بغداد – وداد إبراهيم:
دخلتها حين اقتربت الشمس من منتصف النهار، هدوء وسكينة تلف الزقاق الضيق شبابيك خارجية تطل على الزقاق، بعضها مفتوحة تظهر من خلالها ستائر تتحرك بفعل اجهزة التهوية او التبريد، وبعضها مغلق مما اوحي الي بأن اصحابها ينامون في سطح المنزل، فنهارات رمضان تومئ بالكسل والتكاسل والنعاس بعد ليالي من السهر في التعبد وقراءة القرآن وتحضير وجبة السحور التي تبدأ في الثانية بعد منتصف الليل حتى اذان الفجر. كنت اريد ان اجتازها للذهاب الى العوينة التي عرفت بأنها من اهم المناطق الشعبية في بغداد تسكنها عائلات منذ سنوات من دون ان يطرأ عليها تغيير.
عرفت بانها تمتلك خاصية البرودة في الصيف وهذا ما يساعد على النوم حتى ساعات متأخرة من النهار، ام محمد تحمل سلة مصنوعة من الجريد، توقفت معها للحديث عن اجواء رمضان في هذه المناطق فقالت: حتى الان نحافظ على العادات والتقاليد البغدادية القديمة اقصد تجهيز العصائر من النكوع والقمر الدين والنومي بصرة وشاي الكجرات والحفاظ على وجود التمر بالدهن والسمسم مع اللبن، واطعام الجار بشيء من مائدة الافطار،هذا ما اعتاد عليه الناس في هذا الزقاق، واهم ما يميز اجواء رمضان ان موعد الافطار يشهد تجمعاً للعائلة مثلا البنت تزور اهلها اكثر من مرة مع اولادها في وجبة الافطار وكذلك الاولاد المتزوجون لذا قليلاً ما نجد ان هناك من يجلس وحيداً امام مائدة الافطار.
طرقت أحد الابواب فظهرت لي امرأة كاد النعاس يطبق على جفونها رحبت بي وحين سألتها عن اجواء رمضان دعتني للدخول وفوجئت ان الاطفال والبنات يفترشون الارض ويغطون في نوم عميق، فقالت: لن يستيقظ أحد فنوم النهار ثقيل وقد استسلموا للنوم في ساعات الصباح الاولى.
حدثتني عن اجواء رمضان وقالت: ان اهم وجبة نقوم بتحضيرها في رمضان هي الحبيّه( الهريسة)فأنا اقوم بتحضيرها ثلاث مرات خلال الشهر وفي كميات كبيرة حتى اطعم الجيران كما انها رخيصة وتكفي لإطعام عائلة كبيرة مثل عائلتي، لم يتغير شيء في رمضان كل ما هناك ان السوق صار فيه كل ما لذ وطاب من الحلويات وبعض انواع الطعام وكنا في السابق نختار عمل حلاوة التمن لرخصها وسهولتها الان يجلب الاولاد الكنافة وزنود الست والبقلاوة، كما اننا لا نشعر بالوقت مثلما كنا في السابق، قد يكون هناك ما يلهينا ويحرق ساعات النهار بسرعة مثل النقال، والاجهزة الكهربائية والفضائيات، التي اصبحت كثيرة ومتنوعة. نحن نحرص خلال ايام رمضان على ان تكون العائلة متجمعة خلال ايام الشهر، لان من اهم صفات رمضان هو انه يجمع العائلة امام مائدة متنوعة وكبيرة.
ام كمال سيدة كبيرة في السن تجلس امام محل لبيع الحلويات في منطقة العوينة قالت: انا اعيش في هذه المنطقة منذ خمسين عاما ولم يكن اجمل من رمضان في هذه المناطق في السابق، فما ان نضع وجبة الافطار حتى تبدأ عملية تبادل الطعام بين الجيران، فلا يكون هناك مجال لتناول ما صنعنا من طعام اذ نكتفي بما يقدم لنا من الجيران هذه العادات تراجعت الان وتغيرت طباع الناس وتراجعت العلاقات بين الناس، قد يطرق بابي. جار واحد او لا يطرقه أحد لكن هناك علاقات بين الجيران وبشكل قليل بالأخص في وقت السحور نشعر بالتقارب اذ يخرج البعض لإعطاء المسحراتي وجبة سحور ومن ثم يخرج الجار الاخر فيكون حوار بينهما عن وجبة السحور وموعد الاذان احياناً تكون هناك وجبة جماعية للشباب على باب أحد البيوت وحديث حتى الصباح.
قارئ المقام العراقي علي رزوقي في محلة القشل أحد ازقة الصدرية قال: رمضان كان في السابق شهر خير وبركة كانت هناك محبة كبيرة بين الناس الجار يسال جاره ان كان يحتاج الى شيء، هل يحتاج الى الخبز ام الى التمر وغيرها، هذه بصراحة تراجعت، لكن ما ان دخل رمضان حتى استعاد الناس بعض عاداته وطقوسه لان لهذا الشهر سحره وتأثيره على الناس لما فيه من نفحات ايمانية، فيما تتصاعد الادعية الى عنان السماء بأن يحفظ العراق واهله.