مخاطبة الموت

بيامي صفا

ستأتي، أعلم….
تطلعت إلى أن أستقبلك واقفًا على قدمي كفارسين بارزين؛ لا الأول يكون محتضنًا درعه الفولاذي، وبداخله قوة ساحقة تقشعر لها الأبدان، ولا الثاني يكون معتمداً على سيفه الطويل، وبداخله ضغينة وسخرية وقوة عاتية. طالما تمنيت أن أحمل قلبيهما الجسورين اللذين لا تتزايد خفقاتهما حتى عندما تدنو، وأعينهما التي تحدق بك بشجاعة دون أن ترمش، وأحبك.
حتى الآن أحبك كحبيبة خيالية، وكحرية، ونعيم شرف أحببتهم ولم أرهم ولو لمرة واحدة.
سوف تلمس يداك المجمدتان أنفي وساقي. وكحجر في نهاية حبل، ستسحب قلبي إلى أسفل. سيعاود الهواء الذي سيتسرب إلى داخلي مرتطمًا بوجهك المرمري، الهبوب من جديد. ستجمد دمي بنفحاتك، منغرسًا في مجرى عروقي الدقيقة.
قبل هذه اللحظة، وأنا أشعر بحراك أناملك على صدري، وكفيك اللتين تمسحان لون شعري، وكذلك يخمدان الشعلة المتقدة في عينيّ. فعيني هذه التي تراك دائمًا أمامها، يظلم محجرها مصبوغًا بلون الظل المجتمع؛ وكأنه عقرب واقف بدون حراك في حفرة على الجدار.
كم أنتَ صامت لعين، متحكم بذاتك وتعمل بصبر. أحببتك جداً، أكثر من أي شخص. أثق بك أنتَ وحسب. فأنت أقل وهمًا من الحياة. كل ما وجدته في البداية وما سوف تجده في النهاية، هو جزء ملون سابح في ظلام عالمه، وفي نهاية المطاف، محكوم عليه بالضياع في ذراتك متناثراً.
عندما أفكر فيك يفيض بداخلي كل من الانشراح والخوف؛ لأنني أتعود عليك. أكبر أشواقي هو أن أتمكن من لقاء أكثر أصدقائي مهابة، في ذلك اليوم الذي أضع فيه كفه على عمود سريري: وذلك حتى أتمكن من محاكاة سكونك بل وأشبهك ولو لوهلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيامي صفا (1899-1961): أديب وروائي وكاتب صحفي تركي، على الرغم من رحيله منذ سنوات طوال، ولكن تعد كتبه الأكثر قراءة في تركيا حتى الآن. والده هو الشاعر «إسماعيل صفا»، توفي والده وعمر بيامي عامان، لم يتلق تعليمًا منتظمًا بسبب قسوة ظروفه وإصابته بمرض وهو صغير، ويقال إنه كان مصابا بسل العظام وهو في التاسعة من عمره. اضطر إلى العمل وهو في سن صغيرة، فكان يعمل ويصرف على نفسه. عمل موظفًا في وزارة البريد والتلغراف، ثم عمل بالتدريس وهو في الخامسة عشرة من عمره، ثم عمل في الصحافة. وبعد ذلك أصدر صحيفة «القرن العشرين» بمساعدة أخيه. لم يتوقف بيامي صفا عن الكتابة لمدة 43 سنة متصلة، عمل في العديد من الصحف المختلفة، وأصدر مجلتي «أسبوع الثقافة» و»الفكر التركي». توفي في إسطنبول عام 1961

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة