رسم معالم مفاوضات السلام اليمنية

إليانا ديلوزيي

من المتوقع أن يعرض مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، إطاراً جديداً لمفاوضات السلام إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف حزيران/يونيو. وعلى الرغم من أنه دبلوماسي محترم ومتمرس وقدير، إلا أن توقيته وليس مهاراته ربما يشكل أكبر حجر عثرة له. وتتزامن دعوته للمفاوضات مع حدوث تصعيد عسكري في اليمن، حيث تواصل جماعة الحوثي المتمردة إطلاق الصواريخ على السعودية بينما تستعد قوات التحالف إلى الاستيلاء على ميناء الحديدة. وفي الوقت الراهن، من غير المرجح أن يلتفت أي من الجانبين إلى تحذير غريفيث من أن التصعيد العسكري يمكن أن «أن يؤدي إلى إزالة عملية السلام عن الطاولة بضربة واحدة».
المفاوضات السابقة والحقائق المتغيرة
إن غريفيث هو ثالث مبعوث خاص [للأمين العام] للأمم المتحدة إلى اليمن منذ بدء الصراع في آذار/مارس 2015. وفي ذلك الوقت، تم إبعاد حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً من العاصمة من قبل الحوثيين والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كان قد اضطر إلى التنحي خلال احتجاجات «الربيع العربي» في 2011-2012. ورداً على ذلك، شكلت السعودية والإمارات تحالفاً عسكرياً مع حكومة هادي في محاولة لاستعادة السيطرة على البلاد بدعم من الولايات المتحدة، في حين دعمت إيران الحوثيين.
وقد فشلت محاولات عديدة لإحلال السلام، بما فيها تلك التي جرت في حزيران/يونيو 2015 في جنيف، ومحادثات أيلول/سبتمبر 2015 في مسقط، ومحادثات كانون الأول/ديسمبر 2015 في بيال، سويسرا. ومثلت محادثات ربيع 2016 في المملكة العربية السعودية أفضل فرصة لإنهاء الصراع لأنها كانت أول مفاوضات مباشرة بين السعوديين والحوثيين، الذين وافقوا بشكل مفاجئ على تخفيف حدة القتال وتبادل السجناء. كما غيَّر الطرفان خطابهما: فقد انتقد ناطق باسم الحوثيين إيران علانية لاستغلالها للحرب، بينما بدأ السعوديون يصفون الحوثيين بـ «حركة» بدلاً من «مقاتلين متشددين».
ومع ذلك، فقد كان سر نجاح تلك المحادثات على الأرجح هو سبب سقوطها أيضاً: فلم تشمل المفاوضات مشاركة وفود من مُعَسْكري هادي أو صالح. وبالتالي، عندما حاول السعوديون تمرير عصا السلطة إلى حكومة هادي من أجل متابعة المفاوضات في الكويت، تبدد الزخم. وربما كرد على استبعاده، عيّن الرئيس هادي عدواً حوثياً بارزاً، هو الجنرال علي محسن الأحمر، كنائب للرئيس قبل أسبوع من افتتاح المحادثات الكويتية، مما اسهم في انهيارها في نهاية آب/أغسطس 2016. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، رفض هادي خطة الأمم المتحدة الجديدة، وبذلك فشل الجهد الأخير الذي بذله وزير الخارجية المنتهية ولايته آنذاك جون كيري في كانون الأول/ديسمبر.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت تعقيدات إضافية وتحولت الولاءات [بين الجماعات المختلفة]. ولطالما شملت الحرب رفقاء غرباء هم أكثر توافقاً حول الخصوم المشتركين من توفقهم حول المصالح المشتركة، ولكن حتى هذه الروابط الضعيفة قد تحطمت الآن. فقد انقسم معظم معسكر الحوثي- صالح، مع انضمام بعض الموالين إلى التحالف. وظهرت انقسامات مماثلة بين أعضاء التحالف نفسه، وجميعهم مناهضون للحوثي ولكن ليس كلهم مؤيدين لهادي. وعلى وجه الخصوص، اشتبك أعضاء «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم من قبل دولة الإمارات وبقيادة حاكم عدن السابق المعين من قبل هادي، عيدروس الزبيدي، مراراً مع قوات مؤيدة لهادي. ونتيجة لذلك، قد لا يكون الصراع والمفاوضات ضمن الإطار البسيط لحزبين رئيسيين ومؤيديهما.
قضايا يلزم حلها في محادثات جديدة
سوف تحتاج الجولة القادمة من المفاوضات أن تشمل مجموعة أوسع من الفصائل، كما يدعو إليها اليمنيون من جميع الانتماءات السياسية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن غريفيث يتمتع بثقة الجهات الفاعلة الرئيسية – وهو عنصر مهم في التأكد من عدم تحوّل أي طرف إلى جهة مفسدة. وبالإضافة إلى حكومة هادي والحوثيين، التقى مبعوث الأمم المتحدة مع التجمعات النسائية، و»المجلس الانتقالي الجنوبي»، ومع كلا الفصيلين في «مؤتمر الشعب العام»، من بين آخرين. وقد يقرر غريفيث توسيع عدد الأطراف المشاركة في المفاوضات، سواء على الفور أو أثناء مرحلة انتقالية نهائية. وفي الواقع، يدعّي بالفعل «مؤتمر الشعب العام» و «المجلس الانتقالي الجنوبي» أنهما سيشاركان [في المفاوضات].
سيتعيّن على الجولة القادمة من المحادثات مواجهة القضايا القديمة أيضاً. فقد فشلت المحادثات السابقة إلى حد كبير بسبب عدم موافقة الأحزاب حول ترتيب التنازلات: فحكومة هادي تريد أن يتم نزع سلاح الحوثيين وانسحابهم من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، بينما يريد الحوثيون الاحتفاظ بأسلحتهم إلى أن يتم التوصل إلى الاتفاق المذكور، بحجة أن مطالب هادي ستكون بمنزلة استسلام.
وقد يضطر غريفيث أيضاً إلى التعامل مع عدم الرغبة العامة لكل طرف في تقديم تنازلات. ففي المفاوضات السابقة، بدا الرئيس هادي متردداً في اتخاذ قرارات أو تقديم أي تنازلات قد تقوض موقفه السياسي، في حين غالباً ما لعب الحوثيون لعبة الانتظار، معتقدين أن التحالف لا يستطيع طردهم من العاصمة. وكما قال أحد المحللين الذي يستطيع الوصول إلى الحوثيين لكاتبة هذه السطور، «الحرب خطوة سيئة، لكنهم يعرفون ما معنى الحرب». وفي تقرير صدر في كانون الثاني/يناير الماضي، أشار فريق خبراء الأمم المتحدة إلى عدم معاناة أي قادة من الجانبين بما يكفي لجعلهم يتنازلون عن مواقفهم ويتوصلون إلى تسوية – في تناقض حاد مع ناخبيهم المدنيين.
وإذا ما جرت محادثات، فمن المحتمل أن تكون الشروط الرئيسة لكل جانب متسقة مع المفاوضات السابقة. وقد أكدت حكومة هادي بشكل عام على ثلاثة مطالب: (1) يتعيّن على الحوثيين نزع سلاحهم والانسحاب من جميع الأراضي التي استولوا عليها، بما فيها مناطق في محافظاتهم شمال البلاد، (2) يجب أن تنسجم الخطة الانتقالية مع إطار «مبادرة الخليج» لعام 2011، أي نتائج «مؤتمر الحوار الوطني»، و»قرار مجلس الأمن الدولي» رقم 2216، و (3) يجب اختيار أي رئيس في المستقبل عن طريق الانتخابات.
ومن جانبهم، أصر الحوثيون على ما يلي: (1) إقامة حكومة انتقالية مؤقتة برئاسة مجلس رئاسي أو نائب رئيس متوافق عليه قبل الانتخابات، (2) مشاركتهم في الحكومة، و (3) إقالة الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن. ومن الشروط الأخرى غير المؤكدة، بل المحتملة، دمج المقاتلين الحوثيين في الجيش، و [تخصيص بعض] أموال إعادة الإعمار إلى محافظاتهم الأصلية، وإزالة العقوبات الدولية.
ومن المحتمل أن يكون لدى السعوديين شروط خاصة بهم أيضاً، مما يضمن كسر الروابط الحوثية – الإيرانية وإزالة الألغام من الحدود والممرات المائية في المقام الأول. وما يزال الحوثيون على استعداد للتقليل من أهمية طهران كحليف سياسي لصالح إقامة علاقات مع الرياض. وخلال المحادثات مع السعوديين عام 2016، أجرى مفاوض الحوثيين الرئيسي مقابلة رفض فيها إقامة علاقة وثيقة مع إيران مؤكداً على تاريخ اليمن المشترك مع المملكة العربية السعودية. وبعد عامين من الدعم الإيراني الإضافي، من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الحوثيين رؤية التواصل مع المملكة على أنه يصب في مصلحتهم على المدى الطويل أكثر من الشراكة مع إيران.

توصيات للسياسة الأميركية
إن الطريق إلى السلام في اليمن محفوف بالمخاطر، لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم استراتيجية التفاوض الخاصة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة من خلال أربع مسارات:
1. دعم مهمة المبعوث علانية وتشجيع التحالف على الاعتماد على الرئيس هادي للقيام بالمثل.
2. تشجيع توسيع المحادثات لضمان أن يكون بإمكان كل جانب – الذي يتمتع بما يكفي من القوة لأن يكون مفسداً – الانضمام إلى العملية في مرحلة ما.
3. تشجيع حكومة هادي على إعادة النظر في تفسيرها الدقيق لـ «القرار 2216» والاتفاقيات والسوابق الماضية الأخرى، مما يضمن مجالاً كافياً للتوصل إلى حل وسط.
4. تشجيع السعوديين على الانضمام إلى المحادثات مباشرة، كما فعلوا سابقاً، أو إجراء مباحثات عن طريق القنوات الخلفية لتعزيز مبادرة سلام مدعومة محلياً وإقليمياً.
وحتى لو نجح غريفيث في التوصل إلى وقف إطلاق نار أساسي، فإن العمل من أجل التوصل إلى خطة انتقالية وهياكل دولة جديدة سيستغرق أشهراً، إن لم يكن سنوات، من المفاوضات. فقد أثارت الحرب صراعات داخلية أخرى لم يتم حلها فضلاً عن ارتفاع أصوات إضافية تطالب بحكم ذاتي من مختلف أنحاء اليمن. إن وجود مفاوض قوي في القيادة لا يضمن السلام على المدى القريب، على الرغم من أن تخفيف حدة التصعيد فيما يتعلق بالصراع الرئيسي سيكون خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح.

*إليانا ديلوزيي، متخصصة في شؤون اليمن ومحللة سياسية في «معهد سيج للشؤون الخارجية».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة