مروان المعشّر
بعد أن اتخذ عدد من الدول الخليجية قرارا بمساعدة الأردن في أزمته الاقتصادية، من الضروري تذكر رسالة جلالة الملك الأسبوع الماضي في تشخيصه للأزمة، وهي رسالة واضحة وضوح الشمس: لن يساعدنا أحد إن لم نساعد أنفسنا. من الأهمية بمكان ونحن على أعتاب حكومة جديدة كلنا أمل أن تكون الباب لمرحلة جديدة في بناء الأردن الحديث، أن نستخلص كلنا، ومن المشارب والاتجاهات كافة، العبر المناسبة مما حدث في الأسبوعين الماضيين، حتى تكون أي مساعدات عونا لنا بينما نساعد أنفسنا، بدلا من أن تصبح مدعاة لأن ترجع حليمة لعادتها القديمة، وتبقى الدولة مأسورة بثقافة الاعتماد على الخارج التي تثبت كل يوم عدم إمكان استدامتها.
دولة الرئيس عمر الرزاز يعرف ذلك جيدا، وهو ما يدفعنا جميعا للتفاؤل، ونأمل أيضا أن تدركه أذرع الدولة كافة، من أن الدولة الريعية وأدواتها انتهت الى غير رجعة، وأننا على مشارف مرحلة جديدة إما أن نحسن التعامل معها أو أنها ستجرفنا الى حيث لا نريد.
ساعدنا أنفسنا عندما نزل الناس للشارع في وقفة احتجاجية حضارية سلمية على السياسات السابقة، أظهرت حب الأردنيين لوطنهم وحرصهم عليه، وجعلت من هذه الاحتجاجات ليس غاية عدمية ولكن وسيلة لبناء مستقبل أفضل، وما إن أطلق الرئيس إشارات إيجابية تظهر حرصه على التواصل مع الناس ونيته تقديم خطة متكاملة للتعامل مع الوضع حتى أعطاه الناس ثقتهم، فانسحبوا من الشارع لأنهم يريدون أكل العنب وليس قتل الناطور.
ساعدنا أنفسنا عندما تعاملت الأجهزة الأمنية بشكل مسؤول مع المواطنين، فلم تنظر اليهم وكأنهم أعداء للوطن بل أبناؤه وبناته، فخلقت جوا ساعد كثيرا في التعامل مع الأزمة.
ساعدنا أنفسنا عندما كان خيار جلالة الملك شخصا إصلاحيا نظيف اليد منفتحا على الناس لديه برنامج متكامل سياسي واقتصادي واجتماعي، في إشارة واضحة لنهج جديد يعتمد التشاركية والتواصل واحترام رأي الناس، وفي إشارة واضحة أيضا إلى أن المرحلة المقبلة لن يكتب لها النجاح من دون تغيير طريقة إدارة الدولة بما يضمن مشاركة سياسية كما اقتصادية في صنع القرار.
نساعد أنفسنا إن لم يبق البعض يصر على وضع العصي في دواليب الإصلاح والإصلاحيين وتصوير المسيرة الإصلاحية بأنها عدوة للوطن، وكل يوم يثبت بالوجه القاطع أن أعداء الوطن الحقيقيين هم الفساد والامتيازات على حساب الناس والإقصائية وضعف الإنتاجية والتهرب الضريبي والمحسوبية والواسطة.
نساعد أنفسنا إن اقتنعنا أن المرحلة المقبلة هي مرحلة بناء الأردن الحديث بما يعني ذلك من تطوير مؤسساته وبناء دولة القانون ورفع الإنتاجية والابتعاد عن ثقافة الاعتماد على الآخرين. لقد أطلق جلالة الملك التحدي، فهل نحن مستجيبون؟ وهل مؤسسات الدولة كلها راغبة؟ لن ننجح في الاعتماد على النفس إن لم تتضافر الجهود ونبتعد عن سياسة الاتهامات والاتهامات المضادة، ونعلي شأن الوطن فوق شؤوننا الخاصة.
البوادر الأولية مشجعة، وقد أخذ الرئيس الجديد وقته في التشكيل ما يدل على حرصه على أن يأتي بالشخص المناسب، رجلا كان أم امرأة، في المكان المناسب، وعدم التقيد بالاعتبارات التقليدية ولو أنه ربما يتعرض لضغوط كبيرة للتشبث بتيارات لم تعد صالحة للمرحلة الحالية. لم يتردد الرئيس الجديد، في سابقة لافتة، الحديث عن ضرورة الوصول لعقد اجتماعي جديد، ما يدل على وعيه وبعد نظره. التحدي الكبير الذي يواجه الرئيس هو في توظيف الدعم الكبير الذي يأخذه اليوم من جلالة الملك ومن الشارع للتأسيس لعقد اجتماعي ونهج جديدين يفخر أبناء وبنات الأردن بهما ويأخذان البلاد الى بر الأمان.