بغداد ـ هناء العبودي:
د. جاسم خلف الياس تولد 1957 ناقد وشاعر ودكتور في الأدب الحديث من كلية التربية المفتوحة /جامعة الموصل ، مزج بين النقد والشعر ويتجلى كتابه ( شاعرية القصة القصيرة جدا ) في النقد تجسيدا على ذلك ، من مؤلفاته نوافذ تحتشد بالمسافات 2002 ، وضوء يجترح الأفق دراسات في القصة القصيرة 2014، له (12) كتابا مشتركا مع نخبة من النقاد العراقيين والعرب .له العديد من الدراسات النقدية الحديثة في مجال القصة القصيرة جدا ، كان دخوله هذا النوع من الأدب عن حب ولهفة ومتابعة شخصية ، له تسعة كتب نقدية مشتركة ، شارك في مؤتمرات عربية وعراقية ، تولى الصفحة الثقافية في مجلة فواصل وجريدة مستقبل العراق ، نشر في الصحف العربية والعراقية ، له كتب نقدية تحت الطبع .
سألناه عن منجزه الأدبي الجديد، (بشعرية القصة القصيرة جدا ) ماذا تعني بشعرية القصة القصيرة جدا؟
تعني الشعرية بشكل عام قوانين الخطاب الأدبي حسب تودوروف، وكيف أن نجعل من عمل ما عملا أدبيا حسب ياكوبسن، وهي حسب استنتاجي في دراسة مفهوم الشعرية: تقصي الوعي اللغوي الذي يتحكم في خصائص واتقانات القصة القصيرة جدا وتحليل ذلك الوعي بفاعلية قرائية تكشف الـ(كيف) وتعيّن القوانين الداخلية التي تتحكم في جمالية النص، وتحلل الـ(ماذا) وتستكنه مكنوناته، وتسبر أغواره.
القصة القصيرة جدا بوصفها نوعا قصصيا ذا قيمة فنية، كيف كان دخولك الى هذا النوع والسبر في أغواره؟
دخولي الى هذا النوع القصصي كان نتيجة حب ولهفة، عبر متابعتي الشخصية لهذه الكتابات القصيرة جدا، وما لحقتها من هواجس قرائية أخذت تحمل معها أسئلة ما، وبقيت هذه الأسئلة مخبوءة في الأعماق تنتظر فاعليتها المشروعة، فسعيت إلى تفعيل تلك الأسئلة بعدما ظلت تتحين الفرص التي تسمح لها بالنهوض، حنى جاء النهوض في الفضاء الأكاديمي ليقوّمها من الهنات التي تعتريها فيما لو كتبت خارج هذا الفضاء.
بوصفك ناقدا كيف ترى واقع القصة القصيرة والرواية في العراق على المستوى العربي، وهل وصلت إلى مستوى العالمية، ومن أبرز الكتاب اللامعين في النوعين السرديين؟
لقد فرضت القصة القصيرة نفسها على الواقع الأدبي بشكل ممتاز منذ العقد الستيني في القرن الماضي، في الواقعين العراقي والعربي، ولكن – حسب رؤيتي المتواضعة – أخذت بالتراجع أمام الرواية التي أصبحت نوع العصر منذ بداية هذا القرن، والرواية العراقية في نهوض مستمر وفعّال، ولدينا كتاب يرتقون إلى العالمية، ولكن نحتاج الى كثافة في الترجمة لكي يصل الصوت الروائي العراقي إلى العالم. ومن أهم كتاب النوعين على سبيل المثال لا الحصر، محمد خضير، محمود جنداري، جليل القيسي، أحمد خلف، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، عبد الرحمن مجيد الربيعي، سعد محمد رحيم، فرج ياسين، عبد الستار البيضاني، علي بدر، نزار عبد الستار….والقائمة تطول جدا.
هل المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية تؤثر في المتغيرات الجمالية للنص الأدبي؟
تعد هذه المتغيرات التعالقية إن جاز التعبير، من أكثر القضايا بداهة في النظرية النقدية، فالمؤلف في تناقضات الحياة ومتغيراتها يعمل على التمرد في الجماليات القارة للنوع الأدبي الذي يكتبه، ويسعى إلى خلق ألفة جديدة مع القارئ، تتوافق ورؤيته المتجددة في التواصل مع جدلية الواقع/ الذات، وطموحه في إعادة ترتيب الواقع المعطى في تجليات أرقى وأمثل.
تكتب قصيدة النثر بلغة مكتنزة وصور مدهشة، وتوغل في الغواية اللغوية، ما سر ذلك؟
تقترح قصيدة النثر تشكيلها الجمالي عبر اللغة والتكثيف والتوهج والاشراق والانزياح وغيرها، وإذا كانت اللغة ميدانا خصبا للتعالق بين الواقع والمتخيل، الممكن والمحال، الوجود والزوال، الشعري والسردي، الحسي والوجداني، فهي تبتكر رموزها الخاصة، وتجترح القطيعة الذوقية في فاعلية الخلق والتغاير، وفي مجموعتي (نوافذ تحتشد بالمسافات) و (أسميك الندى وأكنيك البهاء) يتسع مجال اللغة الإشاري والإيحائي، وتكتنز الصور المدهشة بغواية اللغة، فتمتزج رؤيا الذات برؤيا الواقع في فضاء كوني، يحتوي تلك الأشارات والإيحاءات، وينمو بغموض دلالاته.
يقول لويس أراغون: (لولا الشعر لأصبنا جميعا بالسكتة القلبية) ؟
يذكرني هذا السؤال بمقولة كنا نتداولها عندما نصطدم بأناس سلبيين يقولون لنا، لماذا الشعر؟ فكنا نرد عليهم لأنه غذاءا للروح، فالشعر هو الحلم، وبدون الأحلام تكون حياتنا رتيبة ومملة، عندما نقرأ شعرا فإننا نبحث اللذة والدهشة، عن الاقناع والامتاع، وبصورة عامة ببحث عن لؤلؤة المستحيل، فكيف لا يعمل الشعر على بقاء القلب نابضا ودافقا وحبورا ومعطاء؟!
هل المستقبل لقصيدة النثر، وهل تراها تواكب متطلبات العصر؟
المستقبل للشعر أيا كان نوعه بعيدا عن المسميات النوعية، ولكن قصيدة النثر في تحولاتها النصية أحدثت قطيعة ذوقية في التشكيل الشعري، ورهانات التلقي المغاير، إذ اجتهدت في الانزياح النوعي، ورؤيتها للعالم، وتحقيق مطلبها الجمالي عبر اختراق البنيات النصية، فأشعلت فتيل الرفض والقبول وما زالت. وأراها من وجهة نظري الشخصية ستبقى تواكب متطلبات العصر على الرغم من وجود أنواع أخرى منافسة لها.
هل تكتب بعين الناقد، وهل أصبحت في يوم من الأيام ناقدا لقصائدك؟
كل شاعر هو الناقد الأول لقصيدته، وهذا أمر مفروغ منه، وحين أكتب قصيدة ما، أركنها جانبا، ثم أعود إليها بوصفي قارئا، وأسعى إلى مساءلتها، والارتقاء بها حسب قدرتي في التأليف الشعري، وعند اقتناعي بفاعليتها في مشهدي الشعري، أنشرها تاركا شكلها ومحتواها للقارئ.
تهتم بالأدب النسوي، هل يختلف عن الأدب الرجولي، وكيف تجلت صورة المرأة في قصائدك؟
ليس الهدف من الاهتمام بمصطلح (الشعر الانثوي) أن أضعه أمام مساءلة نقدية، وجدل عبثي يمنحه التواجد في الفضاء الذي تواجد فيه مصطلح (الأدب النسوي) وتفرعاته النوعية. أو مزاحمته للمفاهيم التي تواجدت في الكتب والدوريات والندوات والمؤتمرات وغيرها بشكل مقبول أمام الذهنية التي تقبلت مصطلح (الأدب النسائي) أو رفضته، بوصفه مصطلحا أيديولوجيا وسياسيا يساير ضرورة مساواة المرأة بالرجل، والدفاع عن حقوقها المهدورة أو المهمشة في أقل تقدير، وإنما جاءت اشتغالاتي من حيث مكونات الشعر الانثوي المتعالقة بتفاصيل الحياة ثقافيا واجتماعيا، لا بهدف إثارة الغرائز واللعب على أوتارها الحساسة التي تعزف في فضاءات المتعة والشهوة ، وإنما كون الشعر الانثوي ضرورة تحريضية ومكونا بنائيا يتأسس على العلاقات الحميمية بين الواقعي والمتخيل ، وإن جرأة الانتهاك والبوح الصادم وغواية اللغة وفتنة النص والمنفلت من المحظورات وغيرها شكلت تعبيرات متميزة ومشفرة، تمثل أفعال كينونة ومغامرة وجود، أرادت المرأة/ الشاعرة أن تصوغ ذاتها فيه، وتشكل واقعها منه، بخصوصية تؤكد على أن (الشعر الذكوري) مهما تقمص فيه الشاعر حجب المرأة بكل تفاصيلها، يبقى عاجزا عن الوصول أنوثة المرأة وحميمية جسدها المتجانس في الايقاع والدلالة. أما بخصوص تجلي المرأة في قصائدي، فكما تجلت في رؤيتي لها بوصفها ضرورة تحريضية ومكونا بنائيا يتأسس على العلاقات الحميمية بين الواقع والمتخيل كما قلت أعلاه، فهي تتجلى في قصائدي بهذا التوصيف.