منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية والمتغيرات الدولية

نوري عبد الرزاق حسين
د . قيس العزاوي
كاتب واكاديمي عراقي
عن دار بدائل في القاهرة صدر مؤخراً (بداية عام 2018) كتاب « منظمة تضامن الشعوب الافريقية الاسيوية والمتغيرات الدولية» وغني عن البيان مدى اهمية هذه المنظمة في تاريخ وحياة الشعوب الافريقية والاسيوية، فهي نتاج جهود عمالقة الخمسينات من القرن الماضي : عبد الناصر ونهرو وسوكارنو وتيتو وشوان لاي و… وهي منظمة غير حكومية انبثقت عن مؤتمر باندونغ المنعقد في إندونيسيا عام 1955، وقد تم الإعلان عن تأسيسها رسمياً في القاهرة عام 1958 حيث اصبحت القاهرة مقرها الرئيس.. والكتاب يقدم لنا تاريخا حافلا بالاحداث التي أسست حركات ومنظمات ارتبطت بما سمي بحركة عدم الانحياز والعالم الثالث..
ومؤلف هذا الكتاب، جزء مهم وحيوي من هذه المنظمة التي يشغل حالياً منصب سكرتيرها العام ، فهو احد المناضلين الذين كان لهم شرف المشاركة في صناعة الحدث، انه الاستاذ نوري عبد الرزاق السياسي العراقي المخضرم الذي لعب ادوارا مهمة في الستينات والسبعيات وما زال حتى اليوم على موقفه الاممي الانساني، عبد الرزاق يعد ذاكرة سياسية للنضال اليساري العراقي، تعرفت عليه لاول مرة في القاهرة عام 1965 عندما انعقد اول مؤتمر دولي لنصرة فلسطين بجهود استثنائية بذلها المرحوم تيسير قبعة رئيس اتحاد طلبة فلسطين انذاك وقيادي في حركة القوميين العرب، وكنت حينها عضوا في الحركة نفسها ومسؤول العلاقات الخارجية لرابطة الطلبة العراقيين وساهمنا مع عشرات غيرنا في هذا الحدث الكبير ..
لم تكن دعوة الشيوعين أو المنظمات المنبثقة عنهم او القريبة منهم الى مصر بالامر الهين فقد كانت مصر على خلاف معهم، ومع ذلك نجح قبعة في مسعاه ووصل الوفد اليساري العراقي من براغ الى القاهرة وعلى رأسه نوري عبد الرزاق وبهنام بطرس، وقد ضاعفوا نشاطهم مع عشرات الشخصيات الدولية لدعم الشعب الفلسطيني.. وفي نهاية المؤتمر وبعد زيارتهم للمعالم الاثرية والسياحية، ووسط دهشتنا طلبوا منا مشاهدة فيلم نجم الجاسوسية الامريكية جيمس بوند!!
وفي بداية هذا العام احتفلت « منظمة تضامن الشعوب الافريقية الاسيوية» بالعيد الستين لتأسيسها، وفي اطار استشرافها للمستقبل طرحت السؤال التالي: ما هي الاتجاهات المستقبلية لنضالها؟ للاجابة على ذلك يرى المؤلف ضرورة تدارس حركة العالم المعاصر في ضوء العولمة المتطورة وثورة الاتصالات والثورة الرقمية إضافة الى المتغيرات الكبرى التي شهدتها استراتيجيات الدول الكبرى . ويضيف المؤلف ان العالم يشهد مرحلة غير تلك التي شهدها في مؤتمر باندونغ ولابد من تكييف حركة التضامن الافريقي الاسيوي الامريكي اللاتيني كي تتواءم مع التطورات العالمية لان عالم الغد يختلف عن عالم اليوم.
منشغلاً بما سيكون عليه غد نضالات المنظمة يذكر عبد الرزاق انه على الرغم من صعود التيار الشعبوي اليميني في امريكا على وجه الخصوص فان العالم يشهد بؤرا عديدة للتوتر منها الصراع في الشرق الاوسط وفي قلبه قضية الشعب الفلسطيني وأمل قيام دولته المستقلة ومنها التوتر في شرق اسيا والتوترات في افريقيا وبؤر صراع ساخنة اخرى في العالم.. ويرى الامل متمثلاً في صعود دول مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها فربما ستكون قادرة على كسر الهيمنة الرأسمالية وكسر تفرد الولايات المتحدة بسلطة القرار الامني والعسكري الدولي.
ويؤكد المؤلف بأن الغد يسير باتجاه تعزيز دور القوى الناهضة التي سبق ذكرها وحركة التضامن الافريقي الاسيوي في قلبها مما يحتم على قادة هذه الحركة تحديد الاهداف اللازمة للانطلاق من دراسة الواقع الميداني والعمل على تغييره لخلق مستقبل واعد للمنظمة .
اهمية هذا الكتاب ليست في كونه شهادة تاريخية على نضالات كبرى خاضتها الشعوب المقهورة التي كانت قد بدأت بالتطور، ولا تلك الشعوب البادئة بالنهوض والتي يعول المؤلف على امكانياتها على تغيير الواقع الدولي المر، الاهمية في تقديرنا هي ان رجالاً مثل المؤلف وغيرهم ما زالوا يؤمنون بقدرة شعوب العالم الثالث على التغيير على الرغم مما أطلقت عليه في احدى كتبي « نهاية العالم الثالث» أن قدرتهم النضالية السحرية وارادتهم ونقاء مسعاهم مسألة تحتم علينا الوقوف اجلالاً لهم .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة