قوة اللطف والاعتذار

كانت كلمات الاعتذار مثل “العفو” و”آسف” و”اسمح لي” من أكثر الكلمات تداولاً عندما نخطئ في التصرف حيال بعضنا البعض حتى لو كان الخطاً عفوياً كالاصطدام في زحام الطرقات، وكانت مشاعرنا حين نعتذر تأتي تلقائية ودون تكلف بما يدل على مدى احترامنا لأنفسنا وتحملنا المسؤولية الكاملة عن كلماتنا وأفعالنا.
لم نعد نسمع كثيراً هذه الكلمات الجميلة، وهي تتراجع حتى تكاد تختفي من قاموس اللياقة الاجتماعية نتيجة تراجع قيم التحضر والمدنية في العديد من المجتمعات بما في ذلك مجتمعاتنا العربية حيث حلت الفظاظة محل اللطف، والعنف محل الكياسة والحس الايجابي، بل ثمة وقاحة فائضة نواجهها في تعاملاتنا اليومية، والمشكلة، أنها تتفاقم وتتشر في جميع الأوساط، خصوصا في وسط أجيال الشباب الجديد.
اينما نتجه نسمع الكلمات اللاذعة، ونرى تعبيرات الوجه الساخرة، ونصادف سلوكيات ترفع الضغط، وتزيد من افراز الأدرينالين لفرط قسوتها وعدوانيتها.
ودعونا نعترف أن بعض الناس يحمل بذوراً سيئة تنمو على معاناة الآخرين، وتتغذى على آلامهم، لذلك يتصرف كالشياطين، ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون هذا هو القاعدة بل الاستثناء، فعندما يصاب الناس بالأذى، يؤذون الآخرين، لأن الأذى معد كالمرض، وستكون هناك دورة طويلة غير قابلة للكسر من الأشخاص المصابين بجرثومة الإيذاء التي تولد بدورها المزيد من السلبية.
ولكن ماذا لو تراجعنا لثانية واحدة وقررنا أن نسيطر على عقولنا، وأن نتحكم في عواطفنا؟ ماذا لو قررنا الرد على القباحة والقسوة والعدوانية باللطف؟
للأسف، هناك من يعتقد أن اللطف هو علامة على الضعف، ولكن في الحقيقة، اللطف قوة وإن تطلب الكثير من العزم والإرادة، كذلك الاعتذار قوة لأنه يكسبنا الاحترام في عيون الآخرين، ونحن بذلك نعزز علاقاتنا الإنسانية، ونكون قادرين على التفكير في سلوكياتنا، وبذل قصارى جهدنا لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
يجب أن لا نقلل من شأن قوة اللطف والاعتذار، فقد نوقظ المشاعر الايجابية في أولئك الذين تصرفوا بعدوانية فيمتنعون عن ارتكاب المزيد من الأفعال القبيحة والأخطاء المؤذية.
وفي كل الأحوال، لا تكون مواجهة القباحة بالقباحة مغرية أو ذات جدوى لأنها، في كثير من الأحيان، تستنزف طاقاتنا، وتدفع بنا للانجرار إلى معارك لا فوز فيها في النهاية.
اللطف فضيلة، وسلوك لائق، وطريقة مؤكدة لتوليد الطاقة الإيجابية..
واللطف معد أيضاً، وهو يقرب المسافات العاطفية بين الناس، وهذا هو السبب في أننا نحب الذين يتكرمون علينا بلطفهم.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة