مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 56
جاسم محمد*

اميركا تنفض يدها من الشرق الأوسط
هذه الوثيقة، التي تكشف إستراتيجية جديدة للامن القومي تضمنت معالجة قضايا المثيلين ولم تتضمن معالجة مشكلة الشرق الاوسط ، القضية الفلسطينية! إن تقديم اوباما الى هذه الوثيقة جاء متأخر بعد عدة اشهرمن التحالف الدولي سبتمبر 2014 وبعد تطورات احدثتها داعش على الخريطة الجيوسياسية والديموغرافية في المنطقة. واجهت إستراتيجية اوباما بالكثير من الانتقادات ابرزها بانها غير واضحة وتقوم على مساومة الشركاء بفرض سياساتها في المنطقة. وكان اوباما ان قدم اخر وثيقة بطرح استراتيجية الامن القومي عام 2011، والتي تضمنت التقارب مع روسيا وحث بوتين على المشاركة في حل مشكلات دولية، وإخراج أمريكا من العراق وأكثرها من أفغانستان كما وعد في وثيقة 2011 لكنه فشل فشلا كبيرا في تحقيق ماوعد به في منطقة الشرق الاوسط، فالقضية الفلسطينية ازدادات تعقيدا والارهاب في المنطقة انتشر اكثر في عهد اوباما. سياسة واستراتيجية اوباما في المنطقة اتسمت بالارباك والتردد وعدم الجدية وتقوم على تأجيل الملفات وانهاء فترته الثانية دون فرض قوات على الارض او خلق حرب جديدة. هذه السياسة مكنت التنظيمات “الجهادية” الارهابية ودول واحزاب مارقة في المنطقة من تنفيذ سياساتها. فلم تشهد المنطقة من تردي في حالة الامن اكثر من الوقت الحالي امام تغاضي واشنطن والغرب عن مايجري في المنطقة. إن التغاضي الاميركي والغربي لما تشهده المنطقة ياتي متفقا ومتوافقا تماما مع إستراتيجية تنظيم داعش القائم على مطاولة الصراع والفوضى.

الانتقادات الموجهة الى إستراتيجة اوباما في مواجهة الارهاب
• عدم تسليح عشائر الانبار، رغم لقاء وفد عشائري في البيت الابيض في يناير 2015 ولقاءات متعددة بين الطرفين، الانتقادات تصاعدت مع عدم وجود خطوات على الارض لدعم العشائر السنية في مقاتلة داعش والتي تواجه البعض منها الى حرب ابادة، البعض الاخر اضطرالى مهادنة داعش لهذه الاسباب وتشترك الحكومة العراقية بالمسؤولية الاخلاقية والقانونية حول هذه المسألة.
• التناقض والارتباك في إستراتيجية اوباما، وتناقض في تصريحات المسؤولين الاميركان حول النتائج المتحققة من مكافحة الارهاب، في الوقت الذي يعلن كيري مطلع فبراير 2015 بان التحالف قضى على 50% من قيادات القاعدة، فألبنتاغون اكد ان داعش لم يخسر من الاراضي التي يسيطر عليه الا 1 %!
• تصعيد اوباما من فرض سياسة إستخبارية صارمة، ضمن حربه على الارهاب تسمح له ب التجسس على حلفائه، فقد اعلن اوباما في يناير 2015 مشروع قرار انشاء “هيئة استخبارية لمراقبة الانترنيت” الذي يمكنه من الحصول على من المحركات والخوادم والاتصالات تحت وكالة ناسا، وكالة الامن القومي.
اعلن جون برينان رئيس وكالة الإستحبارات المركزية الاميركية في وقت سابق، ان ادارة باراك اوباما ترى ان مهمة تصفية شبكة القاعدة بصورة تامة، التي تنص عليها الإستراتيجية الامريكية الوطنية لمكافحة الارهاب، لا تفرض على واشنطن شن حرب شاملة. واضاف برينان ان الولايات المتحدة تعتبر ايران وسورية من الممولين الرئيسيين للارهاب في العالم. واشار مساعد الرئيس الامريكي الى ان الاستراتيجية “تعترف بان هناك تنظيمات وبلدانا صغيرة تدعم الارهاب لتقويض المصالح الامريكية”. هذه التصريحات تناقض مايجري على الارض من علاقات واشنطن مع طهران ولقائات ظريف وزير خارجية ايران المتكررة مع كيري.

ماذا يريد ان يعرف الكونغرس
• إن ابرز النقاط الذي يريد ان يعرفه الكونغرس الاميركي هو ماذا بعد داعش، اي ماهو البديل، ماهو مستقبل المنطقة بعد داعش! اي ماهو التقسيم الجديد للمنطقة!
• الفترة الزمنية التي تستمر الى ثلاث سنوات غير كافية، يريد ان يعرف الكونغرس ماذا يمكن ان يحقق اوباما خلال هذه الفترة و هل هي كافية لتحقيق استراتيجيته؟
• إن الكونغرس يطلب إستراتيجية بعيدة الامد وهي لا تتماشى مع الفترة المتبقية الى اوباما في البيت الابيض.
• إلتدخل العسكري، ماهو نوعيته، لقد اوضح اوباما في الوثيقة ، عدم ارسال قوات برية، لكنه اكد انه يحتاج ارسال قوات على الارض لاغراض دفاعية ومستشارين.
• خيارات اوباما في سوريا، ماهية هذه الخيارات، رغم اعلانه مشروع تسليح جماعات مسلحة في سوريا.
• ماهي الجماعات التي يتحالف معها اوباما على الارض في العراق اولا ثم في سوريا، رغم اعلان اوباما ومنسق التحاف الدولي عن استعدادات بناء 21 لواء عراقي لشن عمليات واسعة في ابريل 2015 لاستعادة الموصل ومدن عراقية اخرى.
إن قبضة اوباما في الشرق الاوسط خلال ” ثورات الربيع العربي” شهدت الكثير من التراخي، هذا لم يكن من فراع بل بسبب ضغوطات تقليص الميزانية واعادت نشر القوات الاميركية هذه السياسات وتحدي الصين للولايات المتحدة في اسيا وافريقيا ومناطق اخرى جعلت الولايات المتحدة ان تنفض يدها من الشرق الاوسط. ورغم تعين اوباما وزير الدفاع الاميركي الجديد اشتون كارتر شهر فبراير 2015 فانه مازال يواجه سلسلة من التحديات تتراوح من قيادة الحملة ضد داعش الى الانسحاب التدريجي من افغانستان مرورا بالمعارك حول الميزانية والخيارات التكنولوجية.

الدولة “الاسلامية” خرجت من تحت سراديب الاستخبارات
داعش الوجه الاخر لمشروع القرن والبديل لمشروع الاخوان
كشفت المعلومات والتحقيقات التي حصلت عليها الاستخبارات العراقية تفاصيل جديدة عن تنظيم الدولة الاسلامية هذه التفاصيل تضمنت معلومات عن قيادات التنطيم واخرى عن سياسات وتفاصيل حركة ونشاط الجماعة. المعلومات قادت الاستخبارات العراقية الى اعتقال بعض القيادات من الخط الاول مثل قبل وبعد اجتياح الموصل يوم 10 يونيو 2014، حيث اعلنت وزارة الداخلية، مطلع شهر يونيو 2014 ، عن مقتل رئيس المجلس العسكري لـ”داعش” المدعو ابو عبد الرحمن البيلاوي واعتقال قيادي اخر بالتنظيم خلال عملية امنية نفذت في الموصل. المعلومات كشفت بأن “امير الدولة الاسلامية ابراهيم عودة البدري” المكنى بالبغدادي، يرتكز في عمله على مجموعة مستشارين عسكريين واركان من النظام العراقي السابق ماقبل 2003 واغلبهم من المنطقة الغربية ولديهم امتدادات عشائرية في سوريا. لقد نجح البغدادي في ادارة مستشاريه رغم عدم توفر الخبرة في ادارة الجماعات او الاشخاص، كون خبرته تنحصر بتدريس مادة الحديث والفقه، ورغم وجود معلومات بانه قاد احد التنظيمات “الجهادية” قبل التحاقه في “الدولة الاسلامية” في العراق انذاك تحت زعامة ابو عمر البغدادي حتى 2010، لكن تدرجه بشكل سريع والوصول الى قيادة ورأس هرم التنظيم بفترة لا تتجاوز بضعة سنوات بعد اطلاق سراحه من سجن بوكا عام 2004 والصعود عام 2010، يثير الكثير من التساؤلات.
الشهادات اظهرت وجود اختراق مخابراتي للتنظيم، لذا ركز ابو بكر البغدادي على البنية الأمنية مع تأسيس دولة العراق الإسلامية 2006وصعود ه عام 2010. عمل البغدادي بعد خروجه من المعتقل ساعي بريد في “الدولة الاسلامية” مهمته استلام وتسليم التقارير والرسائل السرية وخلال تلك الفترة خرج من السجن العميد الركن محمد الندى الجبوري المعروف بالراعي والذي استلم قيادة أركان الدولة، والعميد الركن سمير عبد محمد المعروف بـ حجي بكر نائباً له، الاخير كان له دورا بارزا في ادارة العمليات والتنظيم حتى مقتله شهر يناير 2014 في سوريا، ليحل محله اللواء ابو مسلم التركماني.
المعتقلات في العراق كانت تحت السيطرة الاميركية ويتم عزل السجناء او المعتقلين على اساس الانتماء الطائفي ـ هوياتي، اي ان مقاتلي القاعدة والتنظيمات “الجهادية” كانوا بعيدا عن المعتقلين من الشيعية او الميليشيات الاخرى. وهذا يعني بأن نشاط البغدادي ضمن التنظيمات “الجهادية” كان قائما، مع الاخذ بالاعتبار ان القوات الاميركية كانت تحرص على اعادة تجنيد المعتقلين واعادتهم الى الاوساط “الجهادية”. السؤال الذي يثير التساؤلات هو سرعة صعود البغدادي! وهذا يرجح بان البغدادي كان عميلا مزدوجا الى القوات الاميركية رغم عمله داخل الاوساط “الجهادية”، ورغم ذلك يبقى في اطار التحليلات، كون العميل المزدوج يحصل على معلومات من الجانب الاميركي ويسربها الى التنظيم “الجهادي” البعض منها مفبركة والبعض الاخر تكون معلومات حقيقية لغرض كسب ثقة التنظيم بالبغدادي او باي عميل مزدوج، ان حصول العميل المزدوج على تغذية بالمعلومات وتغذية عكسية تمكنه من كسب ثقة التنظيم ومنحه ادوار قيادية وهذا مايحصل في روايات الاستخبارات، فهنالك الكثير من العملاء المزدوجين وصلوا الى صدارة المواقع القيادية، وما يدعم هذا التحليل هو ان سيرة البغدادي تنقصها الادارة والحوكمة والخبرات العسكرية، عكس ماتناقلته بعض وسائل الاعلام. البغدادي اعتمد المعلومات الاستخبارية داخل التنظيم، لتكون علامة فارقة عند البغدادي وتنظيمه حتى وصف بانه يقوم على الشراسة الاستخبارية اكثر من القدرة والقوة العسكرية، وهذا يعني ان البغدادي حصل على خبرات استخبارية داخل المعتقل ليوظفها تنظيميا بعد خروجه. إن ادارة البيت الابيض ووكالة الاستخبارات المركزية، لم تعلن اي معطيات او معلومات عن البغدادي رغم اعلان الاستخبارات العسكرية العراقية عنها وان تحفظ الولايات يرجح بانها كانت متورطة بتجنيد البغدادي ضمن سياستها بتفريخ الجهاديين داخل معتقلاتها.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة