هيثم حسنين*
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر في 2 نيسان/أبريل فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية بنسبة 97 في المئة من الأصوات. وخلال فترة ولايته الأولى، ركّز عمل السيسي على خنق الحياة السياسية وتهميش خصومه، وبالتالي سيتحول اهتمامه الآن إلى إعادة بناء المؤسسة السياسية. وبالفعل، تم زرع بذور النظام السياسي الجديد، من دون أن تلاحظ واشنطن ذلك.
ومنذ انقلاب عام 2013، سعى السيسي وحلفاؤه إلى تدمير المعارضة من خلال قمع الإسلاميين، ولا سيما جماعة «الإخوان المسلمين». وشكّل «حزب النور» السلفي الاستثناء الوحيد كونه دعم الانقلاب وقدّم شرعيةً دينية لحكومة السيسي. وبالمثل، تم طرد الكثير من أعضاء المعارضة اليسارية والليبرالية خارج البلاد أو تم حظرهم من جميع وسائل الإعلام، في حين، وللمرة الأولى، بدأت أجهزة الاستخبارات في شراء الوكالات الصحفية أو الاستثمار فيها بنحو مباشر. وفي هذا الصدد، حظّرت الحكومة أيضًا جميع الأنشطة السياسية في الجامعات.
من جهة أخرى، اختارت الأجهزة الأمنية غالبية أعضاء البرلمان بعناية، وذلك لضمان أن تلقى مشاريع القوانين التي يقررها السيسي الموافقة التلقائية. ومن بين التشريعات الجديدة تأتي القوانين التي تفرض عقوبات صارمة على أي مواطن يجرؤ على تنظيم تظاهرات غير مرخصة، كما تم اعتماد «تصاريح احتجاج» شديدة التقييد.
وفي هذا الإطار، تنبثق كل هذه الأعمال من الاعتقاد المتأصل بأن التشاحن السياسي والسياسة عامةً يشكلان مصدر إلهاء للبلاد. ويبدو أن السيسي نفسه يحتقر السياسيين، ويصفهم بأنهم منافقون وفاسدون ولا يخدمون سوى مصالحهم الشخصية. ففي رأيه، إنّ المؤسسة التي هيمنت على مصر، بعد أن أعاد الرئيس أنور السادات فتح المجال السياسي في السبعينيات من القرن المنصرم، قد تجاوزت الغرض الذي كان منشودًا منها.
ففي ذلك الوقت، أعاد السادات العمل بالأحزاب السياسية لتقديم هالة من الشرعية والديمقراطية. ومع مرور الوقت، تمكنت المعارضة من تحقيق دور سياسي كبير بلغ ذروته في ثورة عام 2011. ووفقًا للسيسي وحلفائه، كادت تلك الانتفاضة أن تدمّر الدولة والجيش عن طريق جلب الإخوان المسلمين إلى السلطة. وبرأيهم، إنّ الحفاظ على مثل هذا الحيز السياسي الواسع يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة أخرى.
ومن هنا، يتطلع السيسي إلى إعادة تعبئة المجال السياسي بشبان «أوفياء ووطنيين» من اختيار الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس، على أن يحل هؤلاء الشبان محل النخبة من المسنين الذين بدأوا حياتهم المهنية في السبعينيات من القرن المنصرم.
وبعد وفاة الرئيس السابق جمال عبد الناصر، واجه الزعماء في مصر صعوبات كبرى في صياغة أيديولوجيا سياسية قادرة على التنافس مع اليساريين والإسلاميين والليبراليين. ولا شك في أنّ السيسي قد لاحظ فشل أسلافه. لذلك، يبني المؤسسة الجديدة حول قضايا مثل محاربة الإرهاب وحماية الوطن من محور الشر المحسوس والمؤامرات الأجنبية والجيل الرابع من الحروب ـ وبعبارة أخرى، يكمن الحل بنظره في تجييش الحس الوطني.
والجدير بالذكر أن الحكومة تعمل على هذه الخطة منذ فترة، إذ أعلنت عن «المؤتمر الوطني للشباب» الأول في كانون الثاني/يناير 2016 وأجرته في شرم الشيخ في تشرين الأول/أكتوبر من ذاك العام. كما نظّم قسم الإعلام التابع لمكتب الرئيس هذا الحدث بالشراكة مع وزارة الشباب والرياضة و»البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة» ووكالات أخرى. أمّا المشاركون الذين قدّر عددهم بنحو 3 آلاف فرد فقد ضموا الطلاب الجامعيين والرياضيين والمثقفين والسياسيين الناشئين. وحضروا محاضرات ألقاها نحو 300 «خبير» وشخصية عامة. ومنذاك، تم عقد ما لا يقل عن ثلاثة مؤتمرات وطنية للشباب.
وتجدر الإشارة إلى أن «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة»، الذي تأسس في أيلول/سبتمبر 2015 بهدف خلق قادة سياسيين جدد، يشكّل العمود الفقري لهذه الفعاليات. فينقسم المشاركون إلى مجموعات ويوضعون في ورشات عمل حول الاقتصاد والإعلام والعلوم السياسية والاستراتيجية والأمن القومي، وذلك ضمن برنامج مدته تسعة أشهر. ووفقًا لمقابلة أجريت مع وزير التربية طارق شوقي في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تخرجت من هذا البرنامج مجموعتان حتى الآن، ويعمل حاليًا اثنان وعشرون من خريجيها في مناصب وزارية مختلفة.
يتمثل هدف السيسي على المدى الطويل بإنشاء طبقة سياسية خالية تمامًا من جماعة «الإخوان المسلمين» وأعضاء المعارضة الآخرين. وقد تكون هذه الرؤية على وشك الإثمار خلال الانتخابات المحلية القادمة، والتي أجلتها الحكومة مرارًا وتكرارًا بهدف إعداد مرشحين مناسبين – وبالتحديد المشاركين في «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة» ومؤتمرات الشباب. وفي هذا الصدد، أشار وزير التنمية المحلية أبو بكر الجندي إلى أن البرلمان سيعتمد التشريع التنفيذي المتعلق بإدارة هذه الانتخابات بعد انتخابات الرئاسة.
وبصرف النظر عن مشاعر واشنطن تجاه حكومة السيسي، فإن رعاية هذا الجيل السياسي الجديد وإشراك أفراده خلال سنواتهم الأولى قد يؤديان إلى مساعدة المسؤولين الأميركيين على إعادة ترسيخ نفوذهم في القاهرة. وهذا يشمل دعوتهم إلى الولايات المتحدة من خلال المبادرات الدبلوماسية العامة التابعة لوزارة الخارجية مثل «برنامج الزائر الدولي القيادي». وستزداد فرص نجاح هذه الجهود في حال تم التعاون فيها مع الحكومة المصرية.
*عن معهد واشنطن.