الانتخابات .. نتائج وملاحظات

وضعت الانتخابات النيابية العراقية لعام 2018 ،اوزارها بعد منافسات حادة وساخنة بين الكتل والكيانات المشاركة فيها ، وهنا يمكن للمراقب ان يؤشر بسهولة جملة من الملاحظات ، لعل اولاها ، هي تدني نسب المشاركة من قبل المواطنين ، فمن بين 24 مليون انسان كان يحق لهم الانتخاب لم يشارك منهم سوى 11 مليونا وبنسبة لم تصل إلى 45% ، اي اقل من النصف ، هذه المشاركة وان كانت تعد مقبولة دوليا ومن شأنها ان تعطي الانتخابات شرعية واضحة ، ولكن اذا ما قارناها بالنسخ السابقة نجدها منخفضة بنحو لافت ، واعتقد ان هذا التراجع يمثل رسالة مهمة من الناخبين إلى المتصدين للشأن العام ، سياسيا واقتصاديا ينبغي قراءتها بوضوح ، مفادها ان الشارع العراقي غير راض عن مجمل الاداء لدى الطبقة السياسية وبالتالي فهو يريد ان يقول انه يشعر بلا جدوى المشاركة في هذه الانتخابات بعد ان لم يلمس تغييرا واضحا خلال السنوات الماضية ، وهنا فان الامر يتطلب من الذين سيشكلون المشهد المقبل بناء على ماستفرزه نتائج الانتخابات ، ضرورة العمل على اعادة النظر بقانون الانتخابات الذي يحتاج إلى الكثير من التعديل لكي يكون بمستوى طموح الناس وصولا لتفكيك القوائم والكتل وإتباع اسلوب الانتخاب الفردي .
اما الملاحظة الثانية المهمة ، وربما ترتبط بالملاحظة الاولى فهي ، ان الكثير من الكتل والائتلافات التي كانت تتحدث عن تحقيق مفاجآت غير متوقعة ، وإنها ستكون الرقم الصعب في المعادلة المقبلة ، ظهرت نتائجها لتخبرنا ان قراءتها للواقع لم تكن سليمة ، او في الاقل انها لم تقرأ مزاج الناخب بنحو صحيح ، الامر الذي افقدها امكانية الوصول إلى الناس ، والظفر بأصواتهم ، فيما استفادت كتل وكيانات وائتلافات اخرى من عزوف الناخبين لتحقق نتائج ، ربما لم تكن تتوقعها هي نفسها ، ولعل هذا هو السبب الاساس وراء دعوة بعض الكتل إلى الغاء الانتخابات وتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف اعمال لحين ترتيب عملية اعادة الانتخابات !!..
ملاحظة اخرى ، هي انه وعلى الرغم من اعتماد الاليات الالكترونية في الانتخابات ، ولكن بدأنا نسمع الكثير من الاصوات التي تؤكد وجود مخالفات وتزوير في بعض الصناديق والمناطق ، وكذلك حدوث الكثير من الاعطال في الاجهزة الالكترونية التي تسببت بحرمان بعض الناخبين من الادلاء بأصواتهم ، وكل هذه الاشكالات واردة في ظل ظروف مثل ظروف العراق .
ونأتي إلى الملاحظة الرابعة ، وهي ان الكتل التي دخلت انتخابات عام 2014 مؤتلفة ، تفككت جميعها لتدخل انتخابات عام 2018 منفردة ، او ان بعضها ذهب باتجاهات اخرى ، وهنا يمكننا ان نرصد نقطة ايجابية في هذا التفكك تتمثل بانخفاض منسوب التكتلات الطائفية لتحل محلها تكتلات اطلقت على نفسها «العابرة للطائفية « ، ومثل هذه الكتل حتى وان لم تحقق الهدف المنشود بصيغته المثلى ولكن يمكن عدها محاولة او خطوة اولى على طريق تحطيم التابوهات المقدسة ،التي لم يكن احد يجرؤ على الحديث بها .
وعندما نصل إلى الملاحظة الرابعة ، ولها ارتباط بسابقتها ، وهي انه ونتيجة للتفكك الذي شهدته الكتل ، فان النتائج جاءت متقاربة وليست ثمة فروق كبيرة بين الفائزين كما كان في عام 2014 ، ومثل هذا الامر من شأنه ان يعطل او يعقد تشكيل الحكومة في ظل الدعوات التي تطالب بضرورة تشكيل حكومة اغلبية ، لذلك من المناسب جدا ان يتحلى الجميع بروح رياضية عالية وان يبادروا إلى البدء من الان العمل على رسم خارطة التحالفات التي يمكن من خلالها الوصول إلى تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها البلاد .
وفي الملاحظة الخامسة ، نشير إلى ان هذه الانتخابات هي الاولى التي لم تشبها اي خروق امنية ، كما انها لم تشهد حظرا كاملا للتجوال لاسيما في العاصمة بغداد واغلب المحافظات ، وعلى الرغم من ان هذه الاجواء الامنة لم تدفع الكثير من الناخبين إلى المشاركة ، إلا انها تؤكد ان القوات الامنية العراقية نجحت في خلق توفير الامن المطلوب ،تستحق معه ان نوجه لها التحية والتقدير .
عموما ، ان العملية الانتخابية وعلى الرغم من كل ما شابها من مشكلات وملاحظات ، إلا انها ربما تعد الافضل بين ماشهدته دول المنطقة من تجارب انتخابية خلال هذه المرحلة الزمنية ، وبالتالي فأنها تمثل تطورا نوعيا في الواقع الديمقراطي العراقي سيتعزز اكثر خلال التجارب المقبلة.
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة