القنبلة السورية الموقوتة

يوشكا فيشر
وزير الخارجية الألماني السابق ونائب المستشار من عام 1998 إلى عام 2005.
إن الصراع الحالي في سوريا له العديد من القواسم المشتركة مع حرب الثلاثين عاما، التي دمرت قلب أوروبا – ولاسيما مدينة ماغدبورغ الألمانية، مثل حلب في ذلك الوقت – من عام 1618 إلى 1648. وكما وُصفت اليوم، كانت الحرب نتيجة لصراعات جلبت معاناة هائلة للأوروبيين، وانتهت بسلام وستفاليا، بعد أن استنفذت جميع الأطراف المعنية أنفاسها تماما.
كانت حرب الثلاثين عاما ظاهريا بمنزلة نزاع ديني بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، تماما مثل الانقسام الكبير بين المسلمين السنة والشيعة في الشرق الأوسط اليوم. ولكن، كما هو الحال في سوريا اليوم، يخفي الدين صراعا أعمق من أجل السلطة والهيمنة الإقليمية.
بدأت الحرب السورية خلال الربيع العربي، بعد أن دعا المتظاهرون السوريون إلى الديمقراطية وإلى وضع حد لدكتاتورية الرئيس بشار الأسد. لكنها سرعان ما أصبحت قضية دولية. وتدخلت إيران وحزب الله – ميليشيا شيعية لبنانية تدعمها طهران – عسكريا إلى جانب روسيا، لمنع الأسد من الوقوع في أيدي المتمردين المدعومين من تركيا والسعودية الذين يمثلون الجانب السني من هذا التقسيم.
وفي الوقت نفسه، انتشرت الحرب لتحريك حملة بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وعندما هزمت الدولة الإسلامية في العام الماضي، سرعان ما نشأ صراع جديد بين تركيا والأكراد في شمال سوريا. وتستهدف تركيا الآن وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، التي ثبت أنه لا غنى عنها في الحرب ضد داعش، مما يخلق خطر مواجهة عسكرية مباشرة بين عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهناك أيضا خطر المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وأكدت الادعاءات الأخيرة أن الغارة الجوية الأميركية قد قتلت عشرات من المرتزقة الروس في سوريا.
ومع كل فصل جديد، تكون المأساة السورية أكثر خطورة. فالصراع لم يعد يتعلق بمن سيتولى السلطة في دمشق، بل حول من سيبسط حكمه في الشرق الأوسط. لم تعد المعركة بين روسيا والولايات المتحدة فحسب، بل أيضا بين إيران الشيعية والسعودية السنية، التي تتفق مع إسرائيل حليف آخر لأميركا.
من جانبها، تهتم تركيا بشكل رئيسي بخطر إنشاء دولة كردية في شمال سوريا، والتي من شأنها أن تحفز الفصائل الكردية الانفصالية الأخرى في جنوب شرق تركيا. ويعمل الأكراد في شمالي العراق (كردستان) بالفعل من أجل إنشاء دولتهم الخاصة، حيث قاموا بتنظيم استفتاء على الاستقلال في العام الماضي.
وأخيرا، يجب على القوى العظمى العسكرية الإقليمية أن تدافع عن مصالحها الأمنية في لبنان وجنوب سوريا. وحتى وقت قريب، كانت الدولة اليهودية قد ابتعدت عن الحرب، ومع ذلك، كان عليها التدخل عن طريق الجو لمنع تدفق الأسلحة إلى حزب الله، ومنع إيران من إقامة وجود قرب حدودها الشمالية.
واشتدت مشاركة إسرائيل هذا الشهر حيث أسقطت الدولة الإسرائيلية طائرة من دون طيار إيرانية دخلت مجالها الجوى من سوريا. ثم ردت المقاتلات الإسرائيلية بضرب أهداف إيرانية في سوريا. وقتل شخص اٍثر الدفاع الجوي السوري (وعاد الطيارون إلى الأراضي الإسرائيلية بأمان)، مما دفع إسرائيل إلى شن غارة جوية على قوات الأسد مباشرة.
ومع كشف هذه الأحداث، سرعان ما اتضح أن الدولة اليهودية لا تستطيع الاعتماد على العلاقة الخاصة المزعومة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكانت روسيا مترددة أو غير قادرة على السيطرة على إيران. لذلك، سواء قامت بذلك أم لا، إسرائيل هي الآن فاعل نشط في سوريا.
وعلى وجه التحديد، يمكن أن تنشأ حرب جديدة، وهذه المرة بين إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أن هذا الصراع ليس في صالح أي من الجانبين، فإنه ليس من الصعب تصور حدوث ذلك، بالنظر إلى الحقائق الراهنة. ولا يمكن لإسرائيل أن تبقى خارج الصراع في الوقت الذي يحقق فيه نظام الأسد وإيران وحزب الله انتصارا عسكريا. إن الحقائق على الأرض تهدد أمن الدولة اليهودية وتعزز عدوها بشكل كبير، إيران.
إن الحرب بين إيران وإسرائيل (التي من شأنها أن تجعل المملكة العربية السعودية في الخلفية) ستعرض المنطقة بأسرها للخطر، لأنها ستخلق جبهة جديدة في النضال من أجل الهيمنة. ولكن أوروبا أيضا ستتأثر بشكل مباشر، وليس فقط لأن انتشار الصراع سيؤدي إلى زيادة عدد اللاجئين في الشمال. مع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإبطال الاتفاق النووي الإيراني، يمكن لأوروبا أن تجد نفسها في سباق تسلح خطير – أو حتى صراع عالمي جديد – بالقرب من حدودها.
وبالنظر إلى هذه الأخطار، لم تعد أوروبا قادرة على المراقبة من الهامش. ومن أجل أمنهم، على الأوروبيين الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني. وبما أن الاتحاد الأوروبي لديه التزامات طويلة الأمد تجاه إسرائيل، فإنه لا يمكن أن يُسمح للصراع العنيف من أجل الهيمنة أن يهدد إسرائيل مباشرة.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو الوقت المناسب للدبلوماسية الأوروبية. لقد بدت تلوح في الأفق حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط، ويجب على القادة الأوروبيين العمل من أجل تجنبها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة