أطباء .. وصيادلة ومختبرات !

ليس من حقك ان تشتري الدواء الذي وصفه لك الطبيب من اي صيدلية تشاء ، كما ليس بإمكانك ان تجري التحاليل التي طلبها الطبيب منك في اي مختبر تريد ، فلكل طبيب صيدليته الخاصة التي يجيد صاحبها فك الرموز والطلاسم المدونة في (الراجيته) ، ولو ذهبت لأي صيدلية اخرى لعجز اصحابها عن تفسير ما كُتب فيها ، وان تمكن احدهم من فكها وصرف لك الدواء ، فانك ستواجه اعتراضا شديدا من الطبيب ويقول لك ان هذا الدواء ليس هو المطلوب !! وهكذا فأنت مُجبر على الذهاب إلى الصيدلية ذاتها التي يتعامل معها طبيبك ، اما المختبر او عيادة الاشعة والرنين والمفراس والسونار ، فهي ايضا محددة لك ، فلا تستغرب ابدا ان كان الطبيب الذي تراجعه في الاعظمية ويرسلك إلى مختبر في الحارثية !! .. او انك تراجع طبيبا في الشارع المشجر وسط الباب الشرقي المليء بالأطباء والصيدليات والمختبرات ! ، ولكنه يصر على ارسالك إلى مختبر في المنصور !! .. وليس من الصعوبة بمكان ان تكتشف السر الخفي وراء هذه العلاقات المتينة بين الاطباء والصيدليات والمختبرات .. فالعلاقة مصلحية تجارية بامتياز وبسبب هذا النوع من العلاقات فقد تحول جانب من الطب إلى تجارة لدى البعض ، وبات اصحاب المختبرات لا ينظرون إلى المريض بوصفه انسانا انما يرونه عبارة عن 100 الف او 500 الف دينار تتحرك باتجاههم !! وعليهم عدم التفريط بها وإمساكها بقوة .. ولذلك اصبحنا نجد اليوم الكثير من التشخيصات غير الدقيقة ، بل الخاطئة احيانا ، وهذا الخطأ من شأنه ان يكلف المريض ثمنا باهظا ماديا ونفسيا وصحيا ، ولا توجد آلية يتمكن من خلالها المريض من مقاضاة او محاسبة المختبر الذي يخطئ في التشخيص ، فضلا عن ذلك فان بعض المختبرات التي يتعامل معها الاطباء ربما لا تمتلك من الكفاءة ما يؤهلها للقيام بمهامها ، وبعضها رخيص الثمن مما يدفع الناس من ذوي الدخل المحدود نحوها ، مثل مختبر يتخذ من زاوية صغيرة تحت سلّم احدى العمارات مكانا يزاول فيه نشاطه المختبري ..
وإزاء هذا المشهد الحزين ، ينبغي ان يكون لوزارة الصحة ونقابات الاطباء والصيادلة وذوي المهن الصحية كلمة في هذا السياق ، فكما هو معروف ان مثل هذه المختبرات والصيدليات تكون خاضعة لضوابط ومعايير العمل الرصين بما يضمن سلامة الناس ، ولكن – مايؤسف له – ان الرقابة المطلوبة التي ينبغي ان تكون حاضرة ، شهدت تراجعا في مستواها وغيابا في بعض الاحيان ، وهذا الغياب ادى إلى تحوّل البعض من هؤلاء إلى (قصابين) … وقد يرد من يعنيه الامر ان هذه الجهات المشار اليها مازالت تفرض رقابة شديدة على جميع الاطباء والمختبرات والصيدليات وإخضاعها إلى شروط العمل من خلال منحها اجازة ممارسة المهنة .. وأقول ، نعم قد يكون هذا صحيحا شكليا ولكن في واقع الحال ان هذه الرقابة تبدو غير جدية لاسيما فيما يتعلق بمستوى الاداء ،الذي يقاس بموجب اختبار تخضع له المختبرات ، ولكن المشكلة ان المختبر الذي يخفق في الاختبار لا تتخذ بحقه اي إجراءات ، انما يستمر بممارسة مهامه .
قضية التواطؤ المفضوح هذه بين بعض الاطباء وبعض أصحاب الصيدليات والمختبرات ، باتت تتضخم وتتسع ولم يعد بإمكان المواطن البسيط النجاة من براثن هذه الشبكات ، وبالتالي فان انتشار مثل هذه الظاهرة بدأت تسئ بشكل كبير إلى سمعة الطب في العراق ، هذه السمعة المشهود لها في كل انحاء العالم ، ولذلك بتنا نسمع حديثا عن تردي الطب في بلدنا في حين ان لدينا من الكفاءات والخبرات الطبية ما يشار اليها بالبنان ، ولكن للأسف هذه الكفاءات وهذه السمعة الطيبة اصبحت عرضة للتعريض بسبب السيئين .. المطلوب من الجهات المعنية بهذا الملف وفي مقدمتها وزارة الصحة تشديد اجراءاتها في هذا السياق ومعاقبة كل طبيب يفرض على المريض مراجعة صيدلية او مختبر بعينه ، إلا اذا كان من باب النصيحة والمعرفة بالأفضل ، كما ينبغي تشديد اجراءات المراقبة والاختبار لجميع مختبرات ومراكز الفحص والسونار الاهلية والحكومية على حد سواء وإخضاعها لمعايير الجودة والأداء من خلال التقييم والمساءلة ، لضمان سلامة الناس وصون سمعة الطب في العراق .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة