب ، والرمز هنا لا يقتصر على مسار بعينه ، انما يشمل الاب و رجل الدين وشيخ العشيرة والسياسي والمثقف ، او بمعنى آخر غياب القدوة الحسنة التي يمكن ان تؤثر في سلوكيات الشباب بنحو ايجابي ، وهذا الغياب تسبب في ضرب المنظومة القيمية للمجتمع التي تعد بمنزلة صمام الامان الذي يحمي الجميع من الضياع وفي المقدمة الشباب بطبيعية الحال ، .. ثم يأتي سبب اخر يتمثل بالإخفاقات التي يواجهها الوطن في جميع المجالات الحياتية ، ما ادى إلى خلق شعور لدى الشباب باللا انتماء لهذا الوطن ، .. كل هذه الاسباب مجتمعة وغيرها تسببت بهذه النتائج الوخيمة التي يعاني منها شبابنا اليوم ، لذلك اقول ان الجميع معني بمعالجة هذا الواقع المر الذي وصلنا اليه والذي ينذر بمستقبل غير متوازن .. ولهذا فان الحلول والمعالجات يجب ان تنطلق من الواقع وهي تكمن في الدرجة الاساس بتوفير فرص عمل تحفظ للشباب كرامتهم ، وهذه كفيلة بمعالجة اغلب المشكلات الاخرى .. العمل مفتاح الامل والطريق نحو الحل الامثل .
عبدالزهرة محمد الهنداوي
شباب العيد !
التعليقات مغلقة