في كثير من الاحيان تلعب الجغرافيا دورا مهما في مكانة هذه الدولة او تلك .. فقد تتسبب الجغرافية بمآس ومشكلات كثيرة لبعض البلدان ، فيما تكون طريقا سهلا لبلدان اخرى في ان تتبوأ مراكز مهمة تمكنها من اداء ادوار متميزة في خريطة المصالح الدولية .. بمعنى آخر ، ان الجغرافية قد تظلم دولا وشعوبا وتنصف اخرى .. ولكن الدول «الشاطرة» وحدها هي القادرة على تسخير الجغرافيا لتحقيق مكاسب كبيرة تجعل منها دولا مهمة ومحط انظار العالم ..
واذا القينا نظرة عابرة على جغرافيا العراق لوجدناه يحتل موقعا لامثيل له في كل انحاء الارض .. ومما زاد من اهمية هذا الموقع ، الطبيعة التي يتمتع بها بلدنا ، فهو يجمع بين الماء والشمس والهواء والسهل والجبل والصحراء ،ومناخه حار جاف صيفا (بامتياز) بارد ممطر شتاء (سابقا) ، ومن المؤكد ان مثل هذه المميزات الفريدة جعلت من العراق محط انظار واطماع الدول الكبرى في محاولة للاستئثار والاستحواذ على ما يمتلكه من امكانات جغرافية وطبيعية ، فكان عرضة للاحتلالات التي دام بعضها قرونا والغزوات المستمرة التي كلفتنا الكثير ..
ولكن دعونا نترك الماضي ومآسيه ونتحدث عن المستقبل وما فيه .. والتخطيط الامثل لكيفية الاستفادة القصوى من الموقع الجغرافي ووضع الاليات المناسبة للاستثمار في هذه الخاصية التي يتمتع بها العراق .. مدركين ان الكثير من الشركات العالمية التي شاركت في مؤتمر الكويت الاخير كان من بين اهدافها الاستثمار في الجغرافيا العراقية .. ومنها شركات النقل الجوي ، اذ تمثل اجواء العراق ممرات عالمية قصيرة ومختصرة تربط بين اطراف الكرة الارضية ، فهناك مئات آلاف الطائرات التي يمكنها ان تعبر الاجواء العراقية في شتى الاتجاهات ، وهنا يمكن ان يوفر للبلد موردا ماليا مهما من خلال الرسوم المفروضة على مرور تلك الطائرات والخدمات المقدمة لها على وفق المعايير العالمية المعتمدة .. وإن هبطنا من السماء إلى الارض ، فسنجد ان العراق يمثل قناة جافة مهمة جدا تربط بين الشرق والغرب ، وقد ابدت الكثير من الدول رغبة عارمة في الاستفادة من الارض العراقية في نقل السلع والبضائع المصدرة والمستوردة لتلك الدول ، ومنها الجارة تركيا التي تريد نقل منتجاتها إلى دول الخليج وايران والهند واوروبا الشرقية عبر الاراضي العراقية ، ونقل مستورداتها من الصين ودول اخرى عبر الطريق ذاته ومن المؤكد ان دولا اخرى في اوروبا الغربية والشرقية واسيا لديها الرغبة نفسها، حتى المملكة العربية السعودية ابدت استعدادها لفتح ممر بحري من ميناء ينبع السعودي إلى ميناء ام قصر ، ولنا ان نتصور حجم الفوائد التي سيجنيها العراق من تفعيل القناة الجافة سواء عبر الربط السككي او الطرق البرية ، من قبيل تشغيل الايدي العاملة والقضاء على البطالة وخفض نسب الفقر ودعم الاقتصاد ، ولكن هذا الامر بطبيعة الحال يتطلب تطوير البنى التحتية وتأهيل الطرق ومد السكك الحديد من الشمال إلى الجنوب وانشاء طرق سريعة وتطوير الموانئ والنهوض بواقع المنافذ الحدودية واخضاعها لسيطرة الحكومة الاتحادية ، وفي هذا الاطار ابدت الكثير من الدول والشركات استعدادها للدخول في استثمارات كبيرة لتنفيذ مثل هذه المشاريع الاستراتيجية.
وما دمنا نتحدث عن الاستثمار في الجغرافية ، فقد بدأت الصين تتحدث بقوة عن اعادة الحياة لطريق الحرير وهي تسعى للحصول على موافقة اكثر من 60 دولة يمر عبرها هذا الطريق العالمي والذي سيكون اثره كبيرا في تغيير خارطة التجارة في العالم .. ويشكل العراق مفصلا مهما لهذا الطريق ، ومن هنا يمكن الاستفادة من الامكانات الصينية الهائلة في تطوير البنى التحتية للكثير من المنشآت التي ترتبط بهذا الطريق داخل العراق ومنها الموانئ ، مقابل منحها الموافقة على مروره عبر الاراضي العراقية ، اذ تأمل الصين من خلال تفعيل هذا الطريق بجميع مساراته البحرية والبرية تحقيق مكاسب مادية تصل إلى نحو 3 ترليونات دولار خلال 10 سنوات ، فيما قدرت كلفة المشروع بنحو 50 مليار دولار
وهكذا يمكن للجغرافيا ان تمثل موردا مهما لدعم الاقتصاد وتحقيق التنمية بنحو يفوق ما يحققه النفط .. فالاخير ينضب ، فيما تبقى الجغرافية تتمتع بمميزاتها عبر العصور والازمان ..
عبد الزهرة محمد الهنداوي
اقتصاد الجغرافيا
التعليقات مغلقة