هل تستطيع الأردن تفكيك شبكة عمالقة «الدولة العميقة»؟

شهاب المكاحله*

تواجه الحكومة الأردنية اليوم ردود فعل سلبية شديدة بعد فترة طويلة من الفساد يُطلَق عليها اسم نظام «الدولة العميقة». فينظّم المواطنون تظاهراتٍ ترفض القرارات الفيدرالية بزيادة الضرائب وفرض المزيد من القوانين الصارمة على الشعب، ما سيؤثّر سلبًا على معيشتهم.
استخدمت بعض الشخصيات السياسية، التي خدمت في الحكومة على مدى سنوات عديدة، مصطلح «الدولة العميقة» لوصف الوضع في الأردن لأن اللوم يُلقى على أصحاب النفوذ من ناحية عدم كفاءة الحكومة الحالية وفشلها في تنفيذ وعودها بتحسين الخطط السياسية والاقتصادية الأردنية.
ويشير مصطلح «الدولة العميقة» إلى نسيجٍ من التحالفات والشبكات في الأردن تمتد داخل الحكومة، ويشمل هذا النسيج بعض المسؤولين كأعضاء مجلس النواب والسياسيين ومستشاري الأعمال وغيرهم. ويشكّل الأعضاء شبكةً معقّدةً ومترابطة من المصالح المشتركة في ما بينهم. ومعظمهم لا يعرفون بعضهم البعض لكنّهم يعملون لتحقيق غاية واحدة مشتركة، وهي تطوير مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية التي حصلوا عليها وحمايتها. ويقوم أصحاب النفوذ بأعمالهم حتى ولو عارضت هذه الأعمال الأنظمة والقوانين السائدة في المجتمع، فيمهّدون الطريق لعمل «الدولة العميقة» داخل الأردن إن لم نقل أنها تتخطى الدولة.
ويستفيد عدد كبير من هؤلاء المسؤولين الأردنيين من علاقاتهم القوية مع قادة أعمال آخرين ومسؤولين حكوميين من أجل الحصول على مناصب قيادية لخدمة عائلاتهم بشكلٍ أفضل. وتربط بعضهم علاقات قوية بالسفارات وكبار الشخصيات الأجنبية أيضًا. وقد ساعد هذا النسيج من رجال الأعمال والسياسيين مسؤولي «الدولة العميقة» على تأمين امتيازات وهبات، ليس للبلاد، إنما لأنفسهم.
ولا تشكّل «الدولة العميقة» حالةً طارئة، بل هي حالة ذهنية مرتبطة بممارسات الأردنيين وتجاربهم مع الحكومة. وإن مفهوم الدولة العميقة هو ما يشعر به الأردنيون حيال شفافية نظامهم السياسي وتساوي الفرص أمام المواطنين وعدالة الخدمات في كافة المناطق، وليس في عمّان الغربية فحسب، حيث يُقيم معظم المسؤولين النافذين.
وبالنسبة إلى عدد كبير من الأردنيين، «الدولة العميقة» غير مهمة طالما أن بلدهم آمنٌة. إلا أن المصاعب التي يواجهها الأردنيون والقوانين المفروضة عليهم حوّلت ظروف معيشتهم المستقرة إلى غير آمنة. والسؤال الأهم هو ما إذا ما الأردنيون ينظرون إلى «الدولة العميقة» بطريقة إيجابية تدفعهم إلى الحفاظ على هذا النظام.
وبالنسبة إلى عدد كبير من الأردنيين أيضًا، إن «الدولة العميقة» ليست ممثَّلة بالسلطات الحكومية الثلاث، إنما بأولئك الذين يعملون خلف الكواليس. فهؤلاء هم دعائم «الدولة العميقة» في الأردن الذين يديرون المشهد السياسي. ويدرك الأردنيون الآن أن بعض مسؤولي «الدولة العميقة» لديهم روابط جيدة مع الدول الإقليمية ويتصرفون بشكلٍ فردي. وقد أدّى هؤلاء النافذون دورًا مهما من خلال ممارسة الضغط على الحكومة لإصدار مشاريع قوانين جديدة، مثل «قانون الضرائب» الجديد. فيفرض هذا التشريع الضرائب على جميع الأردنيين فوق سن الثامنة عشر سواء كانوا موظفين أم لا، وذلك لتغطية العجز الهائل في الميزانية، والذي من المتوقع أن يصل إلى 600 مليون دينار أردني (840 مليون دولار) في الميزانية المالية لهذا العام. ورداً على هذا النظام الفاسد، بدأ كبار المسؤولين السابقين في تمهيد الطريق لتغيير هيكل الحكومة ومؤسساتها من خلال الدعوة لقيام دولة مدنية.
ويبذل جلالة ملك الأردن عبد الله الثاني جهده في محاولة تفكيك «الدولة العميقة» من خلال إشراك الناس في العملية، حيث زار الملك مخيمات اللاجئين وشتى المحافظات ودور الأيتام والجامعات من أجل الاستماع إلى مطالب المواطنين ومعالجتها وتلبيتها. وتهدف رحلات الملك المتعددة إلى القبائل والمستشفيات والهيئات والشركات التي تملكها الدولة، فضلًا عن اجتماعاته مع أعيان مختلف المقاطعات الأردنية، إلى إيصال رسالة مفادها أنه برغم أن الأردن محاط ببلدانٍ غير مستقرة تشكّل خطرًا أمنياً على حدوده. وقد أضر إغلاق الحدود مع العراق وسوريا لسنوات عديدة بالاقتصاد الأردني وأثر سلباً على الإيرادات التجارية. وهناك بعض المسؤولين في الدولة العميقة الذين كانوا وراء التوتر في العلاقات مع بعض دول الخليج، ومع سوريا والعراق في مرحلة ما، حيث كانوا يعوقون أي محادثات اقتصادية مع سوريا بسبب أجنداتهم الخفية وبعضهم تسبب في قطع المفاوضات مع العراق لنفس السبب. لذلك، أدّى أصحاب النفوذ في «الدولة العميقة» دورًا كبيرًا في تفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.
وتُظهر الإقالة الأخيرة لبعض المسؤولين الأردنيين أن الملك يمضي قدمًا في عملية معالجة المظالم. وعلى وجه الخصوص، وبعد اندلاع المظاهرات، طلب الملك من هاني الملقي التنحي عن منصبه كرئيس للوزراء. كما أعلن عمر الرزاز، خليفة الملقى، أن مشروع القانون المثير للجدل الذي أثار المظاهرات سوف يتم إلغاؤه. ساعدت «الدولة العميقة» البلاد في الماضي، لكن في الوقت الحالي، استغل الكثيرون من كبار المسؤولين هؤلاء، الراهنين منهم والسابقين، البلاد وأصبحوا يشكّلون عبئًا على المواطنين.
إن تفكيك الذراع المالي «للدولة العميقة» أمرٌ ممكنٌ إنما صعبٌ بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط المسؤولين السياسيين بعمالقة رجال الأعمال، ما يولّد حالةً دائمة من سياسة الدفاع المشترك. وتتمثل الخطوة الأولى لتجريد هؤلاء النافذين من سلطتهم في تحديد العلاقة بين رجال السياسة ورجال الأعمال، ومن ثم إلحاق الهزيمة الفردية بكل من مسؤولي «الدولة العميقة».

* شهاب المكاحله مستشار إعلام وسياسي بارز في الأردن ودولة والإمارات العربية المتحدة، كما عمل كخبير سياسيي وعسكري وأمني في العديد من دول الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة