المسحراتي بين الأمس واليوم

أحد وجوه التراث القديم الحديث
بغداد – الصباح الجديد:

تعد مهنة «المسحراتي» إرثاً رمضانياً وتاريخها عريق لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين متى أصبح التسحير مهنة للبعض.
والمسحراتي هو الشخص الذي يتولى إيقاظ النائمين ليلًا وقت السحر ليقوموا بإعداد وجبات سحورهم قبل حلول موعد الإمساك وتهيئة أنفسهم لأداء صلاة الفجر في المساجد.
ويذكر بعض المؤرخين أن أول ظهور للمسحراتي كان عندما لاحظ والي مصر «عتبة بن إسحاق» أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور فتطوع بنفسه لهذه المهمة فكان يجوب شوارع القاهرة لإيقاظ أهلها وقت السحر.
كما يذكر في التاريخ أن من أشهر المسحرين في عصر الخليفة العباسي الناصر لدين الله هو «أبا نقطة» الذي كان يقوم بهذه المهنة مقابل راتب سنوي.
وبتوارث هذه المهنة عبر الأجيال أصبح المسحراتي موجوداً في العديد من الأقطار العربية ويشكل ملامح الهوية الإسلامية، اذ نراه خاصة في كل من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر.
و ينادي المسحراتي : «اصح يا نايم اصح يا نايم اصح وحد الدايم وحد الله سحور يا عباد الله.. رمضان كريم». وينتظر»المسحراتي» حتى أول أيام العيد ليتقاضى أجره عن كامل ما قام به من مهام خلال الشهر الفضيل على شكل إكراميات من أصحاب المنازل التي كان يمر عليها لإيقاظ أصحابها فيمر بمنازلهم منزلا منزلا ومعه طبلته المعهودة فيوالي الضرب على طبلته يوم العيد لعهده بالأمس في ليالي رمضان بل فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.

مهنة متوارثة
المسحراتي محمد جعفر قال: انه يزاول هذه المهنة منذ 25 عامًا وهي ميراث عن أبيه الذي كان يصطحبه عند الساعة الثانية من منتصف الليل منذ أن كان طفلا وكان يحمل في يده الطبلة ويقرع عليها منادياً أهالي الحي بأسمائم فرداً فرداً ليتنبهوا لوقت السحور،
إلا أن الوضع تغير كما يشير جعفر بسبب كثرة المنازل والعائلات في وقتنا الحاضر، اذ كانت الأحياء قديماً صغيرة وضيقة وكل يعرف بعضه، أما الآن فعلى النقيض من ذلك. وفي سؤال عما إذا كان وجود الوسائل العصرية تشكل عامل تأثير على هذه المهنة رأى جعفر أن مما لا شك فيه أن وجود المنبه والوسائل المتطورة الأخرى كالتلفاز وغيره أصبح بإمكان الكثير من الناس السهر حتى موعد آذان الفجر.

طعم أجمل
وبرغم تطور أجهزة المنبه والتكنولوجيا، ظل المسحراتي عادة من عاداتنا العراقية الأصلية التي تعطي لهذا الشهر الكريم طعماً آخر.
اذ تجد اليوم أغلب الشباب يستغلون الليل للدردشة مع أصدقائهم في الفيسبوك والمواقع الاخرى لحين موعد السحور وبالرغم من ذلك يبقى لصوت المسحراتي نكهة أخرى وطعم أجمل.
الحاج حسن فالح بين: أنهُ بالرغم من تطور الزمن وانتشار وسائل التنبيه العديدة التي يمكن أن يستعملها الصائمون لتوقظهم وقت السحور، إلا أن الكثير من الناس يتمسك بالمسحراتي لأنه يعد أحد وجوه التراث القديم ويمثل مظهراً من مظاهر شهر رمضان المبارك التي يجب الحفاظ عليها من أجل الأجيال الجديدة كونه يطرق أبواب الليل ليوقظ الصائمين.
وتابع قولهِ: كل شهر رمضان حين نسمع دقات الطبل التي تجعلنا نعيش في جو رمضاني نقوم ونحن في نشاط يوم كامل من دون ان نعير اهمية الى أي شيء.
واوضح: ان بعض العائلات تخرج «للمسحراتي «سحوراً بسيطاً وبعضاً من الاكلات البغدادية المتنوعة، فضلاً عن الفواكه والعصائر والاطعمة المتعددة الخفيفة تعطى لهُ حتى يمكنه ان يمارس عملهِ بنحو طبيعي في شوارع المنطقة وليتابع عمله لأيقاظ الصائمين.

أبو طبيلة
محمد شمخي مختص بالتراث الشعبي قال ان المسحراتي «أبو طبيلة « كما يطلق عليه اهل بغداد ، عاش شخصية مضيئة في مشاعر الناس في بلاد المعمورة لما تحمله من خصائص لا تجدها الا في هذا الشخص المقترن وجوده وحضوره بشهر رمضان الكريم .
وأكد شمخي انه لا يختلف عندنا عن شبيهه في البلدان العربية الاخرى، فكل مسحراتي يحمل تفاصيل الواقع الذي يعيشه ويرسم خطواته على وفق ايقاع تراث وتقاليد البلد الذي يعيش فيه، ولا اعتقد ان المسحراتي الحالي له من الشهرة كما هو في مصر مثلاً اذ يحمل قنديله ويتجول في المناطق ساحباً خطواته في عمق الساعات المبكرة لصباح جديد حاثاً الناس على الاستيقاظ والتهيؤ لصوم يوم غد.
وتجدر الإشارة إلى أن ظهور المسحراتي ارتبط بحاجة الناس إلى من يوقظهم من النوم في ليل رمضان. فعلى الرغم من التطور التقني وقدرة الناس على التخلي عن وجود المسحراتي إلا أن نداءاته مازالت تصدح في المناطق والشوارع والأحياء اذ تترك طابعاً خاصاً في قلوب المؤمنين وتذكر الناس بأهمية إحياء التراث الذي يذكرنا بعبق وتاريخ أسلافنا الميامين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة