د. أسعد كاظم شبيب
وقف عدد من أعضاء مجلس النواب في العراق في جلسات استثنائية، حجر عثرة أمام نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 آيار من هذا العام، بدعوى إبطال عمليات التزوير التي رافقت سير العملية الانتخابية، في حالة فريدة من نوعها لم تشهدها الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة برغم الخروقات والاتهامات بالتلاعب في أصوات الناخبين وعمليات التزوير الممنهجة، هناك أستفهامات عديدة تثار عن هدف تحمس أعضاء مجلس النواب الذين ينتمون إلى كتل سياسية مختلفة من إبطال نتائج الانتخابات النيابية وبعد التصويت سابقا على إعتماد جهاز تسريع النتائج الكترونيا، تطالب الكتل ذاتها بعد إجراء الانتخابات بإعادة فرز الأصوات يدويا. هل لخسارة أعضاء مجلس النواب الحالي دور في هذا؟، أم أن حالات التزوير التي رافقت العملية الانتخابية تستدعي إصدار التعليمات مرة والمواد القانونية مرة أخرى لإبطال جزئي أو كلي لنتائج الانتخابات؟، هل سيحدث قرار العد والفرز اليدوي أثر التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 من قبل مجلس النواب تغييراً كبيراً في نتائج الانتخابات المعلنة؟.
من الملاحظ أن الانتخابات النيابية الأخيرة أختلفت فنيا وسياسيا وتشابهت من حيث القواعد القانونية الإجرائية (قانون الانتخاب بنظام سانت ليغو)، فمن الناحية الفنية أخذت المفوضية بمجلس مفوضيها الجدد ما بدأه مجلسها السابق بالنظام الإلكتروني البايومتري في تسريع نتائج الانتخابات بالتعاقد مع شركة من كوريا الجنوبية، ولهذه الخطوة سمتان:
الأولى: السمة الإيجابية
الإنتقال من التصويت والفرز اليدوي التقليدي إلى إعتماد النظام الإلكتروني الجزئي في عملية تسريع النتائج، يعد تقدما للعملية الانتخابية وفق المعايير الدولية، إيجابيات التصويت تتمثل بدقة النتائج، وضمان صوت الناخب، وسرعة إعلان النتائج، ومعرفة كل كيان سياسي عدد منتخبيه، وأصوات مرشحيه مباشرة بعد إنتهاء عملية التصويت في الساعة السادسة مساءا، حيث أن نظام الـ pecos يخرج عدة تقارير مطبوعة تحمل بيانات كاملة عن عدد المصوتين، وأصوات كل كيان سياسي وأصوات المرشحين في كل محطة انتخابية، ويكون تقرير النتائج لكل محطة انتخابية في عهدة ممثلي الكيانات والأحزاب السياسية وهو بمنزلة وثيقة يعرف كل كيان سياسي حجمه الانتخابي وما حصل عليه من مجموع الأصوات الانتخابية من عموم المراكز الانتخابية ضمن الدائرة الانتخابية (محافظة) على اعتبار العراق يتكون من دوائر انتخابية متعددة كل محافظة بمنزلة دائرة انتخابية.
الثانية: السمة السلبية
من الناحية الفنية، رافقت عملية التصويت تعقيدات بعمل جهاز عدة التحقق ومشكلات عديدة منها: البطؤ، وعدم إظهار بصمة الناخب المحدث بايومتريا، وفقدان أسم الناخب في السجل الإلكتروني أثناء إدخال بطاقته الإلكترونية، وبالرغم من هذه المشكلات فأن السمة الإيجابية من الناحية الفنية أثمرت نتائجها من الناحية الإلكترونية على مستوى التصويت العام في المراكز الانتخابية بتحقيق نسبة عالية من الشفافية في ضمان صوت الناخب فضلا عن سرعة إعلان النتائج.
أذن أين مساحة الخروقات والتزوير في العملية الانتخابية؟، من المعروف أن المفوضية لم تطبق النظام الإلكتروني في التصويت الخارج وهو ما جعل عملها عرضة للإتهامات بالتلاعب والتزوير بأصوات الناخبين لصالح هذا المرشح أو ذاك في كتلة معينة، وهذا ما دار فعلا في عدد من المراكز الانتخابية في الخارج، مما أثر سلبيا على مرشحي الدوائر في الداخل وكان السبب الرئيسي الذي أخر إعلان النتائج النهائية عن موعدها المحدد من قبل المفوضية، بعد أن صعدت كفة المرشح (أ) على حساب المرشح (ب) الذي يفوقه بألاف الأصوات على المستوى المحلي في داخل العراق، كما أن هناك ضغوطات مارستها كتل سياسية لصالح صعود مرشح لها في كل دائرة انتخابية (محافظة) بقوة التهديد والسلاح، أما مسألة شراء الأصوات فهي تقع خارج عمل المفوضية وقد لا تتحمل هي مسؤولية ذلك، كما صرح رياض البدارن مدير الدائرة الانتخابية في المفوضية.
من الناحية السياسية، هناك إشارات تقول إلى أن نتائج الانتخابات بقدر ما كانت مفرحة للتحالفات ذات الصبغة الإصلاحية والتي رفعت شعار مكافحة الفساد والقضاء على المحاصصة فأن نتائج الانتخابات كانت محبطة للكتل التقليدية المحافظة المتهمة بالفساد، حيث تراجعت بصورة كبيرة وأسقطت عددا كبيرا من أعضائها النافذين، مما جعل ممثلي هذه الكتل في مجلس النواب لا تريد أن تتقبل الخسارة بسهولة فصارت توظف الخروقات التي رافقت العملية الانتخابية تصويتاً ونتائجاً، فعملت إلى إيجاد تعليمات توجب بموجبها المفوضية بإعادة فرز الأصوات يدويا وإبطال تصويت الخارج وهي تعكف الآن على إصدار قانون قد يؤدي إلى إعادة الانتخابات من جديد إذا لم تعمل المفوضية على إعادة العد والفرز يدويا، من جانبها حاولت أن تجد حلولا غير مقنعة فسارعت إلى إبطال 1020محطة انتخابية من المراكز الانتخابية في الداخل والخارج، ورفض رئيس المفوضية معن الهيتاوي، في مؤتمر صحفي ببغداد يوم 31 آيار 2018 العد والفرز اليدوي، مطمئنا الكتل السياسية بأن النتائج تعبر عن إرادة الناخبين، وبعد يوم واحد من إصدار اللجنة التحقيقية المشكلة من قبل مجلس الوزراء التي طالبت بإعادة فرز 5% من الأصوات يدويا، وإلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين»، والإشارة إلى حدوث مشكلات ناجمة من عدم الاعتماد على أجهزة غير مفحوصة في الانتخابات، كما أوصت اللجنة بمتابعة الحكومة والنزاهة لموضوعة التزوير، وإصدار أوامر تنفيذية بعدم سفر مجلس المفوضين من السفر الا بأمر من رئيس الوزراء. أصدر مجلس النواب قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 أقرت المادة (1) بتعديل المادة (38) من قانون انتخابات مجلس النوب المذكور بإلزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإعادة العد والفرز اليدوي لكل المراكز الانتخابية في عموم العراق وبحضور وكلاء الكيانات السياسية، ويلغى العمل بجهاز تسريع النتائج الالكترونية وتعتمد النتائج على أساس العد والفرز اليدوي، ويشمل هذا العد والفرز كافة المحطات حتى المحطات الملغاة منها، وجاء في المادة (4) من التعديل: «ينتدب مجلس القضاء الأعلى تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتتولى صلاحية مجلس المفوضين بدلا من مجلس المفوضين الحالي وقاضيا لكل مكتب من مكاتب المفوضية العليا في المحافظات بدلا من المدراء الحاليين وتنتهي مهام القضاة المنتدبين عند مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات ويجمد مجلس المفوضين الحالي ومدراء مكاتب المحافظات عن العمل لحين الإنتهاء من التحقيق في جرائم التزوير التي أشار إليها قرار مجلس الوزراء». وفي ضوء ذلك، أصدر مجلس القضاء الأعلى دعوة لأعضائه كافة للإجتماع صباح يوم الأحد 10/6/2018 لتسمية القضاة الذين سوف يتم انتدابهم للقيام بأعمال مجلس المفوضين والأشراف على عملية إعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات وتسمية القضاة الذين سيتولون مهمة إدارة مكاتب مفوضية الانتخابات في المحافظات، وتشكيل لجنة للانتقال إلى مبنى مفوضية الانتخابات للتمهيد لتنفيذ المهمة الموكلة للقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات وإتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة للمحافظة على صناديق الاقتراع والأجهزة والأوليات الخاصة بعملية الاقتراع.
هذه القرارات حظيت بالتأييد من عدد من القوى والكيانات السياسية المتراجعة جزئيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والقوى وشخصيات سياسية بارزة خاسرة والتي لم تنل الثقة من قبل شرائح الشعب العراقي، وكذلك من قبل الأحزاب التي تشعر بأنها غبنت فعلا من عمليات التلاعب والتزوير لنتائج الانتخابات، وأتصور أيضا سوف لا يقف الأمر عند القوى الرافضة لنتائج الانتخابات والعمل على تنفيذ إجراءات مجلس النواب وعمل مجلس القضاة بل سيكون هناك تداعيات من قبل بعض القوى المرتاحة من النتائج أو المتلاعبة في عمليات التصويت.
ومن أهم تلك التداعيات مايلي:
أولاً: ستقدم بعض القوى طعنا إلى المحكمة الإتحادية، وهذا ما هدد به حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني، والحزب الديمقراطي الكُردستاني بسبب إصدار تعديل قانون الانتخاب بجلسة إستثنائية وضمن جلساته المفتوحة، وقد تحقق هذه القوى المعترضة مرادها ببطلان قرارات المجلس كون المحكمة الإتحادية كمؤسسة قضائية تتابع دستورية إصدار القرارات، سبق وأن قامت بإلغاء القرارات الناجمة عن الجلسة المفتوحة للبرلمان، إلا أن المعطيات التي التزم بها مجلس القضاء الأعلى بعد صدور التعديل الثالث لقانون الانتخابات من قبل مجلس النواب لا توحي برفض المحكمة الإتحادية كون هذه المحكمة جزء من مجلس القضاء الأعلى.
ثانياً: إن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أرتكبت خطأ واضحا بعدم النظر جديا بشكوى القوى والأحزاب السياسية المشككة في نتائج الانتخابات في محافظة كركوك والحركة السكانية وأظن أن هناك فعلا تزويرا قد وقع في تلك المناطق، ولو إستجابت المفوضية للمطالبات ومنها مطلب الحكومة بإعادة فرز الأصوات في تلك المناطق لأنهت المفوضية كل الجدل والتداعيات قبل وبعد إعلان نتائج الانتخابات.
ثالثاً: التصويت في الخارج كان بابا واسعا في التلاعب بنتائج الانتخابات صعودا ونزولا ورشى ومبالغ مالية طائلة، ولو سارعت المفوضية بإلغاء نتائج ما نسبته 50 % لحققت شفافية في عملها وحاسبت المتواطئين والمرتشين من أعضائها في تزوير وتغيير نتائج انتخابات التصويت في الخارج.
رابعاً: بأستثناء تراجع عدد من مقاعد بعض القوى الكُردية في كركوك، وبعض القوى السنية في الانبار، وصلاح الدين في مجلس النواب، لا أعتقد سيكون هناك تغيير كبير في نتائج الانتخابات بعد قرار إعادة فرز الأصوات يدويا، إذا ما كانت هناك شفافية في الفرز وبعيدة عن ضغوطات كتل سياسية مارست التزوير سابقا، وإذا ما كان هناك تغييرات جزئية فستحصل بعدد من محافظات العراق كدوائر انتخابية داخل كل تحالف بحد ذاته ليس بسبب التصويت الإلكتروني وإنما بسبب تصويت الخارج، حيث كان هناك تلاعب بأصوات الخارج لصالح مرشح ما على حساب مرشح آخر من التحالف ذاته.
خامساً: إذا ما حقق القضاة دورهم في تحقيق فرز شفاف ودقيق لأصوات الناخبين وإعلان النتائج بعيدا عن الضغوط والتأثيرات السياسية بعد الجدل حول التزوير والتلاعب، سوف يصار إلى إناطة إدارة المفوضية بكل أجزائها إلى القضاة منتدبين من مجلس القضاة الأعلى برغم أن التعديل الثالث لقانون الانتخابات جعل مهمة القضاة تنتهي مع إعلان النتائج بالعد والفرز اليدوي.
** مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية.