جميلة بلطي عطوي
في شرفة الحنين حضنني الشّوق، سرّحتُ البصر في عالم الملكوت فاهتزّتْ مشاعري .علق النّظر بدرب مثير على حوافّه تمتدّ ساقيتان أولاهما صافية …بلّور شفّاف يشعّ في قعْره الحصى…درر لها بريق يبهر الضّياء والثانية داكنة لا تقدر العين على تبيّن فحواها، ضباب يعشّي الرّؤية …لا شيء غير جعجعة المياه تجرف الأشياء، غثاء كغثاء السّيل…سرقني الفضول فولجتُ ذاك الممرّ، كرعتُ من ساقية الصّفاء رشفات حقنتني قوّة …تقدّمتُ.
وصلتُ أمام بواّبة شاهقة عليها حرّاس شداد، في شيء من الذّهول تساءلتُ لِمَ أنا هنا؟ ومَنْ هؤلاء؟ تراجعتُ خطوة لكنّ الأبواب فُتحتْ لأجدَني أمام حديقة غنّاء، جنّة معروشة،حلمٌ تشتهي الحياة أن يكون واقعا. عند البوّابة هلّل المضيّفون، ورود منثورة،رايات رفرافة والحديقة تعجّ أطفالا في عمر الزّهور…أقواس قزحيّة هنا وهناك،عراجين جمال نسّقتها يد ماهرة…موطن من دنيا العجائب يسرّ النّاظربن.
بين الدهشة والرّهبة تهادى صوت هامس …تعاليْ أيّتها البهيّة، ذا ثوبك ينتظر قدومكِ منذ بداية التّكوين، اِخلعي أثواب البؤس بكِ تليق نمنمة السّهول وزرقة البحر والسّماء. اليوم عيدكِ وهو في حُضن الزّمان أحجية بألف لون ولون، تتبّعي السّدى تكتشفين في كلّ خيط مرحلة،عمرا يسرح في ثنايا الأيّام، أعيادا، نِعما تسرّ العيون.
لا تدعي الحزن يأكل وقتك،إليك بركة السّعادة، تعمّدي …هنا للعيد حكايا، مزامير صادحة، تراتيل من دنيا البدء لا تستكين…هيّا انضمِّي إلى كوكبة النّجوم، ضعِي النّور على رأسك تاجا، امرحِي فدنيا العيد بهجة أزليّة لا تدركها ساقية الغثاء ولا تؤثّر في زهرها العواصف…دنيا تسكب الفرح في القلوب، تطهّرها من الأدران كلّ حين.
نبض القلب وهتف العقل: العيد والحكايا …أمّي تجدّل ضفائري، ترتّب ثوبي، تزرعني بين يديها زنبقة ترتشف عطرها وتسقيها الوجد قراحا، زادا يسعف ثقل السّنين.