مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية: تركيز خاص على جمهورية العراق

علي المولوي

أصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 في الشهر الماضي، وكشفت المنظمة في تقريرها عن تصدُّر نيوزيلندا القائمة من حيث قلة الفساد متحصلةً على مجموع 89/100، في حين صُنفت الصومال بأعلى مستويات للفساد بمجموع 9/100، وبلغ متوسط النتيجة العالمية 43/100.[1] وقد كشف التقرير عن تحسُّن ترتيب العراق تحسناً طفيفاً، إذ ارتفع تقييم البلاد من 17/100 في عام 2017 إلى 18/100 في عام 2018؛ وبذلك يحتل العراق المرتبة 169 من إجمالي 180 دولة مدرجة في المؤشر. وفي الشرق الأوسط، حققت الإمارات العربية المتحدة النتيجة الأفضل بحصولها على تقييم 71/100، وجاءت في الترتيب 21 على مستوى العالم.
مقارنة بين تقييمات العراق في مؤشر مدركات الفساد بين عامي 2012-2017
وعلى ما ذُكِر من نتائج يجب أخذ بعض النقاط المهمة بالحسبان حين تحليل النتائج، وهذا النقاط تتمثل بالآتي:
أولاً: لا يقيس مؤشر مدركات الفساد مستويات الفساد الفعلية، بل يركز على مستوى إدراك الفساد بين خبراء الدولة ورجال الأعمال.
ثانياً: ﻻ ﺗُجري ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ الدولية اﻟﻤﺴﻮﺣﺎت واﻟﺘﻘﻴﻴﻤﺎت بنفسها، بل تعتمد على نتائج مجموعة محددة من التقييمات الخارجية التي تُحدّد درجاتها وتجمع وتُعتمد كنتائج لمؤشر مدركات الفساد.
ثالثًا: تستند نتائج مؤشر مدركات الفساد لهذا العام -في الغالب- إلى التقييمات التي أجريت في عام 2017، وتُجرى الاستبيانات -في بعض الحالات- كل عامين؛ لذا فإن آخر البيانات المتاحة تعود إلى عام 2016.
كيف قُيّم العراق في مؤشر مدركات الفساد؟
يقيّم مؤشر مدركات الفساد البلدانَ إجمالاً على أساس درجة إدراك الفساد الموجود في القطاع العام، ويعتمد المؤشر على نتائج ثلاثة عشر استقصاءً[2] من منظمات مستقلة عن منظمة الشفافية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي ودار الحرية، وتستند ثلاثة من هذه الاستقصاءات إلى آراء رجال الأعمال المحليين، في حين أن المصادر العشرة المتبقيّة هي تقييمات لخبراء مقيمين وغير مقيمين في البلدان[3].
ويستند تقييم العراق إلى خمس دراسات استقصائية فقط؛ لأن الدراسات المتبقيّة إما لا تنطبق على العراق، مثل تقييم مصرف التنمية الأفريقي، وإما لا تشمله لعدم إدراج العراق فيها، مثل استطلاع الرأي التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، بينما يعتمد تقييم مؤشر مدركات الفساد لدولة الإمارات العربية المتحدة على 7 استقصاءات، وكوريا الجنوبية على 10 استقصاءات.
ويوضح الجدول في أدناه مقارنة بين نتائج كل من التقييمات الخمسة التي تشكل الدرجة الإجمالية للعراق لعامي 2016 و2017، ونظراً إلى أن كل تقييم يستخدم مقياساً مختلفاً، فيقوم مؤشر مدركات الفساد بقياس هذه النقاط باستخدام حساب رياضي يسهل عملية تجميع النتائج وتقييمها.
وفيما يأتي وصف موجز لهذه التقييمات الخمسة:
1. مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحول (BTI) لعام 2018:
مؤسسة برتلسمان (Bertelsmann Foundation) هي مؤسسة ألمانية خاصة مقرها في مدينة غوترسلوه، وتموّل في المقام الأول من قبل شركة متعددة الجنسيات تابعة لمجموعة برتلسمان المتخصصة في وسائل الإعلام، وتمتلك المؤسسة مكاتب في بروكسل، وبرشلونة، وواشنطن.
إن مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحول هو تقييم تُجريه مجموعة صغيرة من الخبراء غير المقيمين في البلدان، ويُجرى التقييم الأولي من قبل باحث واحد مطلوب منه الإجابة عن سؤالين متعلقين بالفساد: الأول: إلى أي مدى تُفرَضُ عقوبات قانونية أو سياسية على أصحاب المصلحة الذين يُسيئون استخدام مراكزهم؟ والآخر: إلى أي مدى تستطيع الحكومة احتواء الفساد بنجاح؟ ويكون تقييم الخبير لكل سؤال من 10 درجات، وفي تقرير مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحول لعام 2016 سجل العراق 2/10 للسؤال الأول، و3/10 للسؤال الثاني.
ﺛﻢ ﻳراجع ﺧﺒﻴﺮٌ ﺛﺎنٍ اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ اﻟﻤﺒﺪﺋﻲ، وقد ﻳﻘﺪم ﺗﻌﺪيلاً ﻋﻠﻰ اﻟﺪرﺟﺎت ﻣﻊ ﻣﺒﺮرات ﺻﺎﻟﺤﺔ إذا لزم الأمر، بعدها يستعرض المنسق الإقليمي تقييمَ كل بلد قبل أن يتخذ مجلس المؤسسة المكون من نحو 20 أكاديمياً أوروبياً قراراً نهائياً بشأن تقييم كلِّ بلد.
ويعتمد مؤشر مدركات الفساد على مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحوّل للمدة من 2017 إلى 2018 المقرر نشره في نهاية شهر آذار من هذا العام، وسيكون متاحاً على الإنترنت[4]. وقد تحسن تقييم العراق في مؤشر مؤسسة برتلسمان بنحوٍ طفيف، إذ ارتفع من 20/100 في عام 2016 إلى 25/100 في عام 2017.
تقرير تقييم المخاطر للبلدان في وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) لعام 2017:
تعدُّ وحدة الاستخبارات الاقتصادية الذراع البحثية لمجلة الإيكونيميست في لندن، وهي شركة أبحاث واستشارات عالمية تلبي احتياجات الشركات وصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم. ويكون تقرير تقييم المخاطر للبلدان تقييماً للخبراء يكونون تابعين لهذه الشركة. وتُعطى درجات التقييم بين (0 “نسبة منخفضة جداً من الفساد” إلى 4 “نسبة عالية جداً من الفساد”)، ولا تتوافر التقارير إلا للعملاء والمشتركين؛ لذلك توجد معلومات عامة محدودة حول عملية التقييم، ومدى اطّلاع وحدة الاستخبارات الاقتصادية على معلومات من الأرض.
تقييم المخاطر للبلدان بحسب الإحصاءات العالمية (GI) لعام 2016:
إن تقرير (GI) هو تقرير من إنتاج شركة (IHS Global Insight)، وهي شركة عالمية للاستشارات والمعلومات مقرها في واشنطن العاصمة، وتقدم خدماتها لرجال الأعمال في الغالب، ويتضمن مؤشر (GI) ستة عوامل لتقييم الفساد، وهي المخاطر: السياسية، والاقتصادية، والقانونية، والضريبية، والتشغيلية، والأمنية. وتعتمد التقييمات المخصصة لكل دولة على تقييم نوعي من قبل متخصصين محليين في الدولة يعتمدون عادة على خبراء متمركزين في كل بلد. ويكون هذا التقرير متاحاً فقط للعملاء والمشتركين؛ لذا من الصعب التأكُّد من مدى اعتماد متخصصي (IHS) على الخبراء داخل العراق. علاوة على ذلك، منذ عام 2015، توقفت (IHS) عن تزويد منظمة الشفافية العالمية بتقارير (GI)؛ لذلك يتم الوصول إلى البيانات من خلال بوابة مؤشرات الحكم العالمية الخاصة بالبنك الدولي، تعود أحدث البيانات المتاحة إلى عام 2016.
ويتراوح تقسيم درجات التقييم من (1.0 “الحد الأقصى للفساد” إلى 5.0 “الحد الأدنى للفساد”)، بقي مؤشر (GI) القياسي للعراق في عام 2017 دون تغيير عند 10/100، وهي أسوأ نتيجة بين التقييمات الخمسة.
دليل المخاطر للبلدان لمجموعة (PRS) الدولية:
يُنشر هذا التقرير من قبل شركة استشارات مخاطر خاصة ومقرها في سيراكوز-نيويورك. وتنتج مجموعة (PRS) تقريراً شهرياً عن المخاطر في البلد، ويكون متاحاً فقط للمشتركين، وتقيّم التقارير الفساد داخل النظام السياسي. ويتراوح التقييم بين (0 “أعلى خطر محتمل” و6 “أقل خطر محتمل”)، ويحتسب التقييم الإجمالي للبلد على أنه إجمالي التقييمات الفصلية التي تغطي المدة من شهر آب من عام 2016 إلى شهر آب من عام 2017، وبقيت النتيجة القياسية للعراقية دون تغيير عند 15/100.
تقييم أصناف الديمقراطية (V-DEM) لعام 2017:
تنظّم هذا التقييمَ مجموعةٌ من الخبراء في جامعة غوتنبرغ في السويد، وجامعة نوتردام في الولايات المتحدة الأمريكية. وبدلاً من الاعتماد على خبير تقييم واحد، يضم تقييم (V-DEM) وجهات نظر العديد من المنظمات المحلية التي لم يكشف عن هوياتها علنياً. ويسعى تقييم (V-DEM) إلى الإجابة عن السؤال الآتي: ما مدى انتشار الفساد السياسي؟ ويتراوح التقييم من (0 “منخفض” إلى 1 “عالٍ”)، وحصل العراق على درجة 0.82 في أحدث تقييم لــ(V-DEM)، وهذا ما يعادل درجة قدرها 20/100.
كيف يمكن تحسين تقييم العراق في مؤشر مدركات الفساد؟
هناك ثلاثة مصادر أخرى تعترف بها منظمة الشفافية الدولية يمكن أن تدرج العراق في تقييماته، لكنها لم تفعل ذلك إلى الآن، وهذه المؤشرات هي: مؤشر قانون حكم مشروع العدالة العالمية (World Justice Project Rule of Law Index)، والكتاب السنوي للتنافسية العالمية لجامعة (IMD) السويسرية، ومسح الرأي التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي (EOS). وقد أدرجت التقارير الثلاثةُ العديدَ من دول الشرق الأوسط الأخرى في تقييماتها. ومن شأن الاستقصاءين الأخيرين -على وجه الخصوص- إثراء تقييم العراق الشامل لأنهما يستندان إلى دراسات استقصائية متعددة لرجال الأعمال من الذين يعملون داخل البلد، وستقدم تقييماتهم وجهات نظر أوسع من تقييمات الخبراء التي يجريها إخصائيون لا يتواجدون في العراق، وليس لديهم علاقات وتواصل منتظم مع بيروقراطيي القطاع العام.
إن (IMD) هي جامعة سويسرية متخصصة في إدارة الأعمال وتنشر الكتاب السنوي للتنافسية العالمية (WCY) الذي يشمل 63 دولة حول العالم، وتعمل (IMD) مع المعاهد الشريكة المحلية لقياس تصورات رجال الأعمال التنفيذيين في كل دولة من خلال استطلاعات الرأي (وعلى وجه التحديد عن الفساد)، ويسعى تقرير (WCY) إلى فهم مدى تفشي الرشوة. وفي الشرق الأوسط أقامت (IMD) شراكة مع خمس مؤسسات، منها: وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية، ووزارة التخطيط الأردنية، والهيئة العامة للاستثمار في السعودية، والهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في الإمارات العربية المتحدة.
ويمتلك المنتدى الاقتصادي العالمي منهجاً مشابهاً للغاية لمنهج (IMD)، إذ يدير أكثر من 40 استقصاءً للرأي مع رجال الأعمال في كل بلد من البلدان التي يشملها التغطية. وفي حين تصرُّ على العمل فقط مع المنظمات غير الحكومية، إلا أن العديد من شركائها المحليين هم من الهيئات الحكومية في العديد من الحالات، بما في ذلك وزارة الشؤون الاقتصادية الإيرانية، ودائرة التنمية الاقتصادية في الإمارات العربية المتحدة. وتعد سوريا وليبيا والعراق من دول الشرق الأوسط الوحيدة التي لم تُدرج بعدُ في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، على الرغم من تقديم الطلبات الرسمية من قبل منظمات المجتمع المدني العراقي للتعاون في هذا المجال، إلا أنّ المنتدى الاقتصادي العالمي رفض حتى الآن التشارك مع العراق.
وقد بقي مؤشر مدركات الفساد في العراق ثابتاً ضمن أسفل 5٪ في التصنيف العالمي السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، وإن إجراء تقييم أكثر صرامة لمفاهيم الفساد في هذا البلد سيُعزّز بنحو كبير من خلال دمج التقييمات التي تستند إلى وجهات نظر رجال الأعمال التنفيذيين الذين يعملون في العراق.

[1]–https://www.transparency.org/news/feature/corruption_perceptions_index_2017
[2]– http://www.transparencykazakhstan.org/UserFiles/file/CPI_2009_methodology_eng.pdf
[3]– http://www.transparency.org/policy_research/surveys_indices/cpi/2009/faqs
[4]– http://www.bti-project.org/en/home/

*مركز البيان للدراسات والتخطيط.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة