شهادة إعلامي موصلي حول ليلة سقوط مدينته
نينوى ـ خدر خلات:
الاعلامي والناشط الموصلي احمد الملاح، قدم شهادته حول الايام الاخيرة قبل وفي اثناء سقوط مدينة الموصل بيد عصابات داعش الارهابية، وهو اذ يسرد تلك الاحداث المؤلمة، ينبغي الاشارة الى الاخطاء الكارثية التي سبقت ذلك السقوط المدوي، والذي كلف العراق الاف الشهداء والجرحى وبضعة ملايين من النازحين والمهجرين الذين لم يلتم شمل اكثرهم لحد اليوم.
يقول الملاح “في تلك الأثناء شاهدت مقاتلي العشائر، التابعين لمستشار رئيس الوزراء المالكي “الندى”، بسياراتهم وأسلحتهم يحملون عائلاتهم وحاجاتهم من حي الطيران ليخرجوا هاربين من المدينة، كان ذلك عصر اليوم 9 يونيو، كانت سيارات الدفع الرباعي، نحو ثمانية، تسابق الريح لتخرج من المدينة من دون أن يشارك رجال تلك السيارات في أي اشتباك أو معركة ولا حتى في نقل النازحين من أهالي المدينة. و في العاشرة والنصف مساءً ليلة سقوط الموصل، قنابل الهاون تسقط على مناطق الجانب الأيمن التي ما يزال الجيش العراقي مسيطرًا عليها (الطيران والجوسق والغزلاني) بكثافة، حيث يوجد مقر قيادة العمليات نيوى، مقر فوج الدعم والإسناد، والموصل، ومحكمة مكافحة الإرهاب”.
وبحسب الملاح فان “أهالي المنطقة كانوا يريدون الخروج لينتقلوا للجانب الأيسر، لتجنب القصف الذي استهدف مناطقهم، لكن قوات الجيش التي تغلق مداخل تلك الأحياء تمنع خروجهم، ليعود المواطنون إلى دورهم، تتجاوز الساعة الثانية عشرة ليلًا، يشاهد أهالي تلك المناطق انسحاباً لنقاط الجيش وترك النقاط التي كانت على أبواب المناطق خالية، تحرك أهالي المناطق للمغادرة إلى الجانب الأيسر لتجنب القصف وخوفهم من المجهول”.
واسترسل بالقول “كنت أنا ما أزال بالمنزل، حاولت الاتصال بالمسؤولين المحليين أو الضباط ولكن من دون أي جدوى، اتصل بي أحد الجيران وقال استطعت العبور إلى الجانب الأيسر عبر الجسر، دخلت إلى والدي أخبره أننا يجب أن نغادر، فرفض المغادرة، قلت له نغادر لبيت نسيبنا في الجانب الأيسر لتجنب قنابل الهاون وعند نهاية العمليات العسكرية يمكن أن نعود، اتفقنا على هذا الأمر، لم نحمل معنا سوى الأوراق الثبوتية خوفًا من مواجهة نقاط تفتيش للجيش، وقررنا الخروج بسيارة واحدة وترك الثانية في المنزل لكي نكون معاً لخوفنا من المجهول خلال الخروج”.
وتابع “خرجنا من الأفرع الداخلية للحي لنصل إلى الشارع فنشاهد سيارة نوع همر للجيش العراقي من دون جنود، ونقطة للتفتيش خالية، كانت المدخل والمخرج الوحيد للحي الذي أسكن فيه، توجهنا للجسر الذي يربط جانب المدينة الأيمن بالأيسر لنقف على هول المشهد؛ عشرات الجنود والضباط والشرطة يهربون بسيارات مدنية وعسكرية، حالة من الهلع، موقف يجعلك تقف على حافة الموت لتشاهد الجحيم بعينك”.
ويروي الملاح بعض مشاهداته منها “جندي فوق سيارة نوع همر تحمل سلاح مدفع رشاش يقوم بإطلاق النار بشكل جنوني نحو المجهول لا يعرف هو لماذا! الناس ما تزال تنزح من الجانب الأيمن إلى الأيسر للمدينة، وأنا أنظر للناس تسير ولا تلتفت لصوت المدفع الرشاش الذي يهز الجسر، وتلك الأم الموصلية التي تجر طفلها من دون أن تفكر حتى بالنظر من الذي يطلق النار”.
ومضى بالقول “ألتفت إلى الجهة الثانية، سيارات للشرطة تتوسطها سيارات عليها علامة k9، وهي علامة تدل على الكلاب المدربة التي تستخدمها القوات الأمنية لغرض الكشف عن المتفجرات، اقتربت العربات وكان عددها 3 من جانبي، لتصعقني المشاهدة التالية أن ما بداخل تلك العربات معتقلين بلباس أصفر مقيدين العينين والأيدي، والقوات المرافقة لهم من الشرطة المحلية تطلق النار بشكل جنوني لفتح الطريق لها كي تعبر، سمعت فيما بعد أن هؤلاء المعتقلين تم تصفيتهم ميدانيًا في الجانب الأيسر للمدينة، ولكني لم أشاهد تلك التصفية”.
مبيناً انه “تجاوزنا الجسر الذي يقطع بما لا يزيد على 3 دقائق بـ 30 دقيقة بسبب الزحام الشديد، الذي سببه هرب القطاعات العسكرية وتركهم لسياراتهم على الجسر ليتم دفعها من قِبل الأهالي ليتمكنوا بعدها من العبور”
ويختتم بالقول “عند الجانب الأيسر من المدينة، التي كانت تحت سيطرة فرقة المشاة الثانية من الجيش العراقي، لم نجد جنديًا واحدًا لذلك قررنا بعد الاتصال ببيت نسيبنا الخروج صوب أربيل، لتبدأ رحلة الخروج من المدينة من أمام جامع النبي يونس ذي النُّون – عليه السلام -، لتكون رحلة النزوح القاتلة ولحظة افتراق الجسد عن الروح، تلك الروح التي أبت المغادرة، كنت أنا واحداً من مليون ونصف المليون نازح شاركوني تلك اللحظة وعاشوا معي ذلك الفراق”.