كنت اتوجه لكتابة عمودي عن تكليف حيدر العبادي لمهمة تشكيل الحكومة الجديدة وردود فعل المالكي، لكن ما دعاني لتغيير فكرة الكتابة، هو سرعة التحولات السياسية لدى مجموعة كبيرة من الاعلاميين والقنوات الفضائية استبقت حتى الرد الاخير من المحكمة الاتحادية ، لتحول اتجاهاتها من مالكية الى عبادية بسرعة ضوئية مثيرة للاشمئزاز !
وفضيحة هذه التحولات انها جاءت كما لو كانت جاهزة تحت الطلب، بما في ذلك “مقربون” من دولة القانون وحزب الدعوة والمالكي ، حتى ان القناة الرسمية للحكومة التي لم تستضف معارضا حقيقيا للمالكي، لا من التحالف الوطني ولا من خارجه منذ فترة ما قبل الانتخابات ، استضافت احد صقور كتلة المواطن ، في برنامج اشبه ببرنامج “الاتجاه المعاكس” ، بل واعطت الكلمة الاخيرة له لاختتام البرنامج ، مع علمنا ان العراقية كانت علاوية ثم اصبحت جعفرية وتحولت الى مالكية وبانتظارها مرحلة العبادية!!
لا اعتراض على اي تحول في الحياة وتغيير القناعات فالحياة ليست جامدة والافكار متحركة وخاضعة للتأثيرات السياسية وغيرها ، لكن ان تكون بهذه السرعة ، فهذا ما يشعرنا بالعار نحن اصحاب الرؤوس الجامدة ، التي لاتتحول الا كل ربع قرن ولا نذهب بعيدا عن القناعات الاولى وانما نتحرك حولها حركات موضعية ، تشبه المجرم الذي يدور حول مكان ضحيته حتى ينفضح امره، وحتى تلك التحولات الجزئية كنّا نتحرج منها ونجهد انفسنا في ايجاد التبريرات التي نقنع انفسنا فيها قبل غيرنا !
لا اعلم كيف تحولت “انجازات ” المالكي الى كوارث، وكيف تحول الرجل من منقذ للعراق وطنا وشعبا الى معيق للديمقراطية في البلاد وسببا في الازمات التي تغرقنا، لااستطيع ان استوعب تحولات من هذا النوع تجلب لاولاد كارنا العار، مع اني من الذي عارضوا ويعارضون سياسات المالكي التي ادت بنا الى مانحن عليه من “سعادة” و”ربيع” !!
لكن هذه القناعة لا تبرر الترحيب بهذا النوع من الاعلاميين افرادا ومؤسسات ، وهم تحت الطلب، بل وتقديم الولاءات المبكرة للقادم الجديد، وتعيد انتاج المشهد البائس لهذه الطغمة الاعلامية التي تربت في احضان الانتهازية والوصولية ومسح وتلميع الاكتاف ، التي ساعدت على نشوئها طبقة حاكمة استخدمت مثل هؤلاء الاعلاميين ومؤسساتهم للترويج ، فتتحول الهزيمة الى انتصار، والفشل الى نجاح، وخراب البلاد الى مستقبل زاهر !
نمطان احدهما يغذي الآخر بوسائل النمو والتكاثر والطحلبة لتخريب الوعي الشعبي وتزييف الحقائق وتغيير اتجاهات الرأي العام ..
ستكون هذه الطغمة جاهزة لتقديم العبادي كما قدمت المالكي ، قبل ان تستلم شيئا وتعرف حتى الآن نهاية اللعبة التي ما زال امامها بقية من وقت ضائع ، واهداف لم تتضح بعد !
جزء من عملية صناعة السياسي الفاشل ، والقائد الفاشل ، هي “طغمتنا” الاريحية للاسف الشديد التي تغذي نرجسية القائد والسياسي ، لتسمعه ما يريد سماعه لا ما يجب ان يقال له، بما تمليه علينا واجبات مهنتنا من وضع الاصابع على الجروح والتبصير في الدروب المظلمة..
عامر القيسي