انطباعات عن نصوص شعرية تركمانية

علوان السلمان

مع ظهور جماعة (شفق) 1991(عصمت اوزجان ومحمد عمر قازانجي ونصرت مردان) واصدارها بيانها الشعري الذي حرص على الارتباط بنسغ الشعر وروحه وعدم الانزلاق في التجريب الى متاهات لا تمت للشعر بشيء..كون ( الشعر ليس اطلاقا للانفعالية ولا تعبيرا عن الشخصية ولكنه هروب من الشخصية) كما يقول ت.س.اليوت..
وبدعوة من مكتب الثقافة التركمانية في الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وتحت شعار الادب التركماني في بغداد يغني الانتصار.. وباستحضار النصوص الشعرية التي قدمها الشعراء التركمان والتي حصلنا عليها نستطيع ان نقول عنها افرزت اصواتا شعرية تتكىء في كتابة نصها على لغة صافية بالفاظها البعيدة عن التقعر مع خلوها من الغموض المفتعل والانفتاح على فضاءات مسكونة بالهواجس ومنبثقة من وعي شعري يكشف عن دلالاته ورؤاه واكتناز مضامينه الانسانية المؤطرة لصوره الشعرية المستفزة لذاكرة المستهلك(المتلقي) والمفضية للتأمل من اجل الكشف عما خلف مشاهدها الصورية..فكان صوت الشاعرة منور ملا حسون مغردا ومفتتحا الجلسة وهي تغني العراق..
(و.ط.ن) أحرف
تهمس لي مكابرة:
قدري ان اكتحل بجرحي
يابتهالات الشوق..
لتعود الوان فجري لفجري
ترى…
من يعشقني وطنا..
ومن يتغنى بي..
افضل منكم ايها الشعراء
فالنص يكشف عن قوة التدفق العاطفية وتكثيف الرؤيا مع استخدام الالفاظ المجازية المحققة للانزياح باعتماد(الايجاز والاختزال وتكثيف العبارة الذي أودى الى عمق المعنى..) مع اتكاء على حقول دلالية(زمانية ومكانية ..) لتشكل خطابا اتصاليا يثير الانفعالات وينبش الذاكرة..اضافة الى مغادرته المستوى التفسيري الى المستوى التأويلي مع توظيف تقنية السرد وعامل المفارقة الاسلوبية الادهاشية..
تبعها الشاعر فوزي اكرم ترزي بنص وامض اتخذ من الايجاز والتركيز مع اقتصاد لغوي اسلوبا فنيا في هندسته مبنى ومعنى..
انا غيمة عراقية تركمانية عاشقة
مهما تلف بي الرياح وتدور
مهما تتوسل بي الجبال والبحور
لن أمطر
الا في وطني
لان شهوة الشوق في دمي
تعشق كل ما في بلادي
فالشاعر يوظف تقانة المنولوج الداخلي(حوار الذات) للكشف عن دواخل النفس عبر تداعيا تفسيريا لتكون الانا الشاعرة جزء عضويا من النص..وهذا يعني ان الشاعر يستخدم ضمير المتكلم(انا) تعبيرا عن الذات للدلالة على الذات الجمعي الآخر..فضلا عن انه يركز على الفكرة باعتماد البناء الشعري القائم على لغة الاستعارة والمجاز بوحدة موضوعية منفتحة على آفاق دلالية مشبعة بها الذاكرة المنتجة التي تتشابك فيها الالفاظ الخالقة لجملها التي تتجاوز واقعها(بانزياح معيار اللغة)على حد تعبير جان كوهن..
وتستمر القصائد منشدة لوطن الانتصارات وبغداد الرمز والشهادة..فيعتلي المنصة الشاعر محمد آمرلي.. منشدا..
في المقبرة : شهداء وشعراء
على المنصة طفل
من رموش البكاء يفصل
ثيابا للقصيدة
يفتح شباكا للفقراء
القصيدة رغيف، مدفاءة،
غطاء نوم
القصيدة أشجار
الأشجار لها أمنيات أيضا ،
مثلنا تماما نحن الشعراء
والأنبياء والعشاق الفرسان،
فالشاعر يكتب عن الحياة بموجوداتها لخلق صوره المتوالدة من بعضها بصفتها اداة الكشف عن اصالة التجربة وجوهر النص وفيها تتحقق ذات الشاعر موضوعيا اذ يتنقل بوعي بين مساحاته المشهدية بلغة يومية وسرد شعري للمواقف المتوالدة من تفجير فعل الشهادة..
فالشاعر زكي دميرجي يعتلي المنصة ويقدم نصا يتغنى بعيد النصر..
ورد وحلوى زينة الاعياد
وارق من جورية بغدادي
فالشاعرة آيهان رشيد اورانقاي وهي تنشد..
ياعراق الصابرين
ياعراق الثائرين
تلاها الشاعر قره وهاب مغنيا..
وجهك غابة
وجهك صحراء يا عراق
لا والف لا
في الغابة لاتدري اين ومتى يلدغك الثعبان
وفي العراء لا تدري كيف ومتى تثور عليك الكثبان
دون شك
وجهك اجمل من الغابة ياعراق
وجهك غابة..لا
وجهك بحر..لا
وجهك عيد…لا
دون ريب وجهك اجمل من الكل ياعراق
فالنص يكشف عن قدرة تعبيرية وافق متسع الرؤى بتخطيه المبنى والمعنى وخلقه لحقله الدلالي المنحصر في ترجمة الاحاسيس والانفعالات الذاتية..بتوظيف الطاقات الحسية ونسجها بايجاز جملي..فضلا عن اعتماد الشاعر اسلوب تعبيري(اسلوب التكرار) الذي اضفى على النص حركية فاعلة..
فالشاعر وجدي نياز الدين اكبر الذي يجيب عن ذاته في نصه(سلني من انا)..فالشاعر حسن هاشم دمرجي وصداقته للقلم والتاخي حبر ودم..فالشاعر ايدن اصلان الذي تغنى بعراقيته وانتمائه الوطني فقدم نصا ينبثق من موقف انفعالي يتكىء على حقول مكانية تحتضن الفعل الشعري وزمانية مختصرة المديات.. فمهند قهوه جي وبوحه الشعري الاقرب لحوار الذات….
وبذلك قدم الشعراء نصوصا دغدغت المشاعر محققة لعنصر الاضاءة السريعة للحظة المستفزة للذاكرة بما تحمله من معنى ايحائي معبر عن الحالة النفسية التي انعشتها لحظة الانتصار..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة