عجيب أمر هذه المخلوقات المولعة بالاهازيج والهوسات وعبارات شيخ الجرذان الذي انتشل مذعوراً من جحره الاخير: (شوكت تهتز الشوارب) ويبدو ان هذه الاستعراضات الخاوية تمثل المعادل الموضوعي لمشوار طويل من الذل والهوان، لن تكون نهايته مع الفصل الأخير لمشاهد القتل والذبح والنزوح المليوني وسبي المئات من (حرائر) هذه المستوطنة المستباحة على ايدي حثالات الاقوام والملل الوافدة اليها بمباركة شيوخ وفرسان حقبة العار الوطني الحالية. يعجز المرء عن وصف الحال الذي انحدرنا اليه، بفعل سلسلة التنازلات الفظيعة لنا كجماعات وأفراد عن حقوقنا كباقي البشر الذين اكرمتهم الاقدار بمنظومة القيم والتشريعات الحديثة، او كما يسميه اشقاءنا النيجيريين (البوكو) أي كل ما له علاقة بالحداثة ومتطلبات الحياة الراهنة. ان مشهد نحر الآلاف من الشباب العراقيين ونزوح الملايين من سكان المدن والقصبات العراقية وسقوط المنشآت الستراتيجية وغير القليل من منابع الرزق الريعي (النفط والغاز) بيد عصابات لا يتجاوز عددها سكان ناحية عراقية واحدة، يدعونا لأن لا نكتفي بالقاء غير القليل من (الشوارب والعكل) الى اقرب مكب للنفايات وحسب بل اعادة النظر بكل هذه العقائد والمنظومات القيمية التي اوصلتنا الى ما نحن عليه من خوار وهوان واستعراضات بائسة، اغرت حثالات العالم للقدوم اليه.
بعد كل هذا العار الذي لحق بشعوب وقبائل وملل هذا الوطن المنكوب، يخرج علينا غير القليل من حطام حقبة الهزائم هذه، ليحدثنا عن اسرار قوة (داعش) وعلاقاتها الخفية بالشيطان والامبريالية والصهيونية العالمية، هذا الخطاب البائس بوظائفه التبريرية الساعية لتضليل عيال الله عن فهم المغزى الفعلي لمثل هذه التقيحات المحلية المحظة. فكما قال الشيخ الضاري ذات يوم مترع بالشفافية: (القاعدة منا وبينا) فلا أحد بمقدوره التستر على حقيقة ان داعش هي الحصاد الطبيعي لقرن كامل من الاسلمة والاخونة وسنامها الاعلى خلافة البوكو حرام. هذه الحقيقة التي لا يطيقها سدنة الحقبة الحالية والمستثمرين في حقولها الدسمة، لما تشكله من مخاطر جدية على منافعهم في هذه الدنيا الزائلة. ان مشاهد الذل والعار المتورمة على تضاريسنا الوطنية المستباحة، لا يمكن مواجهتها ووضع حد نهائي لها، من دون انبثاق روح اخرى، متحررة من كل اشكال الاحقاد والكراهة للآخر المختلف، وارادة شجاعة لمد الجسور بين سكان هذا الوطن المنكوب، بعيداً عن كل المعايير الداعشية المعلنة منها والمتسترة. ان مواجهة غزوة مهاجري وانصار ما بعد الحداثة (داعش) لا يمكن ان ننتظره من فصائل داعشية اخرى، بل عبر الضد النوعي لهم جميعاً، ذلك المشروع الذي لم يكتف بجعل الانسان اثمن رأسمال بل امتدت ضفافه لمملكة الحيوان المتحيرة من بضائع مضاربنا الاخيرة..
جمال جصاني