نحو مبادرة وطنية تأريخية تعيد لحمة الشعب وتحفظ العراق

لقد آن الأوان لمعالجة الجرح العراقي النازف في المنطقة الغربية ولا سيما في الفلوجة والأنبار وبقية المدن الغاضبة؛ بسبب ما تعدّه تقصيراً من لدن الحكومة السابقة في تلبية مطالب المتظاهرين.

انّ هذا الأمر سيطلق يد الدكتور حيدر العبادي في مشاوراته الفتية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ومع ملاحظة موقف العبادي الممتاز من تعهده النظر في مطالب شعبنا في تلك المناطق. انّ قوّة داعش تأتي من تغذية هذا المسخ الكاسر والظلامي والقاتل بالقوّة والاستمرار في استغلال التناقض الحاصل في مواقف الطرفين، الحكومة والمنطقة الغربية.

ولا يعني هذا الطلب انّنا يجب أن نستسلم لتبجح الجاحدين والغادرين والمتآمرين مع داعش وحلفائها السريّين والمستترين. بل نحتاج إلى تشكيل مظلة وطنيّة أو مؤتمر وطنيّ لتنقية المطالب وترتيبها وتبويبها بما ينسجم مع القوانين والمصالح الوطنيّة العليا التي أرى انّ مواقف الغالبية السياسيّة الفاعلة مقبولة ومعقولة.

 انّ التضحيات والتفاهمات المتبادلة بين أبناء الشعب العراقيّ هي أرفع واجب يمكن تصوّره في هذه اللحظة. وقد كشف الوحش الداعشي عن وجهه الغادر لأولئك الذين انخدعوا بتظاهرها الشراكة مع بعض الفاجرين الذين ظنّوا انّ الطريق الى فرض آرائهم على العراق يمرّ من خلال استغلال داعش.

انّ بعض السياسيّين في المنطقة الغربيّة يفقدون صلتهم بالواقع الوطني عندما يمضون في أوهامهم بإركاع العراق لمطالبهم وادعائهم الفاجر بتمثيل شعبنا في الغربية. وعلينا اليوم أن نمدّ يدنا بكلّ حرارة واخلاص الى هذا الفريق العزيز من شعبنا وصولاً الى ميثاق شرف للتعاون عبر حكومتنا الجديدة، والتعبير من دون مواربة عن التمسّك بوحدة العراق ومصالحه الأساسيّة.

انّ السعي الى فيدرالية دستوريّة تنطبق على الرؤية المستندة إلى صيغ الادارة، أمر ليس خارج المشروعية الوطنيّة. لكنّ هذا الأمر لا يمكن أن يستند الى مفاهيم تجزئة العراق وتقسيم شعبه حسب أهواء الطائفيّين والطامعين.

والأمر ذاته ينطبق على ما يجب أن نتفاعل معه من مطالب شعبنا الكرديّ الذي يقاتل أبناؤه الوحش الداعشي في جبال كردستان وسهولها. وعلينا ألا نتناسى النزيف المؤلم للمسيحيّين والإيزيديين والذبح الكافر لأبناء الطائفة الشيعيّة في تلعفر وجلولاء والمناطق التركمانيّة. وجميع هذه المناطق شهدت العيش المشترك والتعايش بينها على امتداد مئات السنين. وليعلم المتطرفون والطائفيون انّ قوّة العراق ومستقبله مرهون بقدرتنا على معالجة الخلافات وتفكيك الألغام التي زرعها المتآمرون بيننا خلال السنوات الماضية. ومن الواضح انّ المطالب الكردية بالإلتزام بنصّ الدستور وروحه وبناء حكومة شراكة عادلة ومنصفة هي أمر يقع في صلب الوطنيّة العراقية. وليعلم هؤلاء انّ المعجزة الكبرى التي يمكن أن يخلدها لنا التأريخ تكمن في سمونا وارتقائنا الى مستوى المسؤولية التأريخية هذه، وفيها كلّ صلاح للدين والبلاد والعباد.

لقد تخلّت عنّا واشنطن وتنصّلت عن دعمنا في مواجهة الوحش الداعشي في خضم التهافت الكبير في السياسة الأميركيّة الراهنة. وعلينا أن نستخلص الدروس ونهتم ببناء نسيج وطنيّ عراقيّ يليق بنا ويتحامل على الجرح ويوقف النزف.

انّ الشعب العراقي والمواطن البسيط محبط للغاية من الحقائق الواقعيّة التي انتهى إليها تسليم أمّ الربيعين الى عصابات داعش التي سبت النساء وقطعت رؤوس الرجال الأبرياء المسالمين ولاحقت العوائل الى أقاصي الجبال بالقصف والذبح. وها هي الفرصة سانحة اليوم بالجلوس الى مائدة الوطن والتعاون من أجل العراق والعراقيّين. ويطالب هذا المواطن بالطمأنينة بدلاً من اليأس والهزيمة الروحية.

انّ تأريخنا ممتلئ بالمثل الكريمة والشهمة والشخصيات التي عبّرت عن عراقيتها قبل انتمائها الطائفي أو القومي. ولقد شهدنا كيف انّ بلاء الدكتاتورية المنفلتة لنظام صدّام مزّق بلدنا وحوّل العراق الى متحف للجرائم والمآسي والأحزان وكيف أسهم صمت البعض مقابل امتيازات رخيصة في تقوية الدكتاتور.

العراق يناديكم أيّها الاخوة في المناطق الغربيّة. ادخلوا الى طاولة التشكيل الجديد بإسم شهدائنا وايتامنا ومغدورينا. والعالم كلّه سينحني اجلالاً لكم. ونحن واثقون انّ العهد الجديد نقطة بداية نحو مستقل أكثر اشراقاً وأقلّ ألماً.

إسماعيل زاير

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة