سلام مكي
لا أحد ينكر وجود خروقات ومخالفات بل وحتى جرائم تزوير رافقت العملية الانتخابية التي جرت مؤخرا لاختيار مجلس نواب جديد، وان المشرع، افترض حدوث تلك الحالات، لذلك تم وضع آليات قانونية لمعالجة تلك الخروقات، من خلال ما نص عليه قانون مفوضية الانتخابات. المشرع افترض ان تلك الآليات كفيلة بأن تعالج جميع الخروقات والجرائم التي ترفق العملية الانتخابية، وهذا الافتراض يتم اثباته من خلال التطبيقات العملية والقضائية لها. ما حدث هو ان مجلس النواب الحالي، وبناء على قرارات مجلس الوزراء الأخيرة بخصوص الانتخابات، أصدر قانونا جديدا وهو قانون التعديل الثالث لمجلس النواب، أبرز ما جاء في ذلك القانون، هو الغاء نتائج الانتخابات، من خلال إعادة العد والفرز بطريقة العد اليدوي، بعد ان ثبت فشل العد والفرز بواسطة الأجهزة الإلكترونية، اما التعديل الآخر فهو استبدال أعضاء مجلس المفوضين بقضاة يتم انتدابهم من قبل مجلس القضاء الأعلى. وهذا يعني اعتراف المشرع بفشل تلك الآليات، في معالجة الخروقات، ولكن المشكلة انه لم يتم تطبيق نصوصها حتى يتم الحكم عليها! حيث ان البرلمان صوت على القانون الجديد، قبل ان تباشر المفوضية بالنظر في الطعون والشكاوى المقدمة من قبل المتضررين من الكتل السياسية والمرشحين. اما بخصوص حالات التزوير التي شهدتها العملية الانتخابية، فبداية، نأتي الى مفهوم التزوير في القانون، فقد ورد في المادة 286 من قانون العقوبات تعريف التزوير على انه: هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او أي محرر آخر بإحدى الطرق المادية والمعنوية التي بينها القانون، تغييرا من شأنه احداث ضرر بالمصلحة العامة او بشخص من الأشخاص. وحيث ان نص هذه المادة ينطبق تماما في حالة تم تزوير ورقة الاقتراع، خصوصا وان القصد منه هو تغيير الحقيقة المتمثلة بانتخاب مرشح معين ويقوم المزور بتغيير اسم المرشح. كذلك في حالة ملء أوراق فارغة ووضع أسماء مرشحين لم ينتخبهم احد فهذا أيضا يعتبر تزويرا. مجلس القضاء الأعلى لفت النظر من خلال بيانه الأخير الى مسألة مهمة وهي ان من حق الذي يدعي وجود تزوير مراجعة محكمة التحقيق المختصة لتقديم الادلة التي تثبت وجود التزوير ونسبته الى من قام به وعند ذلك يتخذ القضاء القرار المناسب بحق من ارتكب جريمة التزوير وفق احكام قانون العقوبات التي تعاقب اما بالسجن او الحبس بحق من ارتكب هذه الجريمة. كما ان المادة الثامنة من قانون المفوضية نصت: يتمتع المجلس بسلطة حصرية فيما يتعلق بالتنفيذ المدني لإجراءاته وأنظمته ويجب على المجلس إن يحيل أية قضية جنائية إلى السلطات المختصة إذا وجد دليلا على سوء تصرف بنزاهة العملية الانتخابية. والمقصود بالقضية الجنائية هنا هو التزوير، حيث ألزم القانون مجلس المفوضين بإحالة اية قضية تتعلق بتزوير أوراق الاقتراع او أي من مستلزمات الانتخابات والتي من شأنها ان تغير نتائج الانتخابات، وأشار بيان مجلس القضاء الى مسألة مهمة وهي في حالة عدم قيام المجلس بواجبه المتمثل بإحالة حالات التزوير الى القضاء، فيمكن طلب الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم. والتزوير لا يمكن اثباته الا بموجب قرار قضائي مكتسب درجة البتات، فليس من المعقول ان نؤمن بوجود تزوير لمجرد تصريحات صحفية واخبار تتناقلها وسائل اعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي، فإن أي اجراء يتخذ بناء على وجود تزوير، ليس قانونيا، لكون انه يستند الى أساس غير قانوني أصلا. اذ كيف يصار الى الحكم بوجود تزوير ولم تحال اية قضية الى محاكم التحقيق للبت في الادعاء؟
الملاحظ انه لم يتم لحد لحظة تشريع قانون تعديل قانون الانتخابات، اللجوء الى الآليات القانونية التي تنص عليها القوانين ذات العلاقة، ولم يقل أحد من النواب او المختصين بالقانون، انها آليات غير فاعلة ويستلزم تدخل تشريعي لتعديلها او الغائها. فهل ان تجاهل مجلس النواب لتلك الآليات وإصدار قانون يتجاوزها الى آليات جديدة متمثلة بالعد والفرز اليدوي، هو اجراء قانوني سليم؟ هل ان ما قام به مجلس النواب يصب في خانة الدعوة الى تنقية العملية الانتخابية من الشوائب التي رافقتها؟
بين الخاسرين والفائزين
ما يلاحظ في مواقف النواب والكتل السياسية ان هنالك فريقين، احدهما يؤيد إجراءات مجلس النواب وآخر يرفضها، المؤيدون اغلبهم من الذين خسروا في الانتخابات، والرافضون من الفائزين، رغم ان كتلة رئيس الوزراء والتي صوت لصالح التعديل تتضمن نوابا فائزين. ولكن بصورة عامة فإن الاتجاه العام لمواقف الكتل السياسية هو الذهاب الى ما يحقق المصالح الخاصة والضيقة لتلك الكتل وبناء المواقف على أساس هذا الاتجاه، وكل طرف يسند رأيه بالنصوص القانونية والدستورية التي تؤيد ما ذهب اليه. لكن بالنهاية، فإن الرأي الأول والأخير هو للمحكمة الاتحادية التي عليها مسؤولية تطبيق الدستور بشكل سليم، وهو ما سيحدث في الأيام القادمة، خصوصا وان ثمة جهات متعددة قدمت طعونا في التعديل الأخير لقانون الانتخابات، ومنها المفوضية نفسها.
قانون الانتخابات ومبدأ الفصل بين السلطات
يرى بعض المختصين بالقانون، ان التعديل الأخير لقانون الانتخابات، هو خرق لمبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور العراقي، باعتبار ان النص على تكليف مجلس القضاء الأعلى بانتداب قضاة كي يحلوا محل أعضاء مجلس المفوضين ويمارسون الاختصاصات المنصوص عليها في قانون المفوضية، يؤدي الى ان تتولى السلطة القضائية وظيفة تنفيذية في حين ان وظيفتها الأصلية هو تطبيق القانون والقيام بالواجبات المنصوص عليها في قوانين السلطة القضائية. بدءا، علينا معرفة صلاحيات مجلس المفوضين التي نصت عليها المادة 4 من قانون المفوضية، وهي صلاحيات تتمثل بالإشراف على سير عملية العد والفرز إضافة الى المصادقة عليها والإجراءات التي تتعلق بسجلات الناخبين وإعلان النتائج النهائية وغيرها من الصلاحيات. حيث ان عمليات العد والفرز وهي الأهم يقوم بها موظفون مختصون من المفوضية. كما ان تولي قضاة لهذه المهمة، يساهم بمنح مزيد من الثقة للمواطن العراقي بأن الإجراءات ستكون سليمة، خصوصا وان القضاء مازال يحظى بثقة غالبية الشعب العراقي، عكس السلطة السياسية التي فقد الثقة بها. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم انتداب قاض للعمل الإداري، حيث نص القانون 16 لسنة2010 وهو قانون تعويض ممتلكات المتضررين جراء سياسات النظام البائد، اذ ان احد أعضاء اللجنة المركزية قاض من الصنف الأول، وهو أمر يفترض معه ضمان سلامة الإجراءات المتخذة من قبل اللجنة، و الأمر نفسه ينصرف الى عمل المفوضية التي سيكون القضاة أحد أعمدتها الرئيسة.