مخرجات الانتخابات البرلمانية وفرص تجاوز التحديات

د. أحمد عدنان الميالي

تعد الانتخابات من الظواهر الرئيسة المرتبطة بالاتصال السياسي والمشاركة السياسية في المجتمع، حيث تمثل الانتخابات أحد أهم أدوات التأثير المباشر على الرأي العام في العملية السياسية، إذ يحاول المواطن أن يؤثر من خلال صوته الإنتخابي وبالإشتراك مع الآخرين في تكوين إتجاهات سياسية معينة تؤثر على السلطة السياسية تأثيرا مباشرا.
فحصيلة ما رافق انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2018، من إنتصار تيار المقاطعة على تيار المشاركة، إضافة إلى حجم الخروقات والمشكلات الحاصلة والمثارة التي ستؤثر على شرعية التمثيل السياسي، توضح أن الفعل السياسي في العراق لم يؤسس لنظام سياسي واضح ومرجعية قانونية ودستورية صارمة تلزم الجميع وتعاقب من يخالفها مهما كان، كما أن المحاسبة في مواجهة الأفراد والمؤسسات المخالفة والمعرقلة غير موجودة لغاية الآن.
حتى هذه اللحظة لا يبدو أن الأحزاب والكيانات السياسية المشاركة في العملية السياسية مهتمة بمعالجة القصور والفجوة الحاصلة بينها وبين المجتمع، لما لأثر هذه الفجوة على تحقيق المزيد من الأستقرار أو لابد من توفر عدة إشتراطات أو مستلزمات على عدة مستويات، لنجاح مخرجات أي إنتخابات خاصة إذا ما كانت تعاني من العقبات والتحديات، وحتى يتم تجاوز عقبات التراجع والمراوحة، لابد من جملة إشتراطات ومستلزمات، منها آنية مستعجلة، ومنها تتبع إجراء الانتخابات، ومنها متعلقة بالأداء النيابي والحكومي.
فالتحديات تستدعي البحث عن البدائل والمعالجات لتجاوز هذه العقبات من جهة، وإحتواء مخرجات تلك الانتخابات المتوقعة في إطارها السلبي من جهة أخرى، مثل تلكؤ تشكيل الحكومة الإتحادية وإخراجها بشكل يعيد ويكرس الفجوة مع المواطنين وينتج ممارسات سياسية سلبية سابقة.
ومن هذه الفرص لتجاوز الإختلالات والعقبات:
1- إن يحظى الدستور بالأولوية في تفكير وممارسات الفاعلين السياسيين، ففضلا عن إستبعاد أمكانية تعديله كما ينص الدستور ذاته، فأن هذه القوى الفاعلة عملت على جعل قواعده مجمدة بحكم اللجوء إلى فضائل التوافق والمحاصصة الذي جعل من الدولة العراقية دولة مساجلات ومناظرات وإسقاطات متقابلة للأطراف النافذة، مما يستلزم تشريع القوانين الدستورية المعطلة مع تطبيق مواده دون تجيير وتمييع نصوص تلك المواد أو الضغط بأتجاه تسييسها والإنتقال نحو سيناريو التقنين القانوني والدستوري.
2- الإصلاح الإنتخابي: أهم مدخل للإصلاح السياسي الشامل هو الإصلاح الإنتخابي ذو الطابع الإجرائي الذي يضمن تكريس نزاهة ومصداقية العملية الإنتخابية، فأي إصلاح شمولي يبقى ناقصا إذا لم يكن مدخله الإصلاح الإنتخابي، وهذا يحتاج إلى إعادة النظر في القوانين المنظمة للعملية الإنتخابية، وأهمها قانون إنتخابات عادل ومنصف وهيئة إنتخابية مستقلة بشكل حقيقي، فإذا تمت مراعاة هذين الأمرين من قبل مجلس النواب الجديد كأولوية لعمله في إطار الإصلاحات، فأن ذلك يعني أن مخرجات وطبيعة الحكومة المنبثقة عن الإنتخابات ستكون سليمة ومعبرة عن المطالب الاجتماعية، كما أنه قبل ذلك سيفرز مجلس نواب ومجالس محافظات قادمة تحقق تطلعات المواطنين وإختياراتهم.
3- تعزيز مكانة البرلمان، يكاد يجمع المراقبون على أن البرلمان في العراق ليس هو مكان السلطة، وأن تدهور دور البرلمان لصالح الحكومة إنعكس على وظيفته في التشريع والرقابة، وهذا حقيقة يرتبط بالكتل السياسية نفسها لأنها تقفز من البرلمان للحكومة، مما يجعلها مهيمنة عليه، كما أن هنالك معوقات دستورية تحدد دور البرلمان وتعطي دورا كبيرا للسلطة التنفيذية إضافة إلى معوقات قضائية حسمت من قبل المحكمة الإتحادية حصرت دور البرلمان بأقتراح القوانين لا تشريعها، بل حتى القرارات التي يصدرها البرلمان ليس لها صفة الإلزام للحكومة للعمل بها. فلا بد من البرلمان القادم أن يكون قادرا على أكتشاف هوية خاصة به أمام معطى حضور الحكومة.
4- هذه الإنتخابات لابد أن تعطي درسا لمجلس النواب المنتخب مؤخرا في تحسين الآداء، فيما يخص الدور التشريعي والرقابي للسلطة التشريعية. فالمعروف أن إختصاص التشريع ضعيف للبرلمانات السابقة، لأن التفسير الدستوري منح هذا الحق إلى الحكومة مكتفيا بتحديد صلاحيات تقديم مقترحات القوانين، لذلك لابد من تفعيل جانب الرقابة البرلمانية على الأداء الحكومي لأنها مستلزم من مستلزمات تقوية السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي. ويبقى هذا الحق ضعيف لعدم وجود معارضة حقيقية داخل البرلمان.
5- مالاحظناه وعلى مدار عدة ممارسات إنتخابية، إن هناك مبدأ يسمى التحالفات سواء من أجل الدخول في الانتخابات أو تحالفات مابعد الانتخابات، من أجل تشكيل الحكومة، وإن هذه التحالفات لم تنتج حكومات مستقرة، وإنما حكومات عرضة للأزمات الدائمة، وذلك لأن الكل مشارك في الحكومة، ولا يوجد من يعارض، وإن كان هناك من يعارض فأن المعارضة تكون من داخل الحكومة نفسها، وهذا يؤشر خللا كبيرا في الممارسة الديمقراطية، لذا فمن المفروض الإنتقال إلى نظام يعزز حكومة أغلبية نيابية متماسكة ومعارضة تراقب الأغلبية لترسيخ قواعد الديمقراطية.
6- إن الواقع المجتمعي والسياسي العراقي يشكو من أزمة ثقة، إذ تحاول كل الأطراف المحافظة على مصالحها تحت مسميات الديمقراطية التوافقية، والوحدة الوطنية والشراكة الوطنية، مما يعيد مشهد المحاصصة مرة أخرى وهذا هو المتوقع، ولتجاوز هذه السلبيات من قبل الأطراف الفائزة في الانتخابات العامة، ترسيخ ميثاق سياسي بين الأحزاب السياسية في دعم عمل الحكومة المشكلة في تطبيق برنامجها بما يخدم المواطن العراقي على المستويات كافة بعيدا عن مشهد الأبتزاز السياسي ومنطق التسقيط.
7- ضرورة التعهد بترشيق عدد أعضاء الحكومة وتوابعها، وعدم أستحداث مناصب عليا لغرض الترضيات السياسية بما يتناسب مع إحتياجات وضرورات الواقع والمصلحة الوطنية العليا مع إعتماد حكومة تكنوقراط حقيقية قائمة على أساس الكفاءة والمهنية لا على أساس المحاصصة والمحسوبية.
8- إخراج ملفات الفساد المالي والإداري والسياسي من دائرة تأثير السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنحها لهيئات رقابية مستقلة (بعد أن تتم المحافظة على إستقلاليتها) لتفعيل مبدأ المحاسبة وتطبيق القانون على الجميع ورفع الحماية والحصانة عن الشخصيات السياسية ومتابعة الأموال العراقية المهربة وإستعادتها.
9- يمكن القول، إن أشكالية الانتخابات في العراق لا تقترن فقط بالبحث عن الانموذج الجيد للإقتراع والمشاركة، ولكن الأهم من ذلك تكمن في مدى قدرة الانتخابات على التحول إلى سلطة مبنية على منطق المشاركة السياسية الصحيحة والمستحقة التي تعني أن تعبر عن إرادة الناخب في الانتخابات في تركيبة البرلمان وتشكيل الحكومة، إن الإبتعاد عن هذه المعادلة عبث سياسي وتحايل على خيارات المواطنين يحيل إلى بناء مؤسساتي فارغ وقواعد إتفاقية للمحاصصة تجعل من الانتخاب والمشاركة السياسية مستوى محدودا للمنافسة بين الأحزاب تفقدها شرعية العمل السياسي بشقيه التشريعي والتنفيذي، وأي مخرجات للسلطة القضائية والهيئات الرقابية الأخرى من رحم مثل هكذا برلمان وحكومة يضعف إستقلال هذه السلطة والهيئات المهمة ومسارها المهني الذي يعول عليه في الحفاظ على النظام السياسي وشرعيته.

* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة